مواضيع اليوم

الناقد والروائي علي الشدوي- حوار

هلا الجهني

2012-06-26 01:34:53

0

الروائي علي الشدوي

--------------------------------------------------------------------------------

 

قال إنه محكوم في الكتابة بـ «إمبريالية» الرواية...

الحياة - هلا الجهني   

يخوض الناقد علي الشدوي في عالم الرواية ويصدر عمله الثاني، المعنون بـ «حياة السيد كاف» عن دار طوى. والرواية تختلف عن الأولى، لجهة الذهاب بعيداً في مسألة التجريب، لكنها تختلف بنأيها عن الحميمية التي طالعناها في «سماء فوق أفريقيا». يرى الشدوي في حوار مع «الحياة» أن مفاهيم «التقليدية» و«الحداثية» لا تحدد بدقة الروايات، وأن المفهوم الأقرب إلى الرواية هو مفهوم «التجريب». في هذا الحوار يتحدث عن تجربته الروائية، عن كتبه النقدية. فإلى نص الحوار.

> في «حياة السيد كاف»، روايتك الثانية التي صدرت أخيراً، مرة أخرى تخرج برواية تتصالح مع تقاليد الرواية، بما فيها الحداثية، وتتمرد عليها في آن، الأستاذ علي لماذا لا تواصل تجربتك في شكل مستقر؟

> من حيث المبدأ مفهوم الرواية مفهوم «سيئ التحديد». أعني أن سمات الرواية وقواعدها المحددة قد لا تكون واضحة على الإطلاق؛ فتعريفاتها تتعدد بتعدد الروايات. ما الحل إذن؟ تحدد الرواية (تعرف) من خلال الأمثلة، نقول: رواية «مائة عام من العزلة» أو رواية «الرجل الذي لا صفات له» أو رواية «دونكيشوت» أو رواية «العطر»... إلخ. إنني حينما أستخدم هنا (الخ) التي تعني (إلى آخره) فهذا يعني إمكان تكوين قائمة طويلة من الروايات التي لا تشبه بعضها بعضا كالروايات التي ذكرتها، وبالتالي فمفاهيم «التقليدية» و«الحداثية» مثلما هي الأفعال «تتصالح» و«تتمرد» لا تحدد بدقة الروايات، ربما كان المفهوم الأقرب إلى الرواية هو مفهوم «التجريب». هذه قناعتي لذلك كان من المستحيل أن أواصل تجربتي في كتابة الرواية في شكل ثابت، ومن هنا يمكن النظر إلى رواية «حياة السيد كاف»، وأن تقرأ في إطار التجريب، ولا أتصور أن قارئاً يمكن أن يستمتع وهو يقرؤها بعيداً عن هذا المفهوم.

> لاحظنا أن البنية السردية في روايتك أخذت أكثر من شكل كالمقالات والقصص القصيرة، هل تجيد اللعب الفني إلى هذا الحد؟
ـ لا أعتقد أنه مجرد لعب وحسب، على رغم أن اللعب يحترم قوانينه أفضل من الجد. الأمر كما أعتقد متعلق بإمبريالية الرواية. من الدراسات البديعة التي ألقيت في «ملتقى الباحة» عن الرواية دراسة للدكتور محمد قاضي عنوانها «هل الرواية امبريالية؟». فمن منظور تاريخ الأنواع كانت الرواية تنمو ضمن الفضاءات المتروكة حرة من طرف الفنون الأخرى، وقد مر وقت طويل قبل أن يُفهم أن هذا التطور الهامشي و«المعزول» هو الذي يعطي الرواية أصالتها، وأنها كانت تستمد قوانينها من تلك الحرية الظاهرية: فهي نوع يوجد في وسط الأنواع، وقواعدها هي نفسها تلك التي كانت ترفض الأنواع الأخرى تطبيقها على نفسها، لكن الرواية لم تقف عند ذلك الحد بل التفتت إلى الفنون الأخرى وضمتها إليها بشروطها هي، وبالتالي فهي «إمبريالية» من هذا المنظور.

> في رواية «سماء فوق أفريقيا» يعيش القارئ حميمية وتأملات شفيفة، للذات وللآخر، تلك الرواية التي كانت رحلة باتجاه الذات قبل أن تكون سفراً جغرافياً. في روايتك الجديدة يفتقد القارئ إلى تلك الأجواء فثمة ذهنية وتعالم من خلال أسماء عربية ودولية طالعناها هل يحق لي أن أسأل ما المبرر الفني لذلك؟

ذاكرتنا ريفية

- فيما لو أخذنا هذه الذهنية في إطار ثيمة الرواية فستجد مبررها. الرواية تستند إلى أن تطور العقل الإنساني كان بسبب إغراء الأنثى. تغري الأنثى الرجل من دون أن تنفذ وعدها فيحوك الحيل حتى يحصل عليها، وتبدأ هي في حيل جديدة، ويبدأ هو في حيل أخرى، وبهذه الكيفية تطور العقل الإنساني. إن لهذه الثيمة علاقة بـ «الثقافة» فهي تتحول إلى أن تكون فخاً تقع فيه الأنثى، وليس بعيداً عن ذاكرتي ما ورد في رواية الأبله. «إنك لا تستطيع أن تتخيل الألاعيب التي يمكن أن تدفع إليها الكبرياء. إن هذه المرأة تعدني وغداً؛ لأنني على علمي بأنها خليلة رجل آخر، أرضى أن أتزوجها في سبيل المال صراحة. ولكنها لا يخطر ببالها أن شخصاً آخر يمكن أن يخدعها بطريقة أدنأ؛ كأن يأخذ يحدثها مفيضاً عن الأفكار الليبرالية، والآراء التقدمية، وتحرير المرأة، وما إلى ذلك؛ ليجرها بعد ذلك كالخيط عبر ثقب إبرة». (يخدعها بطريقة أدنأ). هذه الجملة هي التي توضح علاقة الأنثى بتطور دماغ الإنسان، وقد فهمت الأمر على هذا النحو: إغراء الأنثى هو الذي لعب دوراً حاسماً في ظهور أبرز سمات الإنسانية وهو العقل.

> القصص التي تبثها في روايتك، تتميز بملمح ريفي بسيط، وشخصيات أقرب إلى القروية، كيف تمكنت من مصالحتها مع أفق حداثي بامتياز؟
- من حيث المبدأ نحن ذاكرتنا ريفية تقريباً؛ لذلك فنحن نحب كل ما نجد فيه من الريف. نحب أن نقرأ «محمود درويش» ونحب أن نستمع إلى «فيروز». إن المعجم اللغوي لهذين (شاعر ومطربة) يجد تكوينه في الريف. الدكتور معجب الزهراني في ما أتذكر قارب محمود درويش من هذا المنظور، وربما نحتاج إلى أن تقارب فيروز من آخرين. لا يمكنني وأنا الذي عشت في الريف أن يخلو ما أكتبه من ذلك. مهما يكن فسيظهر أثر ذلك وكما يقول إدوارد سعيد فالرواية بمعنى ما هي عمل فردي لكاتب منشبك في ظروف يسلم بها الجميع، مثل سنوات العيش والإقامة والجنسية والمحلة واللغة والأصدقاء وهلم جرا.

> حس فلسفي موجود في رواية «حياة السيد كاف» لكن يرى البعض بأنك تشترك مع باموق وقبله مع كافكا، وسواهما، ما رأيك؟
- أن يكون حساً فلسفياً مميزاً فهذا ما يسعدني، لكنني أقلق كثيراً من وجود مثل هذا الحس الفلسفي ما لم يكن يخدم الشخصيات في تكوين رؤيتها للكون والحياة، وإلا سيكون الأمر أقرب إلى القول: «إذا فشل الإنسان يتفلسف». ما أقصده من خدمة الحس الفلسفي أن يكون للشخصية الروائية ما يسميه لوكاش في دراسة بديعة له بـ «السيمياء الفكرية للشخصيات الفنية». أو ما يسميه ماركس «أبواق روح الزمن». إن ما تعاني منه الرواية السعودية هو غياب هذه السمة. أي انمحاء السيمياء الفكرية لشخصياتها، في إهمالها أو عجز الروائيين عن عرض مثل هذه المسألة وحلها فنياً، حتى روائيينا الكبار كعبده خال ورجاء عالم وتركي الحمد وغازي القصيبي وغيرهم لا نجد لديهم أية شخصية مميزة من هذا الجانب. إنهم يهملون العنصر الأهم، لأن الشخصيات الروائية الخالدة التي نعرفها الآن هي «السيمياء الفكرية» لهذه الشخصيات.

أزمة المتلقي التقليدي

> روايتك الجديدة قد يجدها القارئ أقرب للكتاب منها للرواية، كتاب تترك مهمة تصنيفه للقارئ، وهذا يقودنا إلى سؤال التجريب الروائي في السعودية، لا نقصد التجريب الذي درج عليه معظم الكتاب هنا، اللغة الشعرية، التقطيع، الفلاش باك، وما إلى ذلك، لكن التجريب في بعده العميق والإشكالي، التجريب الذي يجعلنا على التخوم، قريبين من كل الأجناس، لكننا بعيدين عنها أيضاً، ماذا تقول؟
- معك حق، فالتجريب الروائي انصرف إلى ما قلته. الكاتب الكبير همنغواي يسمي مثل اللغة التي تكتب بها معظم رواياتنا بـ (كلمات - الألف دولار). على كل حال ففهمي للتجريد يتمحور حول أن التجريد يوقع الثقافة التقليدية والمتلقي التقليدي في أزمة. إنه اقتراح جديد جماهير القراء غير مستعدين لأن يفهموه أو أن يتقبلوه أو أن يستوعبوه بسهولة. ومثل هذا الفهم بعيد تقريباً عن تصورات الكتاب الروائيين.

> الرواية في جانب مهم منها، عن الـ «هو» والـ «هي» إلى أي حد يمكن للكاتب أن يختصر العلاقات الإنسانية الكبرى والمعقدة في هذه العلاقة الثنائية؟
- في إطار رواية «حياة السيد كاف» تجد هذه العلاقة بين «هو» و «هي» في فكرة بدأت بعبث أن يستدرج «كـ» امرأة بكتابة القصص، وبفكرة تطور العقل الإنساني التي بدأت على شكل صبية لعوب. لم تلبث أن كبرت الفكرة؛ لتتحول إلى مسخ مخيف، ودخلت الفكرة إلى جسده، وتحولت إلى كائن طفيلي مرعب. مرة أخرى فالعلاقة بين «هو» و «هي» تنشأ من فخ اسمه الثقافة ينصب للأنثى لكي تقع فيه. هذا ما كنت أفكر فيه وشغلني على امتداد الرواية، وربما أفضل ما أعبر به هو قول الفيلسوف الفرنسي دولوز: «هذا هو بالضبط ما كان يشغلني، لكني لست أدري إن أحسنت التعبير عنه. أو كنت مقتنعاً بما يكفي».

> لم يعط البعض، بخاصة من الروائيين، تجربتك الروائية حقها وقابلها البعض بعدم اكتراث، أما النقاد فبعضهم وجدوا أن اتجاهك للرواية خسارة فادحة للساحة النقدية، ما رأيك؟
- أتصور أن هذا كان في مصلحتي. أن أكتب بهدوء ومن غير ضجة، أن أجرب وأنوع زوايا النظر. أحد الأصدقاء الروائيين، وعلى رغم إعجابه برواية «حياة السيد كاف» قال: «من المستحيل أن أنشرها».
ومن جهة أخرى أنا لا أكتب من أجل أن أقنع الآخرين بأنني كاتب مميز. أعرف قدراتي، وأحاول أن أتحرك في إطارها من غير أن أتحمل ما لا أستطيع تحمله. أؤمن بأنني لن أغيّر وجه الكتابة، وهذا يريحني كثيراً أثناء الكتابة، وحتى في إطار النقد أنا لست ناقداً محترفاً. أكتب ما أحب الكتابة عنه، لذلك تجدينني دائم الترحال بين القديم والجديد. يمكنك أن تقولي إنني قارئ أكثر من أني كاتب. لست خسارة للنقد، ولست خسارة للرواية، لا لشيء إلا لأن عندي مقياساً للكتب العظيمة النقدية والإبداعية لا ينطبق على ما أكتبه. مقياس بسيط للغاية هو: ماذا لو تصورنا أن رواية مثل «دونكيشوت» لم تكتب؟ ألا نشعر بالخسارة. بالتأكيد. أو كتاب مثل «المحاكاة: الواقع كما يصوره أدب الغرب»؟ ألا نشعر بالخسارة؟ بالتأكيد.

الروائيون السعوديون يستخدمون «كلمات - الألف دولار»

في رده على سؤال حول مشكلة الروائيين السعوديين، البارزين منهم الذين يكتبون رواياتهم وكأنهم على عجل، كأنهم لا يعيدون قراءتها، عدد من الروايات التي تخص أسماء أصبحت معروفة، وهي تواصل الكتابة منذ أكثر من عشرين سنة، لا تجد فيها تلك اللغة العالية، قال: «حينما سئل الكاتب الكبير إرنست همنغواي عن الكتابة قال: الكتابة حرفة يمكن أن يتعلمها الإنسان وأن يتقنها بعد أن يكون قد تعلمها جيداً، وأثناء تعلمه الكتابة كان يقرأ الصفحات الرياضية. لماذا؟ يقول لأن لغتها مركزة وواضحة تصوّر ما حدث وليس ما أحس به أو أفكر فيه، كان يعرف صعوبة الكتابة بلغة بسيطة ومتقنة. وهو هنا يقدم درساً للكتاب الذين يكتبون بلغة طنانة. فالصفحات الرياضية تعلم الكتابة لأنها تعرف القارئ بما حدث، وليس من أجل أن تؤثر فيه بلغة بليغة ومنمقة، لا تجهد القارئ بلغة متحذلقة، وتصف الأحداث الرياضية وصفاً مباشراً، وتنقل الخبر من غير أي رطانات بلاغية. وتستبعد من الكلمات ما هو فائض وغير ضروري، وتتجنب كل الكلمات التي تذكّر القارئ بكاتب الخبر أو محلل الحدث الرياضي.
وبعد أن تعلم همنغواي الكتابة وأصبح من كبار كتاب القرن العشرين كتب يقول: «إذا كتب المرء بوضوح وأراد أن يعبّر عن مسألة واضحة، فبإمكان أي إنسان أن يتعرف على الغش والخــداع.
أما إذا كتب بتعقيد فسيطول اكتشاف القارئ لغش الكاتب، والكتاب الآخرون الذين يستخدمون النهج ذاته يثنون على الكاتب ويتخذونه ستاراً لهم، خوفاً من أن يكتشفهم القراء».
هذه بعض من تصورات كاتب كبير عن الكتابة، كاتب سمى الكلمات الكبيرة التي يستخدمها المثقفون والمتعلمون والروائيون بـ «كلمات - الألف دولار».

جريدة الحياة - 17/02/09//
__________________
 http://aljsad.com/forum36/thread139626/

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !