ثروة الارض-الحلقة السادسة
الجدوى الاقتصادية للثروة الطبيعية:
لا شك في ان الهدف الاقتصادي الاول هو الربح من انتاج الثروات الطبيعية ولولا وجود هذا الهدف الذي هو دافع رئيسي للانسان على البحث والانتاج فلا معنى ابدا لانتاجه موارد طبيعية تكلفه كثيرا ولا يستفيد منها...
والفائدة المرجوة من انتاجه للثروات الطبيعية حتى ولو كان الربح قليلا او وجود حالة من التساوي بين التكاليف والعوائد فهو ايضا محفزا له على البذل والعطاء،لان الحضارة البشرية تحتاج لبنائها المادي الى انتاج الثروة الطبيعية بغض النظر عن مدى وجود عامل الربح الاقتصادي الذي يخضع غالبا الى عامل العرض والطلب،وقد يكون عامل الاستفادة ظاهرا من خلال الانتفاع بنوعية المواد المنتجة من قبيل انتاج الذهب دون بيعه بل لاستخدامه الشخصي المحظ مما يعني ضعف العائد المادي الا في حالة البيع مستقبلا...
كلما كان هامش الربح واسعا كلما كانت الرغبة في انتاج الموارد الطبيعية موجودا بل محفزا للاخرين للاستحواذ عليه اذا كانوا لا يملكونه! والعكس صحيح ايضا في ان الرغبة تقل او يتم تأجيل البحث فيها للمستقبل في انتظار استنفاذ الموارد ذات الربح العالي وايضا انتظار تطور التكنولوجيا المستخدمة في البحث والانتاج والتصنيع.
ولهذا السبب ولاسباب اخرى يكمن وجود عامل الصراع الدموي بين المجموعات البشرية والتي هي غالبا مجموعات تتحكم في شعوبها على الموارد المتاحة المتيسر الوصول اليها والمعلنة فقط في الكرة الارضية!.وفي الحقيقة ان ذلك الصراع الذي يمثل اعلى درجات الهمجية في التاريخ الانساني والذي تسبب في سقوط مئات الملايين من الضحايا على مدار التاريخ كان من الممكن الاستفادة من الارواح والاموال المبذولة بالاضافة الى الزمن الضائع في ذلك الصراع في تطوير القدرات الانسانية من خلال العمل على تصنيع الموارد المنتجة من الاخرين وتصديرها اليهم على شكل سلع وخدمات مختلفة او حتى العمل على تطوير القدرات الذاتية لكل شعب والعمل من خلال منظومة انسانية عادلة تكفل للجميع الحق في العيش الكريم والاحترام المتبادل،ويمكن لنا تصور حالة شعوب الارض لو كان ذلك خيارها النهائي منذ البداية...فأكيد ان مستوى التطور الحالي هو قد حدث منذ مئات السنين وان الزمن الحالي هو محتمل ما سوف يكون عليه بعد عدة قرون!...الا ان كارثة الكوارث الانسانية يأتي من خلال تواجد وأنتشار المجموعات البشرية بواسطة الحرب والتسلط والنفوذ على الاراضي التي يعيشون عليها حاليا او في الماضي، بمعنى اخر انه لا يوجد شعب تقلصت رقعة ارضه او توسعت او حتى بداية الاستيطان عليها الا من خلال استخدام طرق الصراع مع الاخرين سواء المجاورين او السكان الاصليين وفق قاعدة التزاحم على الموارد المتاحة،ولذلك فأن التاريخ الحالي بصورته البشعة هو معناه بقاء لاوجه الكره والعداء والانتقام المتبادل لان الرغبات المكبوتة تبقى في الذاكرة الجمعية في العمل المتواصل على الاستحواذ على اكبر نصيب من الارض بغض النظر عن بعدها او قربها لمركز التواجد او حتى الرغبة في استرجاع ما يعتبر حقا قديما!.
ان البلاد التي فرض عليها السلم والتي ابتعدت عن مسار الاستحواذ القسري مثل اليابان والمانيا كان تطورهما الحضاري كافيا لاقناع الاخرين بسلوك المنهج ذاته ولو اختياريا لان طريق السلم يؤدي الى النجاح بشرط الاخلاص في العمل وعدم وجود معوقات التقدم والتي من اهمها الفساد، عموما يبقى التذكير بأن النتائج المأساوية كانت كافية لتأخير المجتمعات البشرية عن التأخر.
دائما تكون البداية الانتاجية للموارد الطبيعية هو في استغلال المصادر الاكثر قربا للمتيسر من القدرة التكنولوجية والمادية،ولذلك نرى ان بداية انتاج المعادن مثل الذهب والفضة والحديد والنحاس الخ كان في مناطق سهلة الانتاج وبسهولة ويسر وبأستخدام طرق انتاجية بدائية ليست كافية بالطبع اذا ما جربت في مناطق بعيدة يصعب على الانسان الوصول اليها مثل المحيطات والبحار والمناطق القطبية المنجمدة والصحارى الشاسعة الخ...وهذه المناطق التي بدأ الانتاج فيها والتي هي منتشرة في كافة قارات الارض، سوف لن يتركها الانسان حتى يتم استغلال كافة مكامنها المخزونة، وعندها يتحول مجبرا الى المناطق الاكثر صعوبة والتي تحتاج الى قدرات هائلة للبدء في انتاجها وفق الاسعار المعلنة،هذا يعني ان تلك المناطق المجهولة للانسان والتي تمتاز بثرائها الطبيعي هي مثل مناجم احتياطية تنتظر نفاذ محتوى المناجم السهلة وايضا تنتظر التكنولوجيا القادرة على انتاجها بيسر خاصة وان الزمن يؤدي عادة الى انخفاض الكلفة الانتاجية لكل سلعة سواء طبيعية او صناعية،والتطور العلمي المذهل خلال القرنين السابقين اديا الى ترشيد استخدام الايدي العاملة واستخدام التقنية بدلا عنها للتعويض،مما يؤدي الى التوجه نحو الصناعات الاكثر كثافة في استخدام الايدي العاملة او التوجه نحو فروع انتاجية من المؤمل ان تتوسع كثيرا لتلبية الحاجات البشرية والتي من بينها صناعة الموارد الطبيعية التي هي اضخم صناعة على الاطلاق والتي تبدأ من عملية البحث والتنقيب الى المراحل النهائية للتصنيع،ولذلك فأن المناطق المجهولة التي هي تنتظر قدوم يد الانسان لاستغلالها هي بمثابة كنوز مخزونة في الكرة الارضية والكميات المتوفرة فيها يعجز الانسان ليس فقط عن تقديرها بل ايضا عن استغلالها بكميات كبيرة هي قادرة على سد الاحتياجات ولكنها في نفس الوقت تشكل نسبة ضئيلة جدا من احتياطياتها!...اذا علام وجود حالة الصراع الابدي بين المجموعات البشرية على موارد طبيعية هي كافية لاغراق العالم بفائض رهيب وتلبية كافة احتياجاته لحقب زمنية اطول من التي مضت؟!!...اليس هذا غباءا بشريا متواصلا؟!...هذا الفحم والذي هو احد موارد الطاقة منذ قرون،يوجد في الدول المنتجة له الان وحسب الاماكن المكتشفة والتي تم تقدير احتياطياتها والتي تمثل بالطبع جزءا صغيرا من مساحتها الجغرافية،كميات هائلة قادرة على سد احتياجات العالم لقرون قادمة ووفق معدلات متسارعة لا يمكن التنبوء بما قد تكون عليه في المستقبل البعيد! ولا ننسى الطرق الجديدة في تحويل الفحم الحجري الى مواد اكثر يسرا في الاستخدام واقل تلوثا للبيئة من الطرق القديمة في الانتاج،بل ان الطرق الجديدة سوف توفر لكمية الفحم الحجري المحددة قدرة اكبر من الطاقة مقاسا بالبرميل مما يعني ان الموارد المستقبلية سواء المتضمنة للاحتياطيات الحالية او المتوقعة بحالتيها المحتملة او غير المحتملة هي موارد اكبر بكثير من القياسات الحالية لحجم الطاقة المتاحة،واكيد في نفس الوقت في المستقبل سوف يتم انتاج وتطوير معدات وسلع تقتصد كثيرا في استهلاكها مما يعني ان الخوف البشري من نفاذ الفحم الحجري لا مبرر له اطلاقا في ظل التوقعات الحالية التي تبشر بخير كثير!...
وهذا القول لا ينطبق على الفحم الحجري بل ايضا على كافة المعادن الاخرى وبخاصة موارد الطاقة الطبيعية،فالنفط على سبيل المثال كان يتم انتاجه من مناطق سهلة جدا منذ فجر التاريخ ولا تحتاج الى امكانيات تكنولوجية عالية لاستخراجه،وعندما توسع الاستهلاك في القرن العشرين نتيجة لابتداع مواد استهلاكية جديدة مع تطور وسائل المواصلات الحديثة والتي تحتاج على الدوام الى كميات ضخمة من الطاقة والتي من بينها النفط، فقد تطورت صناعة النفط وما يتعلق بها من صناعات بتروكيماوية بشكل كبير،وبما ان المواقع الجغرافية المعروفة والتي اكتشفت بواسطة الوسائل البسيطة والقادرة على تزويد الانسان المتزايدة قد اصبحت غير قادرة على سد حاجاته المتزايدة،ظهرت الحاجة الى تطوير القدرات التكنولوجية لاستخلاص اكبر كمية ممكنة من المكامن الارضية،ففي البداية كانت غالبية الكميات تترك بسبب بدائية القدرات التقنية للانتاج،فعلى سبيل المثال كانت التقديرات للاحتياطيات النفطية تبنى على نسبة استخراج بحوالي20-25% بعد الحرب العالمية الثانية بينما كان الباقي يترك اما للمستقبل للاستفادة منه او يهمل لعدم وجود التقنية الاقصادية القابلة لاستخراجه!ولكن مع مرور الزمن تطورت الوسائل القادرة على استخلاص كميات اكبر من المكامن النفطية مما ادى الى رفع ارقام الاحتياطيات المعلنة سابقا،وكانت النسب قد بدأت في التطور بعد ازمة النفط عام 1973 وارتفعت النسبة بالتدريج لتصل في الوقت الحالي(2010) الى مايزيد عن 65-70% مما يعني ان الحقول المقدرة بحوالي 2.5 مليار برميل قد ارتفع حجم احتياطياتها الثابتة الى 6.5-7 مليار برميل ومن يدري فقد ترتفع النسبة الى اعلى من ذلك!...وقد استفادت الكثير من الدول وخاصة العربية التي لا تعطي عادة احصائيات دقيقة عن حجم مواردها المكتشفة لاسباب عديدة خاصة التي يقال انها تتعلق بالامن القومي!في رفع حجم الاحتياطيات دون ان تقوم بالبحث عن النفط والغاز او ان تبدأ بأستغلال حقول جديدة مكتشفة! وللمقارنة توجد دول عديدة في العالم هي اقل حجما وقدرات دفاعية من الدول العربية تعلن بصراحة حجم مواردها الطبيعية دون ان تذكر وجود مانع امني يجعل الاحتياط امرا واجبا!... والطريف في الامر ان هنالك حكومات تدعي بوجود اخبار سارة حول ارتفاع احتياطياتها نتيجة لجهودها الاستكشافية بينما في الحقيقة انها استخدمت تكنولوجيا اكثر حداثة في الانتاج مما يعني رفع حجم الاحتياطي القابل للانتاج وفق المعايير الاقتصادية التي تهمل عادة الكثير من الابار والحقول الصغيرة بالرغم من ان مجموعها هو مؤثر ومهم في سد نسبة عالية من الاستهلاك ولكن للاهمال تبريرات مقنعة اقتصاديا فقط وفق المعايير الحالية!.
هنالك الكثير من الدول التي تقدر حجم الاحتياطي المتاح لديها وفق النسبة المتدنية القديمة مما يعني انها لو اتيح لها ان تستخدم نفس الامكانيات التكنولوجية المتوفرة لدى الدول الاكثر تقدما على صعيد انتاج الثروات الطبيعية،فأن حجم الاحتياطي القابل للانتاج سوف يرتفع كثيرا مما يعني تعديل ترتيب الدول في حجم الاحتياطي النفطي والغازي،ومن ابرز تلك الدول التي طرحت ارقام قديمة وفق النسب المتدنية هي العراق وايران وليبيا وسوريا وبعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق،بينما توجد دول تدرج حجم احتياطياتها المعلنة وفق القدرة العالية على استخلاصها من الحقول النفطية مثل امريكا والدول الاوروبية.
التعليقات (0)