ثورة ربَّانيه

ثورة مصر لم تكن ثورة شعبيه فحسب ولكنها كانت قبل ذلك ثورة ربانيه ، سبَّب أسبابها الله عز وجل بأن طمس على قلب وعقل مبارك ورجاله وجعلهم يظنون أنهم ملكوا مصر بما عليها ، وإعتقدوا أن الشعب صدَّق ما يبيعونه من وهم ومن بضاعه فاسدة ، لقد كان غبائهم السياسى سبباً فى سقوطهم المدوى ، فماذا لو تراجع مبارك ورجاله عما توافقوا عليه ومضمونه " المحروسة مصر للواد جمال " ، هذا الكابوس الذى عشناه مع مسلسل التوريث كان فى الحقيقة نعمة على مصر ولم يكن نقمه ، لقد كان المُقدّر للشعب المصرى أن يعيش فى جلباب مبارك لعقود أخرى فوق الثلاث السابقات سواء بأن يمنحها مبارك كهبة أو كعطية لجمال أثناء حياته أو يورثها لأحد أصدقائه ، إنها حقاً مأساة ، ولأن الثورة المصرية ثورة ربانيه فكان فضله عز وجل على الشعب عظيم لأن من قام بها هم بقايا الطبقة الوسطى ـ التى دمرها نظام مبارك ـ بخلاف ما كان يتوقعه الجميع من قيام ثورة جياع ، وأنقذها الله من المؤامرات ـ حتى الآن ـ التى دُبرت لإجهاضها والإلتفاف عليها ، وجعل كل طلقة يتم إطلاقها ضدها تقويها وتؤججها بعكس ما كان يقصده مناهضوها ، وكان فضله عز وجل أن جعل هذا الشعب الطيب والعظيم لا يستمع ولا يرضى أو يُصدِّق بتنازلات مبارك المتتاليه ، ورفض تعيين عمر سليمان نائباً مع أن الجميع ـ وأنا منهم ـ كان يتمنى ذلك قبلها بأسبوع ، ورفض الشعب شفيق رئيساً للوزراء فتم إشعال النار فى مبانى أمن الدولة وفرم وثائقها فإكتشفنا أننا أفلتنا من مُستنقع يُحاك لنا ، وكانت الثورة ربانيه بأن إشتعلت أولاً فى العاصمة قاهرة المعز مع بعض عواصم المحافظات مما عجل بتحقيق مطالبها وخلع مبارك ، بخلاف ما حدث فى كل من تونس وليبيا والتى بدأت ثوراتها فى مناطق نائية عن العاصمة وإستغرقت وقتاً حتى تصل للعاصمة ، لذلك نتوقع أن يستمر الوضع فى سوريا بعض الوقت إلى أن تتحرك العاصمة دمشق وعندها سيكون النظام السورى فى مهب الريح لنرى الشكل الجديد للنهاية الخامسة فى المنطقة ، وكان من فضل الله أيضاً أن قابل الشعب الثائر جيشه الوطنى بالأعناق والهتاف مما كان لِزاماً ألا يتم إطلاق رصاصه واحدة فى صدر مصرى ، ومن فضل الله أن كان رئيس أركان حرب الجيش وقت نزوله للشارع قادماً من العاصمة الأمريكية واشنطن فأعطى ذلك فرصه للتفكير والتدبر ، ومن فضل الله أن القائد الأعلى للمجلس العسكرى عمره يقارب الثمانين عاماً لذلك لن يطمع فى الحكم ، حتى الأخطاء ـ المقصودة والغير مقصودة ـ التى وقع فيها المجلس العسكرى كانت فى صالح الثورة لأنها فعلاً جعلت معظم الشعب فى حالة إستنفار ضد العسكريين كما قال الفريق مجدى حتاته وكان ذلك هو السبب فى إنسحابه من سباق الرئاسة .