تيسير الفارس
إن الإسلام يثار اليوم أكثر من أي وقت مضى من قبل ملايين المؤمنين من أجل تبرير التصرفات وأنواع السلوك المتضمنة للرؤى واستشراف الآمال أو حتى الواقع بما يتضمن من تبرير المطامح وترسيخ العقائد وتأكيد الهويات الجماعية في مواجهة قوى الحضارة الصناعية وما بعد الصناعية أقصد الأنقلاب في مفاهيم القيم والأفكار على نحو مضاد لما كان سائد أو متعارف على نحو من الأنحاء أنه سائد، لقد تم تطوير ظاهرة أيديولوجيا الكفاح بعد الحرب الثانية لدي معظم الشعوب الإسلامية ولكنها لم تنتهي بمجرد إقتناص الإستقلال السياسي، علاوة على استمرار استراتيجيات السيطرة السياسية والاقتصادية في العالم المعاصر، إن صعوبات البناء الوطني كانت قد فرضت في كل بلد اللجوء الملح أكثر فأكثر إلى الدين كوسيلة للحكام وكملجأ سياسي للمعارضين وكملاذ أخلاقي للمضطهدين المسحوقين وكأداة ترقية للكوادر الجديدة في المجتمع.
كانت ظواهر كثيرة وعديدة ومكثفة قد أخذت تحدث فاعليات مضاعفة في تأكيد الخصوصية المتميزة والمتعالية للإسلام أجبرت الجميع على التكلم عن النهضة الإسلامية وعن فاعليتها الثورية ثم عن عودة ما هو إلهي وإنتقام المقدس لنفسه مع أن هذه التعابير ذات المنشأ الغربي كانت قوى العولمة قد إكتسحتها سابقا على الرغم من ذلك ظلت هذه القوى الإسلامية ترددها باستمرار وفي الوقت ذاته راحت القوى التنويرية تدفع بإتجاه مضاد أي محاربة التخلف والجهل والأمية التي كانت في الواقع هي الأنماط المهيمنة والسائدة. لم يحدث على المستوي القيمي داخل الفضاء الإسلامي أي تحول يذكر في بناء الذات العالمة المتحررة ضمن هذا الجدل الذي ساد خلال المرحلة السابقة، وأقصد هنا بناء الوعي الخلاق والتحول الحر المبرر أخلاقيا نحو التقدم والحضارة والقيم السائدة في العالم المعاصر,إن الأمة الآن قد دخلت الى القرن الحادي والعشرين قرن العولمة وهي تدخله بذات العقلية دون أية زحزحة تذكر في في منظورها الفكري أو مستويات تمدنها الحضاري والإنساني والقيمي
بعد أن انهار الاتحاد السوفييتي كقوة عظمى أصبحت الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة على سطح الأرض . وأصبحت تمارس هيمنتها على كل القوى العالمية أو على كل قوى العولمة . وأصبح الأوربيون ، بمن فيهم روسيا وتوابعها السابقون ، يبحثون عن التحالف مع الولايات المتحدة وعقد الصفقات معها أكثر مما يحاولون منافستها أو حتى مجرد التفكير في ذلك . وهكذا أخذت الشعوب والأمم الجديدة في العالم الثالث تشعر بضغط الهيمنة عليها أكثر من ذي قبل . وهذا ما يعرقل جهودها الرامية إلى التحرر والتوحيد الداخلي . لم يعد أحد يتحدث اليوم عن حق الشعوب المستضعفة في تقرير مصيرها ، هذا الحق الذي طالما تحدثوا عنه وطالما غذى الأحلام والأوهام أيام الحرب البارة . لقد أصبح يعتبر الآن بمثابة حماقة أيديولوجية !… وحلت محله سياسة المساعدة الإنسانية للشعوب التي تعاني من خطر المجازر والتصفية الداخلية . لكن القوى الاقتصادية والمصرفية للعولمة هي الآن في أيدي الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى . وهذه القوى الجبارة لا تهتم إطلاقا بمصير الشعوب المسحوقة والمهددة في مصيرها ، ولا تعنيها كثيرا سياسة المساعدة الإنسانية التي يدعو إليها السياسيين المتحسسين لآلام البشر . وموقف هذه القوى الأنانية الباحثة عن التوسع والمنفعة بأي شكل يشبه موقف أسلافها من البورجوازيين الرأسماليين الفاتحين في القرن التاسع عشر . فهؤلاء أيضا لم يكونوا مهتمين بتحرر النساء والطبقات العاملة حتى داخل بلدانهم بالذات . وبالطبع ، فقد كان اهتمامهم أقل بتحرر الشعوب المستعمرة . وهكذا نجد أن سياسة المساعدة الإنسانية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها ، وحقوق الإنسان قد تحولت إلى مجرد شعارات مفرغة من مضمونها ومحتواها . إنها تستخدم كتغطية أيديولوجية من قبل أولئك الذين يستخدمون عمليات العولمة لصالحهم أو لتحقيق مآربهم ( دائما البحث عن المزيد من المنافع والربح والتوسع والسيطرة على أسواق جديدة )…
لقد اعتقدت " النخب الوطنية التي حكمت البلاد بعد الاستقلال بانها تستطيع أن تخلع مضمونا حقيقيا على هذه الشعارات عندما ارتبطت مع الدول الغربية التي كانت تستعمرها سابقا بسياسة "التعاون " أو بسياسة " المساعدة على التنمية " كما كانوا يسمونها آنذاك . وكانت النتيجة كارثة . فهذه السياسة التي اتبعت في الستينات والسبعينات أدت إلى ردود فعل كبيرة ليس أقلها الثورة الإسلامية في إيران وغير إيران … ماذا تعني الثورة الإسلامية في العمق ؟ إنها تعني رد فعل هذه الجماهير الفلاحية والبدوية الفقيرة بشكل مدقع على سياسات التنمية الفاشلة التي اتبعت بعد الاستقلال ولمدة ثلاثين سنة . فقد سلبت هذه الجماهير من تقاليدها الموروثة وتوازنها البيئوية وعصبياتها الدموية بعد أن هاجرت إلى المدن واقتلعت من جذورها وشكلت حزام الفقير او مدن الصفيح حولها . وهذا ما حصل للطبقات الفلاحية الأوروبية في بداية عصر التصنيع في القرن التاسع عشر . ينبغي ألا ننسى ذلك . ولكن هذه الأخيرة حظيت بأطر استيعابية فعالة وبمهلة انتقالية طويلة ساعدتها على الاندماج الطبيعي في المدن الأوروبية الأساسية . وهذا الشيء لم يحصل للأسف في العالم العربي أو إسلامي ، فكان أن شهدنا ما يدعى بالثورة الإسلامية ، أو بالحركات الأصولية المتفرقة . وهذا هو التفسير السوسيولوجي للانتشار الواسع لهذه الحركات . ولكن هناك تفسيرات أخرى بالطبع ، سوف نتعرض لها في حينه .
إن ظاهرة العولمة تنشر على مستوى الكرة الأرضية بأسرها استراتيجيات اكتساح الأسواق الاستهلاكية وتدجينها وإلحاقها بها . ولا تبالي إطلاقا بالمآسي الاجتماعية والفقر المدقع الناتج عن ذلك في دول الجنوب . كما ولا تبالي بالتراجعات الفكرية والقمع السياسي والبؤس الثقافي الناتج بالضرورة عن سياسة " التبادل غير المتكافئ " . نحن نعرف الآن كيف تتم سياسة العولمة هذه أو كيف تبلور استراتيجياتها .
هنا يكمن نفاق الغرب ، أو قوى العولمة الجبارة ، أي الشركات المتعددة الجنسيات والمخترقة للقارات . وعندما تقول ذلك للمسؤولين الكبار وتدعم رأيك بتحليلات علمية دقيقة ، فإنهم يشيحون النظر عنك قائلين : هذا ليس إلا ثرثرات مثقفين مثاليين ! ثم يحتجون بالمصلحة العليا للدولة ، وضرورات السياسة الواقعية بين الدول ، و" عقل الدولة " … الخ .
التعليقات (0)