بعد ان اشتد ايذاء قريش لرسول الله – صلى الله عليه وسلم– وصحابته – رضوان الله عليهم– واشتد عليهم البلاء واجمعت قريش على قتل رسول الله علانية، جمع أبو طالب بني عبد المطلب وأمرهم أن يُدخلوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم– شعبهم ويمنعوه ممن أراد قتله، واتفق في هذا مسلمهم وكافرهم، فما كان من كفار قريش بعد أن علموا اتفاق بني هاشم على حماية رسول الله – صلى الله عليه وسلم– إلا أن اعلنوا حصاراً على بني عبد المطلب جاء بمقتضاه ألا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يزوجوهم ولا يتزوجوا منهم، ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله للقتل، وكتبوا في هذا صحيفة وعهوداً ومواثيق لا يقبلوا فيها من بني هاشم صلحاً حتى يسلموهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم– وعلقوها في جوف الكعبة، للدلالة على قدسية هذه الصحيفة، وجديتهم في ما ذهبوا اليه.
واستمر هذا الحصار البشع الجائر ثلاث سنوات، إلى أن هيا الله " زهير بن امية المخزومي" دفعه إلى هذا قول أمه " عاتكة بنت عبد المطلب": "يا زهير، أقد رضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء، وأخوالك حيث قد علمت؟ لا يبتاعون ولا يبتاع منهم، ولا ينحكون ولا ينكح اليهم" واجتمع إلى زهير " هشام بن عمرو" و" المطعم بني عدي" و" أبو البحتري بن هشام" و" زمعة بن الأسود" وأجمعوا أمرهم على تمزيق الصحيفة وكسر الحصار الجائر، وغدا زهير فطاف في البيت، ثم أقبل على الناس فقال: " أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يبتاعون ولا يبتاع منهم، والله لا اقعد حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة" ورغم محاولة صندايد قريش منعهم إلا أن الصحيفة شقت ولسان حال هؤلاء الشرفاء: " نحن براء من هذه الصحيفة القاطعة العادية الظالمة، ولن نماليء أحداً في فساد أنفسنا وأشرافنا" ولحق بهم بعض من شرفاء قريش وخرج بنو هاشم من شعبهم.
وبمثل ما جابهت به قريش بنو هاشم، جابه المجرم الأسد الشعب السوري الذي طالبه بأن يصلح ولا يتبع سبيل المفسدين، فقتل وذبح وانتهك الاعراض وحاصر المدن ظلماً وعدواناً طيلة شهور الثورة الثمانية، دون أن تمد إليهم يد عون من قريب أو بعيد، ودون أن يدفع عنهم الظلم دافع، إلا زعامات من عرب – في جاهليتهم الثانية– سكتت عن هذا الإجرام ثم أصرت على أن تثبت حكم طاغية الشام، وتعطيه الفرص تلو الأخرى لكي يعمل جهده على سحق إرادة شعب صابر صامد شجاع، في زيارات تلو زيارات، بدءاً من زيارة "نبيل العربي" في السابق بالرغم من الإهانات التي وجهت له، وانتهاء بالمهلة الاخيرة التي أعطتها "جامعة التفاهة العربية" للأسد إلى زيارة وفد الجامعة إلى دمشق يوم الأربعاء الماضي.
بينما الشعب السوري رحب بهذه الزيارة بطريقته الخاصة، حيث أعلن اضراباً شمل المدن والقرى السورية جميعاً، باستثناء المدن الرئيسية كدمشق والحسكة ومن قبلها حلب واليوم اللاذقية، حيث شهدت هذه المدن مظاهرات تزعم تائيدها للاسد، وأعجب ما كشفت عنه أن هذا النظام القاتل الكاذب لم يستطع أن يقيم هذه المظاهرات في يوم واحد، بعد أن عجز عن اخراج الناس بالإكراه ولم يجد معه تهديدهم بالفصل من وظائفهم كما كشفت عنه الوثائق، فخرجت مظاهرة حلب منذ أسبوع بعد أن جهز لها طويلاً، وقدم بشذاذ الافاق من بقية أعوانه من كل مكان، ثم أرسل بهم الى دمشق يوم زيارة وفد الجامعة، ثم ليعود بهم من جديد إلى مدينة اللاذقية، في عجز واضح بأنه ما عاد لديه قدرة على إخراج الناس بالقوة والاكراه، وإنما يستعين بهؤلاء الأغنام التي اشتراها بالاموال، لكي يغطي عجزه ومخازيه، بعد فشله في كسر الاضراب وإعادة الناس إلى محلاتهم تارة بالتهديد واخرى بالاسترحام وثالثة بتكسير المحلات ونهبها، ووصل به العجز الى عدم تمكنه من إقامة أي تظاهرة في درعا او حمص او ادلب او حماة او حتى ريف حلب، وبقية المدن المنتفضة، واكتفى بهذه المظاهرات الثلاثة التي قاد بها شذاذ الافاق كالخراف يهتفون بحياة الطاغية الآيل الى السقوط.
واصر على اخراجهم حتى وإن كشفوا ضعفه وفضحوا اكذوبة العصابات المسلحة، والتي هي في الحقيقة شبيحته، لأنها لا توجه إلا إلى صدور الشباب الذين يقودون المظاهرات الهاتفة باسقاطه فقط، وتتجاهل المظاهرات الاخرى، وذلك كما اكدت عليه الدكتورة " خولة حيدر حيدر" دكتورة مادة الرياضيات في جامعة دمشق عندما كتبت أمام طلابها على اللوح :" إن رواية العصابات المسلحة في سوريا رواية كاذبة وإن الجيش ورجال الأمن هو الذي يقوم بعمليات قتل المتظاهرين" ومن ثم أعلنت استقالتها بعد أن كتبت اسمها وتوقيعها، واختفت بعدها.
فيا جامعة التفاهة العربية ويا تفاهات العرب: إذا كان الشعب وفي كل مدنه أعلن أن لا مرحباً بكم، وأكد أنه لن يعود إلا بعد أن يسقط هذا الفرعون، فماذا تفعلون في دمشق؟! ولماذا قدمتم الآن وقت قرب انتهاء المهلة، والمجرم الأسد لم يسحب جيشه من المدن والقتل لم يتوقف؟! أم أن عودتكم لإعطاء فسحة جديدة للفاتل بأن يستمر في غيه بعد أن أدركتم أن كل هذه الشهور والخمسة عشر يوماً لم تكن كافية، فأردتم تمديدها مجدداً، وبكل وقاحة وقلة أدب أعلنتم أن الحوار مع المجرم الأسد كان صريحاً وودياً، وأنكم ستعودون إلى دمشق في الثلاثين من هذا الشهر، بينما كان المفترض أن يكون هذا اليوم موعد انتهاء المهلة، واتخاذ قرارات حاسمة، أقلها اسقاط شرعية الأسد والإعتراف بالمجلس الوطني ممثلاً شرعياً لسوريا بدلاً عنه.
لو كان بكم ذرة من حياء لما قدمتم إلى دمشق لتثبتوا عرش طاغية آيل إلى السقوط، لا يريد له شعب سوريا البقاء، وقد قتل منهم من قتل وانتهك الأعراض وقتل الأطفال والشيوخ، ولو كان بكم ذرة من كرامة أو بقية من شرف وقد رأيتم كيف استقبلكم الشعب السوري لعدتم ألى جامعة التفاهة العربية دون إعطاء أي يوم آخر لتسقط به ضحايا جديدة، بدل أن تعودوا ألى لقاء المجرم الأسد، ولو كنتم رجالاً – يا أشباه الرجال ولا رجال– لعملتم جهدكم على إيقاف الدم النازف على أرض الشام كما فعل كفار قريش ونصروا بني هاشم.
فهل يعقل أن يكون كفار قريش أكثر مروءة وشرفاً منكم يا تفاهات العرب، وهل يعقل أن يسجل التاريخ أنكم تركتم الشعب السوري للقتل والتصفية وعجزنم عن تقديم أي يد عون له، وأنكم كنتم مشاركون للطاغية الأسد في تقتيل هذا الشعب الشجاع، كل هذه المواقف المخزية والذليلة ستسجل عليكم يا زعامات العرب، كما سُجل موقف شرفاء قريش من قبل، فقليلاً من الحياء إذا كان لديكم أي حياء، يا تفاهات العرب!!
السيرة النبوية للدكتور علي الصلابي ( 1/ 248 – 251 ) بتصرف
احمد النعيمي
Ahmeeed_asd@hotmail.com
فيديو يفضح حقيقة المسيرات المؤيدة لـ بشار الأسد
التعليقات (0)