رجل أمن يجر جثة في ميدان التحرير، زملاء له ينهالون بالهراوات على رأس شخص آخر، وآخر يجر امرأة من شعرها قبل أن يعفو عنها لتلوذ بالفرار· مشاهد بشعة من قلب ميدان التحرير تعيد بشكل مأساوي صورة ما قبل تنحي الرئيس حسني مبارك يوم 11 فيفري الماضي، بل أسوأ منها، ومعها يصبح السؤال أكثر مشروعية: هل انتصرت الثورة حقا عندما تمكنت في ذلك التاريخ من إبعاد مبارك من الحكم الذي بقي فيه ثلاثين سنة وكان ينوي توريثه لأحد نجليه؟
لقد كانت الثورة الشعبية المصرية الأسرع والأقل ضررا من مثيلاتها العربيات في هذا الربيع وتمكنت من تحقيق أول أهدافها في ثمانية عشر يوم، ولو يلتفت الثوار المستبشرون بنصرهم إلى حقيقة مفادها أن العسكر هو الذي أدى دورا في إجبار مبارك بكل عناده على التنحي، خوفا من أن تنزلق الأمور إلى ما هو أسوأ ويدخل البلد في دائرة المجهول، وحافظ العسكر على سلطتهم القديمة وأضافوا لها السلطة التنفيذية التي أصبحت بين أيديهم ولم يحاسب أحد منهم إلا عندما تم قمع المتظاهرين في شهر مارس الماضي عندما حوكم بعض الضباط المتهمين داخل محكمة عسكرية، وساعتها تدخل اللواء محسن الفنجري الناطق باسم المجلس العسكري ليعتذر عما حدث، ويؤكد أن الأمر لن يتكرر، وليقول بأن للسلطة العسكرية رصيد لدى الشعب المصري يشفع له بالعفو· لكن الذي يحدث الآن من فظاعات في ميدان التحرير على مقربة من بدء العملية الانتخابية التي تسمح بتسلم تدريجي للسلطة للمدنيين بالتقسيم الممل، يطرح أكثر من تساؤل، هل استلذ العسكر كرسي الحكم وأرادوا البقاء فيه بالالتفاف على الثورة؟ والمجلس يعطي لنفسه مهلة كبيرة جدا ويعد بتسليم السلطة بشكل نهائي سنة ,2013 ثم يعود ليؤكد إن الأمر سيتم نهاية 2012؟
لقد وعد العسكر على لسان اللواء محسن الفنجري بأن ما حدث في مارس الماضي من قمع للمتظاهرين لن يتكرر، لكنه تكرر بأفظع مما وقع قبل سقوط مبارك، والصور الجديدة لا يمكن أن تعبر عن نية حقيقية في التحول إلى الديمقراطية، ولئن كان الفنجري أكد أن للجيش رصيد شعبي، فإن أفراد الشعب الذين تحدوا آلة القمع يقولون إن رصيد الجيش انتهى بالفعل· وعوض أن تهدأ الأمور لصالح العملية الانتخابية المنتظرة فإن التصعيد هو الذي يحدث ومعه يتساءل الجميع هل ستجرى الانتخابات في وقتها أم أن هناك شوط ثاني لثورة 25 يناير ينطلق ومعه سيتأجل كل شيء إلى أن تحقق الثورة كل أهدافها في إزاحة العسكر من السلطة، ويبدو أن أياما صعبة تنتظر ثوار 25 يناير في هذا الطور الجديد·
التعليقات (0)