جلد الذات.. وسلبية المواقف
بقلم: خليل الفزيع
تعودنا على سماع شتى التهم التي تكال للعرب، ورميهم بالتخلف، وعدم القدرة على الابتكار، والسعي وراء السلبيات، والخضوع المطلق للأجنبي، إلى آخر قائمة الاتهامات ذات العيار الثقيل، التي أصبحت تحاصر العرب من جميع الجهات، وهذه المواقف السلبية إذا صدرت من أعداء الأمة والساعين إلى إحباط أبنائها، ووضع شتى العقبات لعرقلة مسيرتها نحو التقدم والازدهار، فذلك أمر متوقع، لكن غير المتوقع هو أن تصدر مع شديد الأسف من بعض مفكري هذه الأمة الذين فتنوا بالغرب وعشقوه، وتجاهلوا إمكانية التطور العربي، وهو تطور عرفته الأمة في فترات من تاريخها، عندما توفرت أسبابه، وتهيأت الظروف لوجوده، في زمن كان فيه الغرب يعيش ظلاما حالكا، وجهلا مستشريا في ربوعه، فكان حينها عالة على الحضارة العربية، ودورة الحضارة سحائبها حبالى بمزن الازدهار والتطور، تهطل هناك حينا، وحينا هنا.
وهذا النقد الجارح للأمة مما يمكن تسميته بجلد الذات.. لا يعني سوى تعميق الشعور بالانهزام، وإغفال فرص التقدم وتجاهل عناصر الازدهار، والتقاعس عن البحث عن أسباب وظروف ذلك التقدم وهذا الازدهار؛ ودول أوربا التي دمرتها الحروب، واليابان التي حطمتها الهزائم، والصين التي عاشت خلف الستار الحديدي عقودا، كل هذه الأمم وغيرها انعتقت من عبء التخلف، وأشرقت شمس حضارتها بعد أن توفرت لديها إرادة التقدم، وتهيأت لها عناصر الازدهار، وذلك لم يأت من فراغ، بل من إحساس عميق بالرغبة في التغيير إلى الأفضل، بدل التسليم بالهزيمة، وتهميش عناصر التقدم في مجالات الاقتصاد والصناعة والسياسة، والاستفادة من طاقاتها البشرية، والاستغلال الأمثل لثرواتها الطبيعية، والحفاظ على حرية الإنسان وكرامته، وتوفير العيش الكريم للمواطن، وتوفير الفرص للجميع في العمل واتخاذ القرار، وحفظ المال العام وتوظيفه في اتجاه الإنتاج بدل الانغماس في أساليب الاستهلاك المدمر، لطاقات المواطنين وقدراتهم الإبداعية.
ليس التخلف والجهل من الصفات الثابتة لدى الأمم والشعوب، فما من أمة تختار طريق التقدم بإرادة صلبة.. إلا ويتحقق لها هذا التقدم الذي لا يمكن أن يصل إلى المتقاعسين على طبق من ذهب، والإرادة كثيرا ما يخبو ألقها إذا أصبح القمع ثقافة عامة، والتجهيل مظهرا ثابتا، والتخلف تهمة دائمة، وكل ذلك يؤدي إلى طريق مسدودة بجبال صلبة لا يمكن العبور منها إلى طريق الازدهار، والتقدم ومواكبة الأمم التي تجاوزت تخلفها وجهلها، والإسهام معها في صناعة حضارة العصر.
وإرادة التطور والابتكار تنشأ جذورها منذ الطفولة، نتيجة أساليب تربوية وتعليمية سليمة، لكن الطفل الذي لا يلاقي من والديه سوى القمع في كل المواقف.. يتعود على انكسار الذات وهزيمة النفس والخوف من التجريب، ومن ظلم الوالدين إلى ظلم المجتمعات إلى ظلم الحكومات، تتشكل أساليب التربية والتعليم العقيمة، لتنشأ الأجيال معاقة النفس والعقل والجسد، وبقدر انحسار مد هذه المظاهر السلبية، تنمو المظاهر الإيجابية، فتزدهر الأمة، وتبدأ موجات التنمية المستدامة في التقدم نحو تأصيل إرادة التغيير إلى الأفضل، وتجذير رغبة تجاوز المعوقات، وتمهيد الطريق للأجيال القادمة التي على أيديها ترجح كفة الإنتاج، وتتراجع مظاهر الاستهلاك العشوائي المؤدي إلى تبديد رصيد الإنسان من ماله وخلقه وقيمه الأصلية، وكم من أمم كثيرة استيقظت من رقدة العدم!.. لنعانق شمس الحضارة بثقة وجدارة، لأنها اختارت طريق البناء.. طريق الإبداع والابتكار.. طريق التنمية.. فلا معنى لأن يركب بعض المفكرين موجة التقليل من شأن الأمة والاستهانة بقدرات أبنائها، وطاقاتها الإبداعية المنتجة، وهي التي لا تزال تمد الغرب بخيرة أبنائها من العلماء والمبدعين، وعلى الذين يلعنون الظلام أن يوقدوا شموع الأمل.
جريدة الشرق القطرية. عدد الأحد 1 نوفمبر 2009
التعليقات (0)