مواضيع اليوم

حال القراءة بين العرب

nasser damaj

2009-12-24 10:38:21

0

 حال القراءة بين العرب  
بقلم: خليل الفزيع  

    القول إن العرب لا يقرأون بالمطلق فيه استهانة بالعقول الجادة والباحثة عن الحقيقة في عالمنا العربي, لكن كم هي تلك العقول؟ وما نسبتها مقارنة بالملايين من المواطنين العرب من الخليج إلى المحيط؟ وهل كل العرب علماء ومفكرون ومثقفون وأدباء؟ والأصعب من هذا السؤال.. هل كل الذين يقرأون يجيدون القراءة الحقيقية لما تقع عليه أعينهم؟ أم أن ذلك لا يلج عقولهم وقلوبهم؟ وكيف لأمة (اقرأ) أن لا تقرأ.
    الذين يقولون إن السواد الأعظم من العرب لا يقرأون, يستندون ليس فقط على انتشار الأمية في العام العربي, ولكن أيضا على انشغال العامة ـ ومنهم الحاصلون على قسط لا بأس به من التعليم ـ بالبحث عن لقمة العيش في مجتمعات لاتزال تشكو الفقر حتى وإن بدت من الخارج بعيدة عن هذا المنزلق الخطر, وما ذلك سوى نتيجة لانتشار الفساد الإداري, وانعدام الرقابة على المال العام, وتجاوز الأنظمة والقوانين من فئات معينة تبيح لنفسها ما لا يباح, إضافة إلى انعدام حرية الرأي.
    وحتى معظم الذين يقرأون ليسوا على درجة واحدة من الوعي بالواقع أو الإحساس بما في ذلك الواقع من أبعاد وتناقضات تثير أكثر الأسئلة إلحاحا دون أن تجد الجواب. والقراء أكثر من فئة: فئة من لا تتجاوز قراءاتهم الأمور الهامشية التي يمرون عليها مرور الكرام.. وفئة من يقرأ ليجلب النعاس إلى عينيه عندما يدخل الفراش, ولا يجد مهربا من الأرق إلا بتصفح أحد كتب التسلية التي لا تجهد الفكر ولا تتعب الذهن، وفئة أخرى لا تنظر إلى ما هو أبعد من خطوات أقدامها, لتدور في فلك الذات الموغلة في (الأنا), وبذلك تحجب عن نفسها ما تحتويه الآفاق الأخرى من رؤى جديدة تسعى للتحاور والانسجام مع القديم لتأسيس رؤية جديدة مؤثرة وفاعلة في الممارسات الحياتية العامة، وفئة من يقرأ ليقال عنه إنه يقرأ, بلا هدف ولا غاية سوى تزجية الوقت, دون محاولة الاستفادة من القراءة كوسيلة للمعرفة أو تنمية الملكات الإبداعية, وفئة نمت معها هواية القراءة منذ الصغر فأصبحت عادة محمودة لا يمكن الخلاص منها، والقلة هم الذين يسكنهم هم القراءة الجادة بوعي وذهن متقد، فتنعكس قراءاتهم على أفكارهم وسلوكهم الاجتماعي والثقافي.
    كل ذلك يعني انه حتى مع وجود من يقرأ.. يصبح وجود من يعي ما يقرأ هو الأهم, فقراءة بعض الأمور ميسورة للجميع, لكن الاختلاف حولها هو الذي يثري مضامينها المجردة, ويضفي عليها ذلك التنوع من الفكر الجاد, والثراء الثقافي المنشود, أما الخطأ في القراءة فهو الكارثة الحقيقية التي تقود إلى أحكام في غاية التعسف للذات وللآخر, ووجه الخطورة في مثل هذه القراءة أنها بقدرة قادر يمكن أن تقلب الحقائق, وتزيف الواقع, وتقدم لعامة القراء نموذجا سيئا لما يمكن أن يكون عليه المثقف, إذا اختار عن قصد أو عن جهل طريق الخلاص من تبعات قراءاته للواقع.
من يحكم على العرب بأنهم لا يقرأون لا أظن انه يقصد القراءة المجردة, بل يقصد حتما ما وراء هذه القراءة من فهم تترتب عليه كثير من المواقف والنتائج التي لا تمس صاحبها فقط, بل تتعداه إلى من سواه, والقراءة دون ذلك الفهم لا هدف لها سوى التسلية، وهذا يعني هدر الوقت وعدم التقدير لقيمته، وهو وقت يتحقق استثماره المجدي من خلال القراءة المؤدية للمعرفة المقرونة بالوعي، والمحرضة على الإصلاح.. ليكون الإصلاح هدفا تهون في سبيل تحقيقه كل الصعاب، فهل العرب لا يقرأون حقا؟. سؤال مشروع ينتظر الإجابة.

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات