حققت القاهرة وقيادتها الأخوانية نصراً سياسياً ودبلوماسياً بتوصلها لإتفاق وقف إطلاق النار يوم الأربعاء 21/ تشرين الثاني يتضمن التوازن بين الفلسطينيين والأسرائيليين ، عبر وقف العمليات المسلحة الأسرائيلية على قطاع غزة براً وبحراً وجواً ، بما في ذلك الأجتياحات لحدود القطاع ، ووقف عمليات الأغتيال التي تستهدف قيادات الفصائل الفلسطينية ، مقابل وقف العمليات المسلحة كافة من قطاع غزة نحو الأراضي المحتلة عام 1948 بما في ذلك إطلاق الصواريخ وعمليات التسلل عبر الحدود ، وهذا يلبي مصالح الطرفين وحاجتهما للإستقرار الأمني بوقف العمليات المسلحة المتبادلة ، أما التوصل إلى إتفاق يفتح المعابر وتسهيل حركة تنقل الأشخاص والبضائع وعدم تقييد حركة السكان ، فهو يلبي مصالح الطرفين أيضاً : غزة وتل أبيب ، فهو يفتح البوابة لقطاع غزة ، نحو فك الحصار المدني ويسمح بدخول وخروج البشر والسلع مما يخفف عملياً من تعقيدات الحياة الصعبة التي تواجه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ، ولكنه في نفس الوقت يسمح بتراجع مسؤولية إسرائيل لصالح مسؤولية مصر وذلك عبر توفير الضمانات كي تتحمل القاهرة مسؤولية المراقبة والتدقيق على الدخول والخروج الفلسطيني من بشر وبضائع وينهي تدريجياً إرتباط قطاع غزة بإسرائيل وبالتالي ينهي تدريجياً إرتباط قطاع غزة بباقي الأراضي الفلسطينية ، وهو توجه تسعى نحوه إسرائيل لتتخلص من مسؤولياتها نحو قطاع غزة ورمي هذه المسؤولية على القاهرة كي تتولى متابعة ومراجعة ما هو مطلوب منها نحو إحتياجات القطاع وأمنه ، وبالتالي يتم تطبيق مبادئ وإلتزامات كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بشكل مباشر أو غير مباشر على قطاع غزة ، وعلى حركة حماس ، وغير ذلك سيضع مصر في وضع يتعارض مع إلتزاماتها نحو تل أبيب وواشنطن .
تفاهمات القاهرة ، تخدم مصالح الطرفين ، مصالح حماس ، وهذا ما كانت تتمناه حركة حماس وتعمل من أجله ، بهدف تعزيز إستقلالية القطاع وتعزيز إدارة حماس المنفردة لقطاع غزة وترسيخ نتائج حسمها العسكري الذي نجحت من خلاله في توليها منفردة إدارة قطاع غزة ، وتخدم مصالح إسرائيل الأمنية والسياسية في نفس الوقت ، عبر التخلص من قطاع غزة ومسؤولياته .
لقد فتح الأتفاق " تناول قضايا أخرى " مفتوحة للطرفين ، وغير محددة بالعناوين أو بالمضامين ، وهي تسمح بالتالي لمزيد من التدخلات المصرية ، للتوسط بين الطرفين ، لحل قضايا أو عناوين عالقة يمكن معالجتها على قاعدة هذا الأتفاق المقتصر على وقف إطلاق النار ، مع إجراءات لتخفيف الحصار وربما إزاحته لجعل قطاع غزة أقرب إلى حرية التحرك والتصرف المدني وحتى السياسي بما لايتعارض مع المصالح الأمنية الأسرائيلية .
تفاهمات التهدئة كما تم تسميتها ، غير المحدد بوقت أو زمن ، مرهون بإنضباط الطرفين وإلتزاماتهما بما تم الأتفاق والتوقيع عليه ، وعدم خرقه منهما ، وفي حال وجود أي خلافات أو ملاحظات أو إعتراض من الطرفين ، يتم الرجوع للطرف المصري ، راعي هذه التفاهمات ومرجعيتها ، للتوصل إلى حلول أخرى لمعالجة المستجدات الأعتراضية .
العدو الأسرائيلي وجه 1500 غارة جوية على قطاع غزة ، بينما وجهت الفصائل الفلسطينية وفق إحصاءات تل أبيب 1436 صاروخاً ، سقط منها 880 في الأراضي المحتلة عام 1948 ، وإعترضت القبة الحديدة على 420 صاروخاً ، أدت إلى سقوط 5 قتلى إسرائيليين منهم جندي واحد مقابل 140 شهيداً فلسطينياً غالبيتهم من المدنيين الأطفال والنساء والكهول ، ومنهم ثلاثون شهيداً من فصائل المقاومة كما أعلنت حركة حماس .
الولايات المتحدة أحبطت بياناً صحفياً في مجلس الأمن لأنه يتعارض مع سياستها المؤيدة والداعمة للعدوان الأسرائيلي ودوافعه ، وإعتبرت كلينتون أن إلتزام واشنطن بأمن إسرائيل " صلب كالصخر " وأضافت في المؤتمر الصحفي مع وزير الخارجية المصري الذي أعلن من القاهرة التوصل إلى تفاهمات التهدئة ومتطلبات وقف إطلاق النار إلى أن الولايات المتحدة ستعمل مع شركائها ، خلال الأيام المقبلة كما قالت كلينتون من أجل تحقيق ثلاثة أغراض كما أسمتهم ، والأغراض الثلاثة هي :
أولاً : ضمان أمن إسرائيل ، وثانياً : تحسين ظروف عيش السكان في غزة ، وثالثاً : المضي قدماً نحو سلام شامل لكل شعوب المنطقة ، بما فيها تحقيق التطلعات المشروعة للإسرائيليين والفلسطينيين .
ملامح المشهد السياسي المقبل ، بدت واضحة المعالم ، في ضوء معركة غزة التي إستمرت ثمانية أيام من 14 إلى 21/تشرين الثاني ، وغيرت من معطيات الوضع الفلسطيني بإتجاه إعطاء قطاع غزة الأولوية للمعالجة ، بإعتباره العنوان الذي يمكن من خلاله فتح قنوات الأتصال والتفاهم ومحاولات التوصل إلى تسوية مؤقتة ، قد تطول أو تقصر ، ولكنها ستضع حركة حماس في طليعة الأهتمام الأميركي الأسرائيلي بإعتبارها القوة الحاكمة في قطاع غزة ولديها طموح وتطلعات ، وبإعتبارها جزءاً وإمتداداً لحركة الأخوان المسلمين ، أقوى وأكبر حركة سياسية عابرة للحدود في العالم العربي ، تم التوصل معها إلى تفاهمات في مصر وليبيا وتونس والمغرب وسوريا ومن قبلهم في العراق ، ويمكن التوصل معها لتفاهمات مماثلة في فلسطين .
h.faraneh@yahoo.com
التعليقات (0)