ويظل الفكر حائرا فى إشكالية الحالة المصرية وطلاسمها التى تستعصى على الفهم . فبعد نجاح الثورة التى رفع شبابها شعارات الحرية والكرامة والعدالة والخبز ولم نجد فى ميادين الثورة شعارا واحدا له مرجعية إسلامية . بعد ذلك انقلب الوضع تماما , فقد أمسك المجلس العسكرى بمقاليد الأمور محاطا بـتأييد كاسح باعتباره حامى الثورة من بطش شرطة النظام وأعوانه . ثم بدأنا نلاحظ عددا من الممارسات غير المفهومة . فبدلا من أن يكون العسكر مجلسا رئاسيا يحكم البلاد فى فترة انتقالية تكون كوادر الثورة قد نظمت صفوفها خلالها , ويكون المجتمع قد تخلص تدريجيا ودون عنف من بقايا النظام السابق وممارساته الفاسدة وهيأ العقل المصرى لثقافة الديموقراطية , وإقامة دستور يحدد سلطات قوى المجتمع . بدلا من ذلك تعجل العسكر بإعلان دستورى جرى عليه استفتاء تدخلت فيه القوى الدينية التى بدأت اللعب على الساحة , بعد ذلك تمت الموافقة على قيام بعض الأحزاب المكونة من تيار الإخوان المسلمين , وحزب آخر للتيار السلفى , وحزب للجماعة الإسلامية التى خرج قادتها من السجون فور نجاح الثورة . هذا على الرغم من أن الإعلان الدستورى يحظر قيام أحزاب على أساس دينى . وكانت تلك إحدى كبريات المهازل , يعنى نتفق على ألا تكتب فى برنامج الحزب شعارات دينية وبع قيام الحزب افعل ما تشاء ! يعنى تدليس على الأجيال القادمة وإعطائهم دروسا فى فنون التدليس , ثم جاءت الانتخابات البرلمانية , وأيضا جرت الدعاية فيها عل أسس دينية وعلى فوارق بين أهل الجنة وأهل النار وجرى تشويه التيار الليبرالى واتهام رموزه بأفحش الاتهامات , وكما هو متوقع فاز أصحاب اللحى بالأغلبية الكاسحة , وأصبح منظر البرلمان المصرى غريبا على الأعين وحين شاهدت اول جلساته شعرت أننى أمام برلمان طالبان فى أفغانستان , وتداعت الأحداث قبل ذلك وبعده من قتل وضرب للثوار وسحل لفتياتهم , وتدليل للتيار الدينى وتفريغ الساحة له . إلى هنا وأنا أعتقد أن المجلس العسكرى متواطئ مع التيار الدينى , بأن يسلم له أمور البلاد مقابل احتفاظ الجيش بمزاياه كطبقة فوق كل طبقات المجتمع , وإذا كانت ثورة الشباب قد أثبتت أنه لم يعد بالإمكان قهر الوطن بالعنف وقوة السلطة إلا أنه يمكن قهره أو تخديره بسلطة الدين . لم يدر بخلدى لحظة أن رجال الجيش يمكن أن يكونوا خائفين من رجال اللحية , وكان الأمر يبدو قدرا مسلما به , قدر التواطؤ من أجل السلطة . إلى أن حدثت أحداث العباسية و وما سبقها من استقواء السلفى حازم أبو إسماعيل وتحريضه أنصاره على تهديد أمن الوط ن بل وبتصريحه أن إقصاءه لن يمر بسلام , ثم هذا الحديث التلفازى لأحد قادة حملته طالبا من المتظاهرين مهاجمة وزارة الدفاع , والقبض على أعضاء المجلس العسكرى وإعدامهم فى ميدان العباسية . هنا لا بد من طرح الأسئلة المرعبة . إن الثوار فى جميع ممارساتهم لم يخرج منهم صوت يهدد الوطن , ولم يهمس منهم هامس بتصفية العسكر . قصارى ما كانوا يرددونه هو - يسقط حكم العسكر - ومع ذلك تم إبادة أكثر من مائة شاب غير من اعتقلوا , هذا باإضافة إلى حملة تشهير مكثفة ضد كل رموزهم , فى الوقت الذى لم نسمع فيه تحقيقا أجرى مع القائد السلفى أبو إسماعيل , ولا هذا الذى دعا لذبح قادة الجيش فى ميدان العباسية ! والآن يحدث خرق ثان للدستور , ويتم تكثيف الدعاية الدينية لمرشحى هذا التيار لرئاسة الجمهورية , وتستغل المساجد وخطب الجمعة فى هذه الدعاية , والمجلس العسكرى ( ودن من طين وودن من عجين ) ما الذى يحدث ؟ لم يبق لى إلا الاعتقاد بأن رجال الجيش خائفون من أدعياء الدين حملة السلاح خائفون من حملة اللحية ! هذا هو نذير الشؤم ودليل الورطة التى أوقعت الثورة فيها هذا الوطن أنا من الممكن أن أعتبر تواطؤ الجيش مصيبة ولكنها مرحلية يمكن تصحيح آثارها أما أن يخاف حاملو السلاح من حاملى اللحية فتلك كارثة تدفع مصر إلى أحضان القاعدة وتنظيم الجهاد . إذا خاف حاملو السلاح فماذا سيفعل حاملو الأقلام حينما تصادر حرياتهم ويذبح إبداعهم ؟ ماذا سيفعل أصحاب الفكر والفن المجردون من السلاح سوى سلاح نبض قلوبهم ووهج عقولهم وتاريخ وطنهم الثرى بالفن والفكر والحرية ؟ , ويظل السؤال معلقا ( لماذا يخاف حاملو السلاح من حاملى اللحية ) ؟ 1
التعليقات (0)