مواضيع اليوم

الوسيلة فى ذم القبيلة

انور محمد

2009-08-15 08:25:56

0

 

                       الوسيلة فى ذم القبيلة
أمرتهمُ أمْري بمنعرج اللوى 
                            فلم يستبينوا النصح إلا ضُحى الغد
وما أنا إلا من غُزيّة إن غوتْ 
                            غويتُ ،  وإن ترشدْ غُزية    أرشُد
 احتارت صغيرتى في أمرها كأن لديها سؤالا ليس له إجابة فقلت : سلينى ما شئت ؟ فقالت ، وهى تعتقد أن ما لديها لن يجد جوابا : ما الفارق بيننا وبين الغرب ، ولماذا بعدت المسافة بيننا فى العلم والتقدم بهذا الشكل وطالما حدثتمونا عن تقدم المسلمين الأوائل وأن الشرق كان أكثر تقدما من الغرب ، ما الذى حدث ؟ فقلت : لقد سألت عن عظيم ، إنه تاريخ أمم وشعوب وتاريخ تقاليد عريقة استمرت عبر التاريخ لن تكون الإجابة عليه فى مقال أو اثنين ، ولكنى سأتحدث إليك عن نقطة واحدة عليها المعول الأكبر فى ذلك التغيير الذى تشاهدينه الآن ؛ هي العصبية القبلية .
  ببساطة شديدة وقولا واحدا ، لقد استطاع الغرب التخلص من العصبية القبلية ، ولم نستطع حتى الآن التخلص منها ، هذا هو بيت القصيد ، فليس خفيا عنك أن البشرية بدأت بنظام العائلة والتى كبرت فنشأ معها نظام القبيلة ، وكان لظهور النظام القبلى فوائد عظيمة فى تطوير الفكر البشرى وتوسيع مداركة وتغير سلوكه ، ولعل فريدريك انجلس قد أسهب فى تصوراته عن نظام العائلة وتطوره ، وليس ذلك بحديثنا الآن ، لكن التطور البشرى والحضارى كان يستتبع ذلك ، ثم كان تغير نظام القبيلة إلى نظام الدولة ، وهو تطور كبير فى السلوك البشرى والاجتماعي والحضارى ، وهذه المرحلة التى كانت بين القبيلة والدولة جعلت ابن خلدون فى مقدمته يتحدث عن الدولة كأنها إنسان ، تجرى عليها ما يجرى على البشر من مراحل الشباب والقوة ثم الضعف ، وهي حقيقة لا شك فيها ، لكنها تمثل فى ذهن المفكر المعاصر لتلك الفترة عدم التحرر من القبلية وعدم الوصول لنظام الدولة الكاملة وذلك أمر طبيعى فى ذلك الوقت .
  الشرق والغرب سواء فى ذلك ، كلاهما بدأ بالعائلة ثم القبيلة ، حتى جاء العصر الحديث فى أوربا فى القرن السادس عشر الميلادى ، وهو ما يعرف بعصر النهضة تلك الفترة التى حدث فيها التغير الأكبر فى الفكر الغربى حيث استطاع التخلص من فكرة القبيلة والدخول فى نظام الدولة ، وطبيعى أن تكون هناك فترة انتقالية كبيرة ، ولكنها فى عمر الأمم والشعوب لا تحسب بالسنوات ولكن بالعقود والقرون ، حتى استطاعت التخلص نهائيا من فكرة القبيلة والاندماج الكامل فى فكرة الدولة .
  نحن هنا لا نعدد مساوئ ومحاسن نظام العائلة أو القبيلة أو الدولة ولا شك أن كل نظام له كلا الوجهين ، ولكننا نزعم أن التطور الطبيعى يوجب تطور النظام الذى يتحرك به الفكر والسلوك ، ونحن نجد منا اليوم من لا يزال يتحدث عن المواطنة وهذا ما لا نسمعه لدى غيرنا ، مما يعنى أننا لا نزال غارقين فى النظام القبلى ، ولم نستطع الخروج منه ، إن السلبيات التى نراها فى فكرنا المعاصر مرجعها الأصلى لعدم التحرر من العصبية القبلية ، فنحن ندور فى فلك القبيلة بمعتقداتها وعاداتها فى كل شيء ، والعجيب أن هذا الفكر قد نهى عنه الشارع الحكيم نصا ، فلم يترك مجالا للنقاش حوله ، وقال صلى الله عليه وسلم عنها : دعوها فإنها منتنة ، وفى رواية : مذمومة .
إننى أسوق ذلك لمن يتحدث عن الشرع والإسلام ، أقول إن الإسلام هو الذى طالب بتطور النظام من القبيلة إلى الدولة ، لأن ذلك هو التطور الطبيعى الذى يطور الفكر والعقل البشرى ويساعده على النهوض من أجل عمارة الأرض ، وهى كما قلت من قبل الغرض الأصلى لوجود الإنسان على الأرض ، وهي المقصودة بالعبادة الحقيقية ، فالعبادة الحقيقية هى أن تسير الأرض كلها بالعدل والحق وهي معايير الإسلام الأولى ، والبعد عن الفساد ، كما ظنت الملائكة ، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ، لكن الله عز وجل قال : إنى أعلم ما لا تعلمون ، فحكمته عز وجل أن الإنسان قادر بعقله وفكره على عمارة الأرض وخلافته عليها .
كل ما نراه اليوم من سلبيات فكرية تعوق النهوض فى بلادنا مرده للفكر القبلى ، ولن تنهض الأمة إلا بعد التخلص من هذه الدائرة التى نعيش فيها ، فالقبيلة تعوق الإنسان عن التطور والخروج عن أفكار عشيرته وقبيلته ، تجعله يرى الصلاح فى تقليد والده وجده ، أما إذا حاول التغيير فهو فى ذلك فاسد خارج عن التقاليد وهذا مانع خطير للتقدم والتجديد ، أضيفى لذلك الكثير من السلبيات التى نعانى منها مردها لذلك الحديث الممقوت عن الفكر القبلى ، سمعنا كثيرا كلمة السلفيين حتى استقر فى ذهن الناس أن السلفى لابد أن تكون لحيته طويلة وثوبه قصير ولابد أن يلبس الخمار حتى تكتمل سلفيته وتابعيته ، أما عن المرأة فحدث ولا حرج ، دوامة من الشكليات التى هى من فكر القبيلة وليس من فهم الدين .
إن كل هذه فضلا عن أنها شكليات لا فائدة من ورائها لكنها نتاج القبيلة وليس الدين ، فالتعصب القبلى هو الذى زرعها فى عقول المجتمع ، فصارت تعوق الفكر أكثر ما تعوق الحركة ، ومن العجيب أنها توجه على الهوى ، وتُسخّّر من قبل السياسة ، إن الفكر الغربى تحرر من القبيلة ومضى بنظام الدولة ، ونحن لازلنا نناقش ذلك وهذا من العجب ، فالسلفيون الحقيقيون هم من طالبوا بنبذ القبيلة والسعى للدولة الكاملة القائمة على المساواة والعدل والتعاون بين جميع أفراد الأمة حتى غير المسلمين منهم ، واعتقد أن الغربيين عندما يسمعون كلامى هذا سيتعجبون منه .
أن الفرد القبلى كان يرى القبيلة هي كل شيء حتى لو فسدت فلابد أن يفسد معها لأنها كل شيء بالنسبة له تماما كهؤلاء الذين نراهم فى العديد من الفضائيات وكأني بهم يرددون قول الشاعر الذى نصح قومه ، فلما لم يسمعوا نصحه ضلوا ، فلم يجد بدا إلا أن يضل معهم رغم علمه بطريق النجاة :
أمرتهم   أمرى بمنعرج اللوى    فلم يستبينوا  النصح     إلا ضحى الغد
وما أنا إلا من غزية إن غوت   غويت، وإن ترشد غزية أرشد
                         والله من وراء القصد 
                                      بقلم :
                           
أنور محمد أنور




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !