مواضيع اليوم

بيان الطنطاوي: ثورتنا ليست فوضى ولا فتنة.. بل هي معجزة

بلال الشوبكي

2012-02-09 14:38:25

0

  أكدت لـ"إسلام أون لاين" أن السوريين في ماليزيا ثوارٌ عن بعد  
  بيان الطنطاوي: ثورتنا ليست فوضى ولا فتنة.. بل هي معجزة

  
بلال الشوبكي 

 
 "وأخيراً أيها المحسن المجهول، الذي رضي أن يزور دمشق عنّي، حين لم أقدر أن أزورها بنفسي، لم يبق لي عندك إلّا حاجة واحدة، فلا تنصرف عنّي، بل أكمل معروفك، فصلّ الفجر في "جامع التوبة" ثم توجه شمالاً حتى تجد أمام "البحرة الدفّاقة" زقاقاً ضيقاً جداً (...) دع البحرة الواسعة في وسطها وهذه الشجرة الضخمة ممتدة الفروع، سر إلى الأمام حتى يبقى بينك وبين جدار المقبرة الجنوبي نحو خمسين متراً، إنك سترى إلى يسارك قبرين متواضعين من الطين، على أحدهما شاهد باسم الشيح أحمد الطنطاوي، هذا قبر جدّي، فيه دفن أبي، وإلى جنبه قبر أمي فأقرئهما منّي السلام".

هذه الكلمات الرقيقة تحوي في ثناياها ملخصاً مؤلماً لمعاناة الشيخ الجليل علي الطنطاوي رحمه الله، خطّها بيده يوم أن وجد نفسه بعيداً عن الوطن والأهل والأحبّة، شوقه لتفاصيل حياته الشامية جاوز كلّ وصفٍ ممكن. قلبٌ نابضٌ بالإيمان وفكرٌ نيّرٌ وساعدان متوضئان وفطنة وحكمة لم يبخل بهما يوماً على مريديه، هكذا كان، ولذا راودته المنيّة وهو يلتقط هواء الأحمر في جدّة فيما شوقه لنسيم المتوسّط حيث ملتقى الأحبّة.


في هذه الأيام التي تُدكُّ فيها سوريا فوق رؤوس قاطنيها، في هذه الليالي التي فاضت فيها المآقي حزناً على زهرات وشبّان وشيوخ قتلوا وأسروا وتقطّعت بهم السبُل، نستذكر معاناة الشيخ الطنطاوي مع الأنظمة السورية المتعاقبة منذ منتصف القرن الماضي، أورثها الشيخ لبناته وأحفاده فغدوا حاملين مشعل الثورة أينما حلّوا وكيفما ارتحلوا. إن قصة الطنطاوي رسالةٌ إلى كلّ من يقول أن السعي للحرية لا يستحق كل هذه التضحيات التي نراها، ومفاد الرسالة: "أننا كشعب سوري نُقتل منذ عقودٍ كل يوم، ونتعرض للاعتقال كل ساعة، لكن من دون نتيجة تذكر ومن دون علم أحد، أمّا اليوم فنحن نضحّي وقد بدأنا نجني ثمار ثورتنا". هذا ما قالته ابنة الشيخ الجليل الداعية والمحاضرة بيان الطنطاوي في لقائها مع "إسلام أون لاين".

الساعة الخامسة من مساء يوم الثلاثاء 7/2/ 2012 وقفنا بباب بيتها في إحدى ضواحي كوالالمبور، كانت صلاة العصر قد حانت، لم تشأ أن تُخلّ بالموعد ولا أن تؤجّل الصلاة، فتركت لنا الباب مشرّعاً. كان بصحبة موفد "إسلام أون لاين" حفيدها عمارة الحراكي وهو ممثل عن منظمي حملة إنقاذ سوريا في ماليزيا. ما أن سلّمت يساراً خاتمةً صلاتها حتى بانت عيناها وقد كساهما حزنٌ عميق ممزوج بتفاؤل وأمل بأن تؤتي الثورة أُكلها. جلسنا في ضيافة داعية قضت ما يقارب الثلاثة عقود كمحاضرة في جامعة الملك عبد العزيز في السعودية، وداعية حيثما حلّت. حين طلبنا منها أن تحدّثنا عن والدها الراحل، ملأت الفرحة محيّاها، صمتت وحبست أنفاسها، فعادت بذاكرتها عقوداً تروي لنا تفاصيل الحكاية.

اغتيال بنان

في العام 1958 بدأ اضطهاد الشيخ علي الطنطاوي، فقد كان من المعارضين للوحدة المصرية السورية، ومن المؤيدين للانفصال. في عام 1961 حصل الانقلاب على الانفصال، وقد بقي الشيخ علي الطنطاوي في بيته لم يخرج منه كما تقول ابنته بيان. في العام 1963 غادر إلى السعودية للعمل في مدينة الرياض وقد عاد إلى سوريا أكثر من مرة رغم التضييق عليه إلى أن استلم الحكم الأتاسي فأصبح هناك ملاحقة للشيخ الطنطاوي مما اضطره للقاء ذويه في الأردن. التحوّل الكبير في حياة عائلة الشيخ علي الطنطاوي كما تقول الداعية بيان هو اغتيال شقيقتها بنان في ألمانيا 17-03-1981 على يد المخابرات السورية، وذلك في إطار محاربة والدها وزوجها عصام العطار.

تم سحب جوازات سفر العائلة وتجميد أموالهم في سوريا، تشتتت العائلة في أماكن مختلفة إلى أن استضافتهم السعودية، حيث عمل الشيخ الراحل في مدينة الرياض ومن ثم مكّة المكرمة إلى أن تركها وسكن جدّة مع بقية أهله. عن حياته في السعودية تقول بيان الطنطاوي:" كانت حياة عالم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد شغل نفسه بالتأليف والتعلم حتى آخر أيامه، كان ناشطاً إعلامياً من الدرجة الأولى، فمنذ أيامه في سوريا وطيلة فترة وجوده في السعودية كانت له برامج إذاعية وتلفزيونية مختلفة، وهذا ما يمكن اعتباره سبباً في التضييق عليه في سوريا، لأن قدرته على التأثير كبيرة، وله كاريزما واضحة".

الاتّزان السياسي
تؤكّد بيان الطنطاوي أن أباها وقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب والتيارات الدينية، رغم ميله للفكر الإخواني فقد كان على علاقة جيدة مع حسن البنا، فيما كان معجباً بالشيخ أحمد ياسين ويحترم حركة حماس. إن المتتبع لسيرة الطنطاوي لن يجد قراراً علنيّاً واضحاً بتهجيره، كما تقول ابنته بيان، لكن المعادلة كما شرحتها لنا كانت كالتالي: تلقّى الشيخ العديد من الدعوات من قبل حافظ الأسد للعودة إلى سوريا لكن ذلك كان مشروطاً بصمت الشيخ، فرفض أن يكون من الساكتين عن الحق وآثر على نفسه مجاورة النبيّ وصحبه إلى أن ترجّل فارسنا الشيخ حيث سلّم الأمانة لبناته وأحفاده، منهم الكاتب ومنهم الداعية ومنهم المعلم وكلّ منهم ثائرٌ نصرة للحق في مكانه".

شباب الثورة سيحافظون على إنجازاتهم
أمّا عن موقفها من الثورة السورية، وكيف تنظر لها، وماذا قدّمت لها؟ فتقول الداعية والمحاضرة بيان الطنطاوي: إني أؤمن بالثورة وأثق بشبابها ولا أكترث لرأي منتقديها. إن هناك أناسا منتفعين، لن يألوا جهداً في اعتلاء مركب الثورة، لكنّي أدرك يقيناً أن الشعب السوري الثائر قد خبر معدن الرجال، ولن يترك ثلّة فاسدة تتحكم بمصيره من جديد. أنا مع الثورة وقد شاركت مع شباب حملة إنقاذ سوريا بما أستطيع، وآخر مساهماتي كانت في العشاء الخيري الذي أقيم لدعم الثورة السورية، فيما سلسلة لقاءاتي ومحاضراتي لم تنقطع لتوضيح حقيقة الأمور في سوريا.
بيان الطنطاوي ختمت حديثها معنا برسالة إلى كل مغتربٍ سوري، فقالت: إن وجودكم في الخارج لا يعني فقدان اتصالكم بالداخل، إن وجودكم في الخارج رغم ما فيه من أسى إلا أن فيه النفع لسوريا، فأنتم سفراؤها الحقيقيون، كلٌّ منكم له دور أينما كان، فلا تتركوا أحبتكم من دون عون، إنهم بحاجة إلى الإغاثة الإنسانية، والنصرة المعنوية، والدعم السياسي.



قريبون عن بعد
قبل يومين من لقائنا بالداعية بيان الطنطاوي، كنّا قد اجتمعنا بحفيدها عمارة الحراكي وهو ناشط كرّس وقته خدمة للثورة السورية، يرعى وينظّم مع مجموعة من المثقفين السوريين في ماليزيا حملةً الدفاع عن سوريا. بدا متحمّساً للتعريف بأنشطتهم داخل ماليزيا، فتارةً يحدّثنا عنها وتارة أخرى يعرض لنا مجموعة من الصور والفيديوهات عن سوريا، كان متفائلاً جدّاً رغم المرارة التي تعتصر قلبه حزناً على سوريا.

الحراكي موجهاً حديثه لنا: "عاش آباؤنا ظلم وقهر ديكتاتورية الأسد وها أنا اليوم أعاني لكنّي على ثقة أن هذه الثورة ستجنب ابني عُمير ما عاشه أسلافه، وستتيح له العيش في بلده آمناً مطمئناً"، في هذه اللحظة يشدّ ابنه عمير ذو الأربعة أعوام يده مشتتاً تفكيره، فيقول: "يا بابا هنيك فيني إلعب بالحارة" ردّ والده منفعلاً وبسرعة "إيه بابا هنيك الحارة كلها إلك" وسرعان ما فاضت عيناه بالدمع مبتسماً.

وما إن بدأنا الحديث حول أنشطة الجالية السورية في ماليزيا، حتى استرسل عمارة الحراكي شارحاً لنا أهم ما قاموا به، فيقول: "كانت البداية فقط بثلاثة أشخاص اعتصموا أمام مبنى السفارة السورية في كوالالمبور، وبقيت الأنشطة متواضعة حتى تم الاتفاق مع حركة الشباب المسلم في ماليزيا ومنظمة السلام العالمي على تبنّي أنشطتنا ورعايتها، فقد عقدنا العديد من المؤتمرات الصحفية وأنتجنا سلسلة من الأفلام الوثائقية حول الوضع السوري كما قمنا بمجموعة من المسيرات والاعتصامات في أماكن متعددة". يضيف عمارة الحراكي: " لقد شعرنا بضرورة التواصل بفاعلية أكثر مع الشعب الماليزي فدشّنّا صفحة لنا على "الفيس بوك" باسم savesyria، ومدونة علىworld press ".



حملة إنقاذ سوريا
من أهم إنجازات حملة إنقاذ سوريا أن القائمين عليها بنوا جسوراً بينهم وبين النخب السياسية والإعلامية في ماليزيا، وقد كان من نتائج هذا التواصل - كما يشير عمارة الحراكي - أن الحزب الإسلامي الماليزي قد أصدر مذكرة استنكار لاستخدام العنف ضد السوريين، الأمر ذاته قامت به حركة الشباب المسلم. حملة إنقاذ سوريا التي رفعت علم الثورة في المسيرة الصامتة بتاريخ 19/1/2012، لم تكتف بإيصال رسالة الإحتجاج إلى السفير، بل قامت بأنشطة أخرى موجهة للشعب الماليزي تدعوه فيها لنصرة السوريين بكافة أشكال الدعم.

في هذا المقام يؤكد الحراكي على أن أنشطتهم كانت موزعة على قسمين؛ الأول موجه إلى عامة الناس كالاعتصام المفاجئ الذي قاموا به في حرم الجامعة الإسلامية العالمية، والثاني إلى النخب والقيادات فقد تم الاجتماع بالأستاذ محمد زيدي عزيز ممثل "مجلس الشباب الماليزي" الذي يضم جميع الحركات غير الحكومية من جميع الأقليات، كما سيتم لقاء رئيس "شباب أمنو" الأستاذ خيري جمال الدين ، بالإضافة إلى العديد من اللقاءات مع شخصيات حكومية، إلاّ أن اللقاء الأهم كما يورِد الحراكي، هو اللقاء المرتقب مع الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق والذي سيعقد يوم 24 فبراير 2012.

نحن سوريّون وهذه الهوية التي نعرّف بها عن أنفسنا في ماليزيا، هذا ما شدّد عليه عمارة الحراكي، مؤكداً: "إنّنا لم نسأل أحداً عن فكره أو ميوله السياسية، كل ما يهمّنا خدمة سوريا، ولذلك فإنّنا تناسينا كل التباينات وركزنا على هدف أساسي لنا، وهو استغلال وجودنا في المهجر كي نسخّر كل الطاقات لخدمة الثورة وإنجاحها، لقد منّ الله علينا بدولة كماليزيا تفهّمت وضعنا وعاشت معنا لحظات الحزن ونسأل الله أن يمنّ علينا في سوريا بما ارتضاه لأحبتنا في ماليزيا من السكينة والطمأنينة."
إسلام أون لاين 9/2/2012

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات