حكاية "عبد المعين"
بقلم: كمال غبريال
للشعب المصري تاريخ مرير مع السيد/ عبد المعين، الذي قال فيه المثل الشائع "جبتك يا عبد المعين تعينني، لقيتك يا عبد المعين عايز تنعان"!!.. بالتأكيد لخيبة أمل الشعب المصري التاريخية في عبد المعين أكثر من سبب، ويستحسن أن نحاول التعرف على هذه الأسباب، حتى نتلافى خيبات الأمل في المستقبل، فنحسن اختيار "عبد المعين"، أو نكف عن طلب "عبد المعين" من الأساس، وبدلاً من ذلك يجعل كلاً منا من نفسه "عبد المعين"، فيصلح ما تحت قدميه وفي متناول يديه، وعندها قد نجد أن الأحوال قد تحسنت تلقائيًا، دون لا "عبد المعين" ولا يحزنون!!
لنبحث الأمر منطقيًا، فبالمنطق وحده يمكن أن تستقيم حياتنا، وبدونه سنظل نتخبط في العشوائية، لننتقل من فشل إلى فشل، أو بالأحرى نظل مكاننا في الوضع "محلك سر"، الذي لابد وأن يؤدي إلى مزيد من الغوص في مستنقعات تخلفنا مترامية الأطراف.
قبل أن نختار "عبد المعين" ونحدد صفاته، لابد أولاً أن نعرف ماذا نريد منه بالتحديد أن يفعل، فالمهمة المطلوبة هي التي تحدد شخصية ومواصفات "عبد المعين" وليس العكس، ولكي نعرف المطلوب ينبغي أن نحدد حالتنا أو "حوستنا" وخيبتنا بدقة.. تلك هي نقطة البداية الحقيقية، وأي غلط أو مغالطة في توصيف معالم حالتنا، والعوامل التي تبقينا فيما نرزح فيه من فشل وبؤس، لابد وأن تؤدي بالتعبية إلى فشل كل ما نبنيه عليها بعد ذلك، فما هي حالتنا بالتحديد، تلك التي نريد تغييرها إلى حالة أفضل؟
بصفتي أحد الموروطين والباحثين عن "عبد المعين" المناسب، سأحاول قدر استطاعتي تحديد جذور ما نعاني منه، وليس فقط الثمار الناجمة عن تلك الجذور، أي مسببات المرض الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وليس فقط أعراضه، لأن الأعراض لا يمكن أن تزول إلا بزوال مسبباتها:
- ضعف إنتاجية الفرد المصري، وبالتالي انخفاض نصيبه في الدخل القومي، وانخفاض مستوى معيشته، وتدني مستوى الرعاية الصحية.
- البيئة المصرية تساعد على استشراء الفساد، ليس بالدرجة الأولى لوجود من يطمعون في تحقيق ثروات عبر نهب المال العام، فهؤلاء موجودون في كل الدول، ولكن أيضًا لأن الجهاز البيروقراطي (المكون منَّا جميعًا) يضيق الخناق على الشرفاء، ويفتح الطريق واسعاً للمتلاعبين واللصوص.
- تعجز الدولة عن السير باستقامة لتحديث الاقتصاد المصري، ليتوافق مع الاقتصاد العالمي، بسبب ما تثيره الصفوة اليسارية من ضوضاء وممانعة، تجعلنا عاجزين عن اتخاذ قرارات لازمة وحاسمة للانتقال من الاقتصاد الشمولي الموجه البائد، إلى اقتصاديات السوق بكامل مواصفاتها العالمية.
- تدهور مستوى التعليم، وما يترتب عليه من تدني مؤهلات وصلاحية الشباب للانخراط في سوق العمل المنتج، سواءً المحلي أو الإقليمي والعالمي، وما يترتب على ذلك من بطالة وانخفاض إنتاجية الفرد والمجتمع.
- تعاني مصر من شيوع ثقافة عنصرية معادية للعالم وللحضارة، تجرم الفن والفكر وتخنق الإبداع وتضطهد المرأة والأقليات، وتتسبب في أزمات وجرائم طائفية، تعجز الدولة عن وضع حلول حاسمة لها، لوجود تنظيم محظور ومخرب، تعجز الدولة عن مواجهته بجدية، سواءً لعدم إخلاص المسؤولين لمهامهم، أو لاستشراء أتباع ذلك التنظيم ومناصريه في كافة مؤسسات الدولة والمجتمع.
هذه هي أبرز الإشكاليات المصرية، والتي من أجل إيجاد حلول لها نبحث عن "عبد المعين"، الذي لابد وهو يقدم لنا أوراق اعتماده لنوقعها، أن يرفق بها الحلول العبقرية التي يأتي بها إلينا، والتي تجعلنا نتحمس ونواجه الأهوال، من أجل سحب أوراق ومقدرات حياتنا، من يد من يمسكون بها الآن، لكي نعطيها لعبد المعين وصاحبه، بعد أن نتأكد أنهم بالفعل الأجدر بتحقيق ما لديهم من تصورات لحل مشاكلنا، خاصة وأن الممسكين بزمام الأمور حاليًا، يدعون أنهم يفعلون أقصى ما يستطيعون لحل تلك المشاكل.
مع التقدير بالطبع لمجرد تأسيس آليات معقولة وعملية ونزيهة لتبادل السلطة على المستوى السياسي الأعلى، وما لابد وأن يترتب على ذلك من تطوير لسائر المستويات الأدنى، إلا أن هذه مجرد نقطة واحدة ضمن مئات العوامل التي نحتاجها.. تبادل السلطة لا يمكن أن يكون هدفًا شعبيًا ولا وطنيًا في حد ذاته، ما لم يترتب على هذا التبادل تغيير حقيقي إلى الأفضل، وليس بالطبع بابًا متسعًا للانحدار إلى الأسوأ!!
الآن نتساءل: هل لدى "عبد المعين" تصور لحلول جديدة ومبتكرة لمشاكلنا، لم يسبق أن جربها القائمون على أمورنا الآن؟.. وهل أصحابه الذين من المتوقع أن يصلوا معه إلى السلطة، هم من يتبنون في مواقفهم الوطنية تلك الحلول؟!!
ربما كان لدى "عبد المعين" بالفعل حلول مبتكرة على الأقل بالنسبة لأفق رؤية الطغمة الحاكمة، فإن كان الأمر كذلك حقيقة، فلماذا لا يعلنها لنا؟.. وإن لم يكن لديه جديد مختلف، فلماذا يتصدى لما هو على جهل به؟!
هل يكون كل ما يأتينا به "عبد المعين" هو المجموعة المصاحبة له الآن؟.. هل جاء حقًا لكي يصل بهؤلاء إلى السلطة؟!.. إن صح هذا، ألا يكون بذلك قد جاء ليعجل بوصولنا إلى كارثة، كنا نأمل ولو في تأجيلها لبعض الوقت، ربما يجد جديد ينقذنا من هذا المصير؟!!
مع احترامنا الشخصي والإنساني لكل إنسان ولكل المصريين.. المسألة ليست فقط مسألة أشخاص، وإنما بالأساس مسألة رؤى ومواقف.. لذا نعيد تساؤلنا السابق بصيغة مختلفة: هل رؤى ومواقف المحيطين "بعبد المعين" الآن كفيلة بحل الإشكاليات المصرية التي أوردناها عاليه، أم هم عامل أساسي في تلك الإشكاليات، بحيث لو "انشقت الأرض وابتلعتهم"، لخفت إلى حد كبير معاناة مصر والمصريين؟!!
يستحسن بي في هذا المقال على الأقل ألا أعيد إجابة ذات السؤال، خاصة وأنني قد سبق لي الإجابة عليه في العديد من المقالات.. سوف أترك القارئ ليستنتج لنفسه بنفسه، فالأمر جد لا هزر فيه.. من الحماقة التي لا نتصور أن الشعب المصري من الممكن أن يرتكبها، أن يخوض كفاحًا للخروج من دائرة فساد ودجل واستبداد سياسي، ليدخل دائرة مماثلة، تشي جميع الملامح بأنها ستكون أكثر وبالاً عليه وعلى مستقبل بلاده وأولاده!!
التعليقات (0)