"ملامح تشنجات الدين في المجتمع المصري و أثاره ".
الذي يجري في مجتمعاتنا العربية تحت تأثير المد الديني الوهابي ، وخصوصا داخل المجتمع المصري ..
هل هو تدين أم تشنج ؟
أي هل يستطيع المجتمع والذي يجمع بداخله أشكال عدة من التزمت والانغلاق والتشدد أن ينافس المجتمعات الحديثة بإقتصادياتها وعلومها وتعاليمها المتقدمة ؟
فمن الطبيعي أن يسعى المجتمع إلى التمايز وتأكيد ثقافته وهويته التي تميزه عن الآخرين على أسس ومعايير موروثة كاللغة والدين والعادات والتقاليد
وإشتهر المجتمع المصري وحتى أواخر هذا القرن بسعة صدره وتعاليمه السمحة ونجاحه في إقامة نظم إقتصادية وسياسية وفرت لأبناءه الحياة الكريمة
إلى أن وصلت إليه بعض الصور المجتمعية الوافدة من تقاليد وأعراف تعصبية ومفاهيم دينية متشددة غيرت الكثير من سمات ذلك المجتمع المصري الأصيل ..
وتعالوا نتعرف على كنه التعصب الديني في حد ذاته
هو :
سلوك .. وأخلاقيات مذمومة ولم يستطع أيا ً من المتعصبين حتى الآن أن يدلل مطلقا ً عن إنه عمق إيماني
بل لقد أثبتت الأحوال التي عليها المتعصبين أن التعصب ليس إلا شعور بالنقص وعدم الثقة بالذات .. وما هو إلا تشنج لفظي أو إثارة فكرية تعجز عن الدفاع عن معتقدها بالحجة والدليل والبرهان فتهيج هياج الثور ليرهب من حوله .. ثم إنه تصرف ينم عن عدوانية سلوكية تكشف في حقيقة الأمر عن ضعف داخلي مما يترتب علية صراخ وتشنجات لا طائل منها
وليسأل أيا ً منا نفسه عما عاد إلينا من تلك التعاليم الوافدة التي دعت وتدعوا للتعصب والكراهية والعدوانية !!! منها على سبيل المثال لا الحصر مظاهر الفتة الطائفية البادية على السطح تلك الأيام ؟؟ السلوكيات العامة بين المواطنين وبعضهم داخل ( الأسواق ، المواصلات ، التعاملات ، .. ، .. )
ويبحث عن الإجابة بنفسه بعين فاحصة ، وضمير مرتكن لحكمة خلق العقل بالإنسان ، وبحياد تام بعيدا ً عن أية تعصبات .. يبحث عن الإجابة من خلال علاقات أعضاء المجتمع ببعضهم البعض .. ُترى هل يجد تقدم على الأقل في القيم الأخلاقية ، ومستويات التعليم والثقافة .. هل يرى تقدم سلوكي وحضاري مع ما حوله من بيئة ومحتوياتها وأساسياتها !!
هل لتلك التعاليم الوافدة الغريبة عن مجتمعنا آية تأثيرات مستحسنة لازمت قيمنا بأنواعها ؟؟
وتعالوا لنرى سويا ً ما يحدث على الساحة من أثار هذه التشنجات :
(( تحول مركز ديروط إلى ثكنة عسكرية، إثر قيام الأمن بغلق مداخل ومخارج المركز، بسبب نشوب المشاجرات، والاعتداءات بين المسلمين والمسيحيين، على خلفية تجديد حبس 4 أشخاص من عائلة "أولاد حسونة"، والمتهمين بقتل فاروق هنرى عطالله والد الشاب "ملاك" الشهير بـ "رومانى"، الذى قام بالاعتداء جنسياً وهتك عرض إحدى الفتيات المسلمات، وقام بتصويرها، وإرسال الصور عبر الإنترنت، والهواتف المحمولة، الأمر الذى أدى إلى اشتعال نار الفتنة الطائفية داخل المركز.))
(( قام اليوم عدد من أقارب المتهمين بالاعتداء على التلاميذ المسيحيين، وتكسير المحلات، فى شارع المحكمة ومجلس المدينة، اعتراضاً على تجديد حبس أقاربهم، كما أشعلوا النار فى مجمع كنائس الحلاجة، فيما ندد طلاب المعهد الدينى الأزهرى بديروط باعتداء الطالب المسيحى على الفتاة المسلمة من خلال مظاهرة حاشدة، خرج فيها نحو 1000 طالب، مطالبين الجهات الأمنية بالقصاص من الشاب المسيحى الذى ألحق العار بالمسلمين، داخل مركز ديروط )) .
ومن ثم ليسأل كلا ً منا نفسه :
عن أين ذهبت التعاليم الدينية السمحة ، وقيم المحبة والود ، والسلوكيات الحميدة التي كان المصريين يتسموا بها ؟؟ ومَن وراء إختلال التوازن الفكري الذي أصبحنا عليه , وباتت تشوه تلك القيم فيما بيننا من معاملات على الأقل ؟؟
والأمر المؤكد أنه لا توجد عقيدة دينية أو دعوة نبيلة تحض مبادئها علي التعصب وكراهية الغير أو إزدراء عقائدهم والتحقير منها. فمثل هذه السلوكيات تفصح عن الحالة النفسية لبعض المناصرين لتلك العقيدة أو الدعوة وسماتهم النفسية والأخلاقية في مراحل الإنغلاق والإنكفاء علي الذات والتعصب الأعمى .
وهذا الكلام ينطبق على كلا طرفي العقيدتان المسيحية والإسلامية
والتساؤل هنا :
هل كان وراء هذا الإختلال والإحتلال الذي نحياه تلك الأيام .. أهم المصريين أنفسهم .. أم أن هناك إحتلال فكري وثقافي وافد ووارد ومخالف لما ترعرع عليه أباءنا ، ذاع وإنتشر بين أولادنا ؟؟
كنتيجة للإنتقال والترحال والهجرة الساعية وراء تحسين الحال والأحوال
والعودة بقيم وتقاليد وعادات وسلوكيات غريبة عنا تدفع بكلا ً من طرفي النزاع للتناحر
وهذا
سؤالنا الثالث للسادة جهابزة العلم الإجتماعي .. وإستدعائهم للحل السريع
ناهيك عن الإعلام ووسائطه
والتي من أقلها شأنا ً تلك الملصقات التي تتلاقى وعينيك في أي مكان تتواجد به بدء من المواصلات وصولا ً لأكشاك البيع بالشوارع ، ومرورا بالكتيبات والنشرات التي تدعو لفكر بعينه .
وأعلاها وصولا للعامة وإستقطابهم .. التلفاز .. فهو محور مهم في بث روح التشنج الوافدة والتأكيد عليها وعلى صحتها من خلال برامج الفتاوى الفضائية من كل شكل ولون والتي تعتبر من أكثر الأوراق الرابحة التي تستقطب المشاهدين ..
ناهيك عن التعليم .. ومدى إنتشار وكثافة المدارس شبه الدينية
مبتدئن بأولى مراحل العمر بالتعليم في حضانات يطلق عليها مصطلحات تعريفية دينية سواء كانت إسلامية أو مسيحية (( برغم أن الأخيرة تكاد تختفي من على الساحة الشعبية والجماهيرية وتنحصر داخل أماكن العبادة الخاصة بهم )) .
أما الغريب
في بعض تلك المدارس أو المعاهد وخصوصا ً التي تتخذ من الطابع الإسلامي الشكلي رمزا ً وعنوانا ً .. أن تشترط فيمن تكون المسؤولة عنها .. إحدى المنقبات أو المنتقبات ولديها ذخيرة من فكرهم الديني لا بأس بها .. وقد تصل تلك الشروط للأهل وأولياء الأمور وذويهم
كما وتشترط طلبا من تلك المسؤولة سرعة إيصال تلك الأفكار المتشدده في نظر المجتمع الدولي إلي عقول الأطفال
وهذا شرط الخبرة الوحيد في مقابل الحصول على الوظيفة مع إمكانية التنازل عن جميع المؤهلات العلمية الأخرى
وأيضا ًهو مطلوب من الأهل ً كشرط إدراج أبنائهم ضمن تلاميذ تلك المدارس .
إستغلال مابعده إستغلال بإسم الدين .. للتربح كان ، أو لبث فكر بعينه من خلال
كثافة .. إنتشار .. إنتقاء .. ضمان بقاء على الساحة
مع تتابع السنين لهؤلاء المتلقين .
أما عن تلقين التعليم في تلك المدارس فحدث دون حرج حيث كونه هو الأسلوب المنيع في تلك المدارس لا التفكير
مناهج تفتح أبواب الفتن
وفكر أيدولوجي .. إن دلل على شيئ فإنما يدل على مبادئ سيسودينية
وهنا تكمن المصيبة .. كما تكمن في
المدرسين الذين يزرعون بذور التعصب والإرهاب وتسيس الدين
في عقول أولادنا .. أجيال المستقبل
ليشبوا منعدمين القدرة والمقدرة على إستخدام عقولهم البتة .. وما هم إلا مجرد حفظة .. يحفظون ولا يفكرون .. أدوات يستخدمونها لتحقيق أغراضهم ويحسنوا إستخدامها .. أجيال مصابة بحالة من الكِبر وإحتقار الأمم والأديان الأخرى .
وهنا يمكننا على الأقل أن نقول بأن هذا ليس إلا منبت أصيل للإرهاب الفكري
وهو نفسه مستنقع الإرهاب الذي تكلمنا عنه من قبل وقلنا أن الإرهاب لن ينتهي بمقتل الألاف أو حبسهم بالمنع عن الإختلاط بالمجتمع .. بل ينتهي عندما ينتهي دوره المؤثر في المجتمع بردم المستنقع الذي تتوالد فيه يرقاته
المتمثل في كارثة تكثيف الجمعيات الأهلية التابعة لفكرهم وحضاناتها ومدارسها و مساجدها
وما أكثر تلك المنافذ ونشاطها في
سرعة الوصول إلى العامة من الناس .. ومن الأدلة على ذلك الكثير
فقط أنظر حولك من جميع الإتجاهات والمجالات
ونحذر من تلكم المجالات ، شديدة الخطورة غلى مستقبل أولادنا ..
والتي تدلل على الإسلام السياسي الذي يغرز مخالبه في أعماق جسد مجتمعنا ، إنه ربط الدين والدولة بعقال واحد
لو لم تراجع هذه الحالات والأفكار من قبل المختصين .. سنخطو بخطى متعجلة نحو الهاوية
ولو تركناها دون لفت النظر إليها وإعادة تكييفها لتطابق الفكر السوي ستشتد العاقبة أكثر وأكثر ؟
ولنا لقاء آخر بإذن الله
محمد عابدين
التعليقات (0)