اين تذهب قيمة الضرائب..؟
سأُقلعُ عن التدخين، لأنني باختصار لستُ بنك الدولة
رام الله - كتب اسعد علاء الصفطاوي -أكرهُ أنا شخصياً تلكَ المقالات التي تتحدث عن مأساتنا في غزة، لأنني مواطن فلسطيني يرى كلَّ شيء بأُمِّ عينِهْ، ولستُ بحاجةِ أحدِهمْ، ليحدثني عنْ معاناتي، فأنا أدرى بها.
هنا أنا لستُ أتحدّثُ باسم شعبٍ، أو باسمِ قضيّة، ولا أتحدّثُ عن حصارٍ يفرضُه الاحتلالْ، أو هيمنةٍ لدولٍ عربيّة، أنا هنا لأروي جريمة تُرتكبْ بحق فئران تجارب غزة.
مواطنٌ عادي جداً تجاوزَ الأربعينَ من عمرِهِ، يجلسُ على الطاولةِ الموازية لطاولتي في مقهى الكروان بغزة، يُمسكُ بأرجيلتِه، وتبدو عليهِ علاماتُ السخط، للناظرِ إليهِ يشعرُ بأنّهُ يحلقُ ذقنهُ مرةً كلَّ أسبوعين، ولا يُنظّفُ حذاءه، تحدّثْ لآخرٍ: بدّي أبطّل السجاير بعد 24 سنة من التدخين، لأنّي مش بنك الدولة.
اتسعتْ حدقة عيني وأنا أنظرُ إليهِ مصدوماً، لا لشيء سوى للمرحلة التي وصلنا إليها.علبة السجائرِ. التي كان يشتريها المواطن العادي بخمسة شواكل، بعد فرض الضرائب أصْبحت بثمانية شواكل، أيّ إنَّ هناكَ ثلاثة شواكل هي قيمة الضريبة على علبة السجائر الواحدة.
السؤال: أينَ تذهبْ قيمة هذهِ الضرائب؟!.
حكومة حماس غزة، تعاني في الفترة الحالية من عجزِ مالي رهيب، ما يزيدُ أعباءها الماليّة، ويؤدّي إلى عدم قدرتها على دفع رواتب موظّفيها، وسد التزاماتها كحكومة لمليون ونصف المليون نسمة في (مردوان غزّة).
ولسد هذا العجز المالي، بدأتْ مصلحة الضرائب بالعمل، لم يبقَ هناكَ شيء إلّا وقد فُرضتْ عليهِ الضرائب، حتى المولّد الكهربائي هناك ضريبة لهُ تُسمّى ضريبة ازعاج!.
على سائق التاكسي أن يحذرَ جيّداً أثناء قيادة سيارتِه؛ فأيُ مخالفة صغيرة جداً قدْ تُكلّفكَ مائتي شيكل لاستعادة سيارتِكَ. ستبدو غزة بعد فترة من الزمن إحدى ضواحي الولايات المتحدّة، بفعل قوانين السير النظاميّة.
إلى مواطني غزّة، وخاصة من يشربونَ الشايَ كثيراً، احتفظ وخزّن في بيتِكَ شاياً بكثرة، خوفاً من ضريبة قدْ تُفرض على كأس شاي صباحيّ. لا عليكم فغيركم يجبُ أن يشرب!.
أحد سائقي التاكسي تحدّثَ إليّ بسخط شديد ممّا يجري؛ فقال: أحد أفراد شرطة المرور أوقفني، بعدَ أن تجاوزتُ الإشارة الصفراء! طلب رُخص السيّارة، من ربكتي بوجوده أخرجتُ لهُ كرتَ التموين بدلاً من رخصة القيادة، نظرَ إليهِ بتمعّن، قلّبهُ بينَ يديه، ثمَ طلبَ منّي المغادرة قائلاً: لولا انك مرخّص ومؤمّن وإلّا سحبتلك السيّارة. شكراً شرطة مرور غزة.
غزة بسكّانها جميعاً، تعرفُ جيّداً وتُقدّر أن الضريبة شيء يجب التعاطي معهُ كشيء طبيعي يحدث عندَ أيّ نظام حكومي في العالم، ولكن أن تكونَ الضريبة شيئا معقولا، بنسبة معيّنة، لا أن تكونَ اجراميّة كما يحدث في قضيّة الدخّان وقضية مولّدات الكهرباء، وقضيّة لتر البنزين وما إلى ذلك.
حقّاً نحنُ فئرانُ تجارب
هذا ما قالهُ الفتى محمد البالغ من العمر 15 ربيعاً، هذا الفتى لم يرَ في حياته الكثير، ولكنّهُ استطاعَ أن يعيش ويرى ما يحدث من أربع سنوات وحتّى الآن، ويحكم حكمه الخاص.بعدَ أن فكّرتُ في كلامِهِ، خطرَ ببالي كلَّ شيء، كلَّ شيء يحدثُ في هذهِ المدينة الغبيّة بوجهة نظر محمد!.استطعنا أن نتجاوز مرحلة الاقتتال الداخلي الذي سحقَ كلَ شيء طيب في غزة.
واستطعنا أن نتجاوز حرباً إسرائيلية على غزة، أودت بحياة 1500 شهيد وآلاف من الجرحى، وأرجعتنا عشرينَ سنةً للوراء.واستطعنا أن نتجاوز مرحلة انفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير بكل حذر، على أساس الوقاية!.
واستطعنا أن نتجاوز مرحلة الحصار المفروض على غزة منذ أربع سنوات وحتى الآن، بتأقلمنا مع الوضع الحالي، حتى لو كان بصعوبة، إلّا أننا نتأقلمُ شيئاً فشيئاً.
ولكن أن نُحاصرَ حصارين! إلى هنا يكفي. نحنُ بقعة لا نُشكّلُ شيئاً في صراع الدول، ولا حتى نستطيع أنْ نرى غزة على خريطة العالم سوى بعدسةٍ مكبّرة جدًا، ولكننا نحملُ من المأساة ما يُرغمنا على الموتِ أحياءً، ولا أشكُ أن منحى الاقتصاد العالمي يتغيّر بفضلِ أنفاقنا العتيدة.
غزة تخلو من الحب، وتخلو من الحديث غيرِ السياسي، غزة تخلو من رابطة الاخوّة، ولسنا نرغبُ بتربية لحانا أكثر، غزة ما عادت تُحبُ تربية اللحى، فقد أصبح كالشوكِ عندَ التقبيل.
أنا كمواطن لا أرغبُ بعد الآن بأيِّ شيء، سوى أن تُبلغونا بالشيء الذي ستفرضونَ عليهِ ضريبة يا أيتها الحكومة المحترمة قبلها، لكيّ أُخزّنَ مِنْهُ، حتى لو كانَ حفّاضاتْ لأخي الصغير.
التعليقات (0)