جو خانق , حرارة قاسية يضاعف من قسوتها بؤس واقع المدينة والوطن , انقطعت الكهرباء عن مسكنى , إذن لن أستطيع تشغيل المروحة التى تحرك الهواء , قررت مغادرة المسكن متجها إلى الشاطئ , ليست هذه هى الإسكندرية التى أعرفها , أية يد غدارة قتلها , واغتالت جمالها وهدوءها ؟ , تحاملت على وهنى وأساى اخترقت طوفان المركبات بعد مخاطرة , هأنا أستقبل البحر , أناجيه , إنه ينكر المدينة التى احتواها وصاغ جمالها , لم تعد عروسه التى تنفث على شاطئه عطرها وشذاها , صارت تنفث سموما وصخبا ومهانة بشر , بقيت ساعة أتأمل ماضى مدينتى , وأنعى حاضرها , وأخاف على مستقبلها . عدت إلى منزلى قبيل موعد الإفطار , تخطيت الشارع بأعجوبة , الكل متعجل ليدرك موعد الطعام , معزوفة مجنونة من آلات تنبيه السيارت , كل يحث الآخر على الحركة مع انه يعلم أن الطريق متوقف أمامه , فى المكان خمسة مساجد يفصل بين الواحد والآخر عدة أمتار , كل منها أطلق مكبرات الصوت بقرآن ما قبل الإفطار , اختلط ذلك بصراخ السيارات , وهيستريا راكبيها , أى هول ! انحرفت يسارا , هذه خيمة تأخذ جزءا من الشارع عليها لافتة - مائدة الرحمن - أقامها بعض تجار المنطقة كى يضمنوا منزلة أعلى بإطعام الذين أفقرهم وطنهم , . بعد أن تناولت الإفطار , كان لا بد من مغادرة المنزل لواجب عزاء . جرت العادة أن يقام سرادق لقراءة القرآن ولا بد ان يظل المعزون فى السرادق حتى ينتهى القارئ من إحدى وصلاته , كان بجوار السرادق مجموعة من المساجد , كل منها ينافس الآخر فى علو الصوت بصلاة التراويح , غطت الأصوات مكان العزاء , ما الحل ؟ , مفروض أن ينتهى العزاء فى العاشرة , التراويح تمتد إلى حوالى الحادية عشرة , ليس أمام أصحاب المأتم إلا أن يطلبوا من القارئ أن يقوم بواجبه حتى يستكملوا طقوس العزاء ,اختلطت أصوات قرآن المساجد بقرآن العزاء . أى ترويع هذا ؟ , لا أعرف ما إذا كان مثل هذا يحدث فى أية دولة أخرى من بلاد المسلمين ! لا مكان ألجأ إليه من هذا الضجيج القاتل . عدت لمنزلى مجهدا متهالكا بسب زحام المواصلات , أردت أن ألتقط أنفاسى , أن استريح قبل السحور , فجأة انطلقت أصوات مكبرات الصوت بصلاة التهجد , لا أمل فى نوم أو راحة . هنا لا بد لى من عدة أسئلة هى 1 - كيف يتحمل الناس كل هذا الصخب دون أن يرتفع صوت بشكوى ؟ 2 هل هذه الممارسات مطلوبة دينيا وأنها تسهم فى نشر الإسلام ووعظ الناس وزيادة التمسك به ؟ 3 لماذا يصمت المسئولون عن هذه الجريمة التى لا علاقة لها بخلق أو دين ؟ . 4 هل يتصور المفسدون الذين اغتالوا المدينة وأقاموا أبراجا مخالفة للقانون , وسرقوا التيار الكهربى , وملئوا الاشوارع بمخلفات البناء , وباعوا وحداتهم السكنية بأغلى الأسعار بعد أن قاموا بالغش فى مواد البناء , هل يتصورون أنهم موعودون بالجنة لمجردفتح مكبرات الصوت فى الصلوات , وصرف بعض أموالهم الحرام فيما يسمى موائد الرحمن ؟ . لقد كان يوما غريبا , وهو جزء من حياة غريبة فى وطن صار غريبا , وطن غادر موقعه ومكانه فى صف الحضارة , وطن يتصور مفسدوه أنهم على موعد مع الجنة مهما كان من فسادهم وانحرافهم !
التعليقات (0)