كانت تغنى وهى منكفئة على سرير وبقية جسدها على الارض, رفيعة وذات تقاطيع دقيقة, لونها مشوحّ بقرفة شوقها الى الحياة الكريمة. كانت تمارس طقوس صلاتها, صوتها عذوبة الدمع فى عيونى, كضىء اخترق {شرقانية انتكت على ظلها ست التسالى} تلك المجزورة فى وسط القارة, جدتنا فى افريقيا.. جلست ونوافذ روحى على مصرعيها وصوت البنية فراشات تسيل الوانها فى دموعى.. فتحت الباب ببطء لارى من فيهن التى تغنى وكانت.. كانت تصلى وتتلو بلغتها الام اغنيات عزفتها مزاميرى فى ذلك الصباح, كانت تغنى فاتحة كل ابواب الظلم وقسوة الزمان وبدأت تنخج بكاء والغناء يتطاير فى سماء الغرفة التى شهدت ماشهدت من احزان بنات شاءت ظروفى ان اكون ضمن فريق معطاء مستشارة فى شئونهن..
قدر ماقرأت..
وقدر مادرست
وقدر مابحثت, فلم تكن قدر رمال الصحراء التى انهمرت من عيون البنية مانجوت..
كانت اول الضحايا التى علىّ رعايتها, والخروج بها الى بر الآمان. قدمت لها قبل هذه الفاجعة ارشادات فيما يخص وضعها القانونى, اقامتها, دورات اللغة واحلامها ان تصبح ممرضة. لونها لامع كجلد ثعبان الامانى الحميمة والمخيفة- هل هناك امنيات مخيفة؟
كانت امنياتها..
وامنيات البنات الثلاثة..
ان يجدن مخرجا من حالات الفقر المدقع والموات اليومى فى تلك البلاد التى فيها من ملامح وطنى الام..
تسلسلت الحكاية, مكتب للتسفير, وضعوا امامها الشروط وعقدت امرها لبلاد ماعرفت ان جسدها سيكون شواء لرجال عابرين, عليها ان تعيد مبلغ سفرها, خمسين الف يرو هو ثمن نحرها على شوارع هذه البلاد النظيفة.
حال وصول مانجوت الى اوربا, اخبرتها {الكوين} المسئولة ان تعد نفسها.. ان تمسح دهانا لامعا على شفتيها المشققات نتاج فقر وعليها ان تتقن افعال يحبها الرجل فى هذه البلاد , بحثت عن ليمون يومها وحلقى مرار..
رفضت مانجوت وتمنعت, فلم يكن الوعد ان تخرج للشارع لتبيع جسدها ومثلها فى هذى البلاد يتربع على عرش الاحلام المحققة بامر النظام الاجتماعى الذى يعرف ان ينحاز لناسه. كان الوعد ان تعمل فى بقالة الى حين تعلم اللغة وانها ملتزمة باعادة المبلغ ولكن ليس بهذه الطريقة.
ضربتها ضربا مبرحا, حرمتها الاكل, لوحت لها بحديدة صدئية, ستدخلها فى عجيزتها ان لم تنصاع وتذهب الى الشارع, ذلك الانيق الذى يرتاده رجال مخمورين ومحبطين يبحثون عن لذة مؤقته وتلك الصورة النمطية عن المرآة الافريقية لا تحقق مايتوهمونه.
كانت تصطك بردا وهى تحكى, وكانت ارواق قلبى معصوفة برياح البشاعة والقبح فى عالم لايرحم, العالم الهناك, عالم حكامنا اللذين لايفكرن الاّ فى ذاتهم, نظرتها واهتز القلم فى يد نغوجى واثينغو, بكيت ومانديلا ترقص له الشعوب ال
Hip Hop
وترقص هى مذبوحة الامانى من وريد الساحل الى وريد ذلك البحر.. هناك فى الخرطوم..
خوفها الاعظم من ذلك القسيس البلدى الذى اقسمت امامه, على قدح عليه ماء ساخن وسكين حادة, ان لم تعيد مبلغ رحلتها الى اوربا وتطيع {سيدتها} فى كل صغيرة وكبيرة فلها ان تهيىء نفسها لسكين تلاحقها اينما كانت...سيدتها من ذات البلدة التى رأت فيها مانجوت فى افريقيا الشمس.. تبكى وتشير الى السكين المعلقة فى هواء بصيرتها المخنوق... تلاحقها وصوت {الكوين} ينتهرها ويذلها ويستعبدها...
الشابة الاوربية التى تعمل – بوليصة- فى قسم مكافحة جرائم الاتجار بالبشر تنهض وتحضن مانجوت..
قلبى كان يوجعنى ومازال, قدمت لىّ كوبا من القهوة, مرار اشجار البن هناك تلذعنى, وصوتها يصحينى وعلى وجهى شدو منتصر. (بواليصنا} ايضا طيبون ويطيعون الحكام على احسن وجه فى تلك القارة الممتده, لوهلة ظنيت بانى هناك, استمع بدهشة ل – بوليصة- سمراء ونبيهة العينين ومنشرق وجهها بابتسامة وهى تقدم علمها ومعارفها وما اكتسبته من الحياة وتجاربها لسند ضحايا الاتجار البشرى والوقوف بصلابة ضد المجرمين.. صحوت من حلم عابر على صوت الخواجية اللطيفة ... اذن ليبقى الحلم.
التعليقات (0)