باص يبث الحياة !

علي جبار عطية
الأربعاء 12-09-2012

اردد مع ابن الفارض قوله : (ومشبه بالغصن قلبي / مايزال عليه طائر) وتقع عيناي على باص حكومي كأنه مصبوغ بالدم العراقي الجاري مجرى دجلة والفرات.

كان هذا ضحى الاحد 9-9-2012 قرب ساحة عدن ابتدأت رحلتي في هذا الباص الانيق المكيف من ساحة عدن الى ساحة النصر في قلب شارع السعدون ببغداد .
انتبهت الى حركتي من ساحة عدن ومايحمله اسم عدن الى ساحة النصر في اشارة الى النهاية الايجابية لهذه الرحلة .
كنا عشرة ركاب في هذه الرحلة التي استغرقت ساعة واحدة يقودنا السائق الخمسيني بسدارته المميزة لكن الجابي كان بملابسه المدنية العادية .
كان الركاب سعداء ولم يتكلموا كعادتهم حين يحشرون في سيارة الكيا عن الازدحامات وصراع الكتل والرواتب الخيالية لبعض المسؤولين والفساد الاداري وربما يعود ذلك الى ان اقتراب الناس من بعضهم يولد المشاحنات والمناكدات ويفتح شهيتهم للجدال اما هنا فالوضع مختلف فقد توزعنا على المقاعد الاربعين في باص ( الفا ) وكان الهدوء هو سيد الموقف .
سرتني البطاقة الوردية المرقمة (904895) وهي بطاقة تذكرتي لانها اعادتني الى زمن النظام والقانون وبرغم ورود اخطاء املائية فيها الا انها عندي اجمل من قصيدة !
تقول التعليمات المطبوعة في التذكرة:
سعرة التذكرة (500) دينار
(عزيزي الراكب:
حتى لاتتعرض للمسائلة (المساءلة) الرجاء الاحتفاض (الاحتفاظ) بالتذكرة حتى نهاية الرحلة .
يرجى الامتناع عن التدخين .
عدم رمي النفايات .
الحافلة وجدت لخدمتك فحافظ عليها).
اعطتني الحافلة شعوراً اني مسافر عبر الزمن فعدت الى زمن الفتوة زمن السبعينيات ومما زادني سروراً ان ستائر الحافلة يسمح بانزالها وليس كما هو معمول مع ستائر السيارات الاخرى بدواعٍ امنية .
اضطررت الى نقطة نظام اقطع بها الصمت الجميل فسألت الجابي:
منذ متى بدأت رحلاتكم؟
قال: منذ يومين
قلت: وهل تعملون على الخط نفسه؟
التفت الى السائق وسأله هذا السؤال فاجاب السائق:
بعد وصولنا الى ساحة النصر ستكون رحلتي الى باب المعظم .
اذن هو خط متغير تحت التجريب .
قلت وقد رأيت راكباً فرحاً يتنقل بين المقاعد رغبة في التمتع بالتبريد اكثر : لقد اعادنا هذا الباص الى السبعينيات والى زمن الحضارة والى شعورنا بالانسانية!
ومرت خاطرة في نفسي : لاينقص سعادتي سوى صعود المفتش!
حين هممت بالنزول لم انس ان ادعو للسائق وللجابي بالسلامة على هذه المسرة التي لايشعر بها ركاب السيارات الفخمة المظللة والمكشوفة!