في 8 مارس عام 1919 قامت السلطات البريطانية باعتقال سعد زغلول وعدد من رفاقه ونفيهم إلي جزيرة مالطة، وذلك بسبب طلبهم للسفر إلي مؤتمر باريس لعرض المطالب المصرية بالاستقلال، وجمعهم عدد كبير من التوقيعات تفوضهم بالتحدث باسم الشعب. وعلي أثر هذا الاعتقال قامت ثورة 1919 في جميع ربوع مصر، ومنها خرج المصريون بمختلف طوائفهم مؤيدين لسعد زغلول ورفاقه، مؤكدين علي شرعية تمثيلهم للشعب المصري، وبذلك كانت الثورة في المقام الأول معبرة عن إرادة الشعب في التغيير والحرية، ومما يذكر أن الثورة اختلطت فيها المظاهرات المؤيدة للوفد باضطرابات فئوية من عمال السكك الحديدية والمصالح الحكومية وغيرها، والتي خرجت مطالبة بتحسين أحوالها المعيشية وأجورها. وكذلك اختلط بها العديد ممن أظهروا سخطهم بتخريب الممتلكات العامة وسرقة المحلات المملوكة للأجانب، وقد مرت الثورة بعدد من المراحل بعد فشل مساعي الوفد في مؤتمر باريس مرورًا بإعادة الثورة بمقاطعة البضائع الإنجليزية حتي انتصرت إرادة الشعب واضطرت الحكومة البريطانية للاعتراف باستقلال مصر عام 1922 والذي نتج عنه دستور عام 1923.
لست أدري لماذا يتراءي لي المشهد الذي دار في مصر منذ نحو مائة عام مع ذلك المشهد الذي نعيش تفاصيله حاليًا، فقد انتفض مجموعة كبيرة من الشباب يوم 25 يناير 2011، وهم يحملون علي أكتافهم هموم ومطالب مصرية، وقد لمسوا أوتارًا في قلوب جميع المصريين الذين أحسوا أن الوجيعة واحدة والتردي واحد والمطالب واحدة وأن اختلفوا علي الطريق فمنهم من يعرف طريقه ومنهم من لا يدركه أو بالأصح لم يدركه بعد. أنا لا شك أن إرادة جل المصريين قد رأت في هذا الشباب ما رآه أجدادهم في وفد سعد زغلول وأن هؤلاء بالفعل هم وفد مصر الجديد في ثياب القرن الحادي والعشرين.
لقد نتج عن ثورة 1919 أن انفتح الباب لأول حياة ديمقراطية حزبية في مصر، وكان حزب الوفد هو النتاج الطبيعي لها. وقد ظل الممثل الشرعي للشعب والحامل لتطلعاته للحرية والمدنية حتي أسقطت شرعيته علي يد حركة ضباط عام 1952 ولم يقم له قائمة بعد ذلك حتي بعد السماح للأحزاب القديمة بمعاودة النشاط، وذلك لأن الصلة بينه وبين الشعب أو الحاجة لوجوده قد انتهت بالاستقلال ثم غياب التواصل الجماهيري لسنوات طويلة، ولكن هؤلاء الشباب لديهم الآن فرصة حقيقية لتكوين أكبر الأحزاب السياسية وأكثرها تواصلاً وتعبيرًا عن الناس وقدرة علي جذب النخبة والعامة من الشعب، ولكن عليهم أولاً أن يبصروا الحقائق الآتية:
1- أن الأسباب التي أدت بهم إلي الثورة هي نفس الأسباب التي دعت الناس للالتفاف حولهم، وهي الدعوة إلي حرية الرأي والعقيدة والثورة علي الفساد والتخلف والدعوة إلي الشفافية، وهي نفس الأيديولوجيات التي يمكن أن يبني عليها أي حزب، إضافة إلي الطريقة التي استخدموها في التواصل، ولم الشمل للثورة، وهي العلم والتكنولوجيا، وهذه المبادئ من الحرية والشفافية والعلم كافية لإقامة حزب حقيقي يعتمد علي المبادئ وليس علي المصلحة الفجة، مثلما كان الحال مع حزب السلطة.
2- أن عليهم أن يدركوا أنه في اتحادهم قوة كبيرة وفي تشذرهم ضياع لكل مكاسب ثورتهم، ففي الاتحاد امكانية تكوين كيان كبير قادر -بقوة الجموع- علي التصدي لأي أيديولوجيات هدامة وقادرة في الوقت نفسه علي التصدي لبقايا الفساد التي لا تفتأ تطل برؤوسها من مكامنها بين الحين والآخر في محاولة يائسة للانقضاض علي الثورة بكاملها.
3- أن هذا الحزب هو في الأساس حـزب للنهضة، هو حزب لمصر كلها، وبالتالي لا يصح أن يكون مقصورًا علي فئة دون غيرها، بل يجب أن يكون مفتوحًا لكل من يجد في نفسه توافقًا مع مبادئ الحزب، وهؤلاء كل في مجاله هم من يستطيعون أن يقدموا الحلول الفعلية لمشاكل كبيرة ومزمنة تحتاج، بالإضافة للكفاءة والعلم إلي روح الثورة والنهضة للتغلب عليها.
4- أن هذا الحزب في حاجة إلي الشباب كروح وطاقة محورية وهم المرشحون لحمل الراية في الوقت المناسب، ولكنه أيضًا في حاجة إلي رمز أو رموز من المستنيرين وهم كثيرون الآن ممن يرغيون في الإسهام الفعلي في نهضة مصر الحديثة
إن علي الشباب دورًا كبيرًا، عليهم أن يتميزوا بذات الوعي ونكران الذات الذي ميزهم عند قيام حركتهم الأولي وألا ينساقوا وراء شهرة أو زعامة زائفة وأن يأتلفوا بنفس طريقتهم الأولي وعن طريق دعوة الإنترنت حول مبادئ واحدة وحزب واحد، كما أن علي الرموز والشرفاء الدور الأكبر، عليهم أن ينسوا ذاتهم وشهرتهم وأسماءهم، وأن يترفعوا عن المكاسب الوقتية الزائلة وأن يقبلوا أن يكونوا لبنات في الصرح الأكبر - صرح مصر الناهضة.
التعليقات (0)