الجعفريّ: منذ 17/12 حتى 24/12 تحركت ثلاثة مفردات تخص العراق اكتسبت أهمية استثنائية واستقطبت الرأي العام، واليوم سنمرُّ بها مُرُوراً سريعاً بهذه الأحداث الثلاثة: كان الحدث الأوَّل اجتماعات نيويورك في 17-18 من هذا الشهر، وتناول ملفّ الأزمة السوريّة.
كنا على موعد منذ افترقنا في فيينا، فيما كنا على موعد أن نلتقي في نيويورك لمُناقشة الملفِّ السوريِّ، وقد اشترك العراق في مُناقشته، وأكـَّد في هذا الملفِّ قناعته الراسخة، وهي: ضرورة اعتماد الحلِّ السلميِّ، ووضع حدٍّ للخسائر، والمآسي، والمشاكل التي يتعرَّض لها الشعب السوريّ كخاسر وحيد؛ إذ إنـَّه اليوم بين مطرقة القوات المُسلـَّحة وبين سندان الدواعش، وقبلهم القاعدة، فأصرَّ العراق على هذا الفهم.
أشعر أنَّ الأجواء بدأت تقترب إلى حدٍّ كبير من مسألة اللجوء إلى الحلِّ السلميِّ، والحلِّ السياسيِّ بعد أن نـُوقِشت الكثير من الأمور المُتعلـِّقة، وألقِيَ الضوء على ضرورة التأكيد على توسعة دائرة المُشارَكة للمُعارَضة السياسيّة السوريّة جاء قرار 2254، وأخذ بنظر الاعتبار اعتماد هذه السياسة، ونتمنى أن يشقَّ الحلُّ السياسيُّ طريقه إلى التنفيذ.
رُسِمت خارطة أولـيّة لطريقة التعامُل مع هذا الملفِّ، وكانت هناك وجهات نظر مُتعدِّدة، ومُتباينة، ومُتقاطِعة في بعض الأحيان، لكنَّ مُحصِّلة، ومُجمَل حركة القناعات تبلورت على شكل قرار، وشقَّ طريقه إلى النور، وهو 2254 القاضي باعتماد الحلِّ السياسيِّ.
الملفّ الثاني الذي تحرَّكت هو مسألة الملفِّ التركيِّ.
فـُوجـِئنا في 3 كانون الأوَّل بدخول القوات التركـيّة إلى الأراضي العراقـيّة، وقد بدأت الخارجيّة العراقـيّة حراكاً من خلال الحوار الثنائيّ مع تركيا هاتفيّاً، ومُقابَلات مُستمِرّة، ورُبَّما أشرتُ إليها في مُؤتمَرات سابقة وقد تكون حاضرة الآن في أذهانكم، وعندما لم ننتهِ مع الإخوة الأتراك إلى حلٍّ تحرَّكنا في الوقت ذاته بالاتصالات الهاتفـيّة مع وزراء الخارجيّة العرب، واتصلنا -أيضاً- بوزراء خارجيّة الدول دائمة العضويّة في مجلس الأمن، واستضفنا في وزارة الخارجيّة سفراء فرنسا، بريطانيا، وأميركا، وروسيا، والصين، وخرجنا بثلاث توصيات تلوتها عليهم شاكراً لهم جُهُودهم، وشاكرا لهم مُطابَـقتهم لقناعتنا، قلتُ لهم بالحرف الواحد: نشكركم على أنكم تتفقون معنا على أنَّ هذا التدخـُّل يُشكـِّل انتهاكاً لسيادة العراق، واستنكرتموه بالإجماع، والنقطة الثانية: العمل على سحب هذه القوات من الأرض العراقـيّة، والثالثة: التعاون معنا في مجلس الأمن.
باشرت بالاتصال مع وزراء خارجيّة دول دائمة العضويّة لأبلغهم بالقرار الوطنيِّ العراقيِّ، وخارطة حركة العراق في مثل هذه الحالة، وفي الوقت نفسه لم نقطع الحوار مع الإخوة الأتراك. طلبوا زيارة العراق، وجاء الوفد إلى هنا، وأعطانا وعداً بأنَّ الموافقة الأوَّلـيّة حصلت على سحب القوات. قلنا لهم: أعلنوا عن سحب قواتكم من الأراضي العراقـيّة. أعطوا موافقة مبدئيّة، لكنهم قالوا: سنعود إلى أنقرة، ومن هناك نـُعلِن الموافقة النهائـيّة، ولكننا فـُوجئنا بأن تركيا لا تنوي سحب القوات بتعابير مُختلِفة مفادها واحد، هو: لا نيّة جادّة لسحب القوات التركـيّة. يتعلـَّلون بإعادة انتشار، وعدم إرسال قوات إضافيّة، ونحن نحمي بعض أجوائنا... تعدَّدت هذه المُبرِّرات.
الثابت والواضح هو وجود قوات عسكريّة على شكل مُعسكـَر لأيِّ دولة من الدول نعدُّه انتهاكاً لسيادة العراق؛ لذا رفضنا، وعبرنا -أيضاً- إلى مجلس الأمن، وفي مجلس الأمن كانت هناك مُحاوَلات للحوار الثنائيِّ، ولكننا اشترطنا أن يصدر عن تركيا موقف مُحدَّد بسحب القوات؛ حتى لا يُغلـَق علينا الطريق أمام مجلس الأمن خـُصُوصاً أننا حدَّدنا يوم 25 اجتماع طلبه العراق يطرح قضيَّـته، وملفـَّه في العلاقات العراقـيّة-التركـيّة على ضوء هذه التطوُّرات، وانتهاك السيادة هناك.
ومرَّة أخرى وَرَدَ مصطلح من قِبـَل الإخوة الترك أنه نعِدُكم بـ(إعادة الانتشار).
نحن اعتبرنا إعادة الانتشار اعترافاً ضمنيّاً بوُجُودها على الأرض العراقـيّة. وإعادة الانتشار تعني سحبها من أرض، وترحيلها إلى أرض أخرى. السيادة واحدة، والأرض واحدة، والسماء واحدة. سيادة العراق لا تتجزَّأ؛ لذا قلنا: إعادة الانتشار تعني اعترافاً ضمنيّاً بصِحّة وُجُود قوة أجنبيّة مُعسكِرة على الأرض العراقـيّة، فرفضنا، وكان الوسيط الأميركيّ قال: أحبُّ أن نلتقي لقاءً ثلاثيّاً: وزراء خارجيّة العراق، وتركيا، وأميركا. قلنا: إذا سبق هذا الاجتماع الإعلان عن سحب القوات فلا مانع لدينا. قالوا: يُعيدون الانتشار. قلنا: إعادة الانتشار تعني أنَّ السيادة مُنتهَكة، إلى أن وصلنا إلى عتبة مجلس الأمن كانت المُحاوَلات من طرفهم مُستمِرّة، وكان العراق واقفاً عند فهمه، وحضرنا في مجلس الأمن، وألقيتُ كلمة العراق، واستمعنا إلى كلمة تركيا، وكانت لدينا تحفـُّظات، ومُلاحَظات عليها، ولكن لم يكن يُوجَد مجال للسجال، وللحوار، وبعدها اجتمع مجلس الأمن فور انتهاء الجلسة العلنيّة بجلسة مغلقة، وفهمتُ أنَّ مجلس الأمن يرفض بالإجماع التدخـُّل التركيَّ في الأراضي العراقـيّة، ويعدُّه انتهاكاً للسيادة، ويُطالِب بحلِّ الموضوع، ولكنهم اختلفوا في أنَّ بعضهم كان يرى ضرورة بذل الجُهُود الثنائـيّة، وحلها من خلال الحوار الثنائيِّ.
الحوار الثنائيّ نحن بدأنا به، وما قطعناه، وإلى هذه اللحظة مَن يُريد أن يتحاور معنا فأهلاً وسهلاً -ما تضيق به السُبُل غير الحواريّة يتسع له الحوار- ليس لدينا مُشكِلة في أن نتحاور؛ لذا اختلفنا على هذه النقطة، وانتهينا إلى غير نتيجة، وبعد ذلك حرَّكنا مسألة جامعة الدول العربيّة من خلال التليفونات، فاتصلنا بوزراء الخارجيّة العرب، وأجرينا معهم حواراً، ووضعناهم في أجواء مُحاوَلات العراق، وما بذله من جُهُود، وكان الأخ نبيل العربيّ قد بذل جهداً جيِّداً في جمع السادة الوزراء بوقت رُبَّما كان قياسيّاً، علاوة على أنـَّه سبق أن بعث استنكاراً كأمين عامّ جامعة الدول العربيّة، لكننا أردنا أن تجتمع جامعة الدول العربيّة بسرعة، وتنتهي بقرار، وكذلك كان.
موقف الدول العربيّة كان جيِّداً؛ إذ اجتمعت كلمتهم على شجب التدخـُّل، والمُطالـّبة الفوريّة غير المشروطة بالانسحاب.
العراق هو الذي صاغ البيان، وحدَّد مُفرَداته، والدول العربيّة كلها وافقت على ذلك، وترك أثراً طيِّباً على كلِّ وزراء الخارجيّة، بل على حكوماتها.
أمس أوَّل ما نزلت من الطائرة كان أوَّل حدثني مع الأخ نبيل العربيّ مُهنِّئاً بالانتصارات التي تحققت في الأنبار، وأكـَّد مرّة أخرى أن ما تحقق بالنسبة للعراق يُشكـِّل سابقة بالنسبة له كانت مُفرِحة، وكان سعيداً جدّاً بها.
قد يكون حدث اختلاف في أمور أخرى. بعضهم كان لديه بيان -وهذا حقه نحن لا نستطيع أن نمنعه- يُعرِّف، ويُحدِّد الموقف من القطريِّين الذين اختـُطِفوا على الأرض العراقـيّة. نحن كنا نـُركـِّز على ضرورة عدم تشتيت الموضوعات، بل نـُريد الملفَّ الذي طلبنا من أجله أن يعقد الاجتماع، ولكن يبدو أنَّ السياق في جامعة الدول العربيّة يسمح بذلك؛ لذا ما منعناه، وقلنا لهم: إذا أنتم ترون أنَّ في هذا مصلحة، فيسعكم أن تطرحوه. طرحوه، وأبدينا تفهَّماً له، وليس لدينا أيُّ مُشكِلة. دولة أو دولتان، ورُبَّما ثلاث دول أحبَّت أن تـُوسِّع مسألة الانتهاك إشارة إلى دول عربيّة مُنتهَكة من بعض الدول، ولكننا حاولنا حصر جُهد الجامعة العربيّة بالقرار الذي يجب أن يخرج تجاه العراق باعتبار أننا نحن الذين طلبنا الاجتماع، وعندنا قضيّة مشروعة، وتكرَّر مصطلح: انتهاك السيادة العراقـيّة انتهاك لكلِّ الدول العربيّة. هذا جاء على لسان أكثر من وزير من السادة الوزراء، ولكن صدرت بيانات جانبيّة لم تـُؤثـِّر في مُحتوى القرار.
القرار صدر كما أراده العراق بمُفرَداته المُختلِفة.
إذا عُدنا إلى المحطة الثالثة، وهي ملفّ الكويت.. كانت ابتداءً لقاءات على أعلى المُستويات مع السادة المسؤولين الكويتـيِّين، وكان تفهُّمهم مُمتازاً، وحرصهم على تطوير العلاقات العراقـيّة-الكويتيّة مُمتاز أيضاً.
في ذلك الوقت كنا لم نرحل إلى الجامعة العربيّة، ولكنهم وعدوا، والتزموا بإسناد موقف العراق. موقفهم مُشرِّف، ومُتميِّز، كما كان الكثير من الدول العربيّة في هذا التميُّز أيضاً.
تطرَّقنا إلى ضرورة تطوير العلاقات السياسيّة، والوقوف إلى جانب العراق في مُواجَهة الإرهاب، ودعم الحكومة الكويتيّة لمطالب العراق بعقد مجلس الجامعة العربيّة بخصوص تجاوز القوات، والتزموا بذلك، وكنا على موعد مع اجتماع اللجنة المُشترَكة الخامسة، وصار الاجتماع، ووقـَّعنا ثلاث مُذكـَّرات تفاهم.
وإذا أضفناها إلى المُذكـَّرات السابقة تكون قد بلغت 49 مُذكـَّرة منذ عام 2011 والمفروض أننا على موعد في كانون الأوَّل لعام 2016 للاجتماع هنا في العراق للجنة المُشترَكة، وجرى -أيضاً- الحديث عن تفعيل اتفاقـيّة الملاحة في خور عبدالله، وتعهَّد الكويت بإجراء عملـيّة تنظيف المجرى الملاحيِّ، وإزالة الغوارق، كما جرى الاتفاق على تسهيل منح سمات دخول للعراقـيِّين إلى الكويت؛ لأنه كان فيه تردُّد، وجرى اتفاق على أن تمنح دولة الكويت سمات فيزا للمُواطِنين العراقـيِّين في المُستقـبَل القريب، ووافق الجانب الكويتيّ على تسهيل عملـيّة تفويج الحجاج العراقـيِّين من خلال أراضيه.
تعلمون نحن عندنا سابقة عام 2003 عندما تعرَّض مطار بغداد لتخلخل أمنيّ بشكل مُفاجئ، وصادَف أن أكون مسؤول حملة الحج في ذلك العام انفتحت علينا الكويت، وفتحت أراضيها، ومدينة حجاجها، وعِبر صفوان فوَّجنا ثمانية وعشرين ألفاً وخمسمائة حاجّ من هناك، وكانت قد بعثت رسالة طـيِّبة إلى عُمُوم العراقـيِّين والكويتـيِّين عن حالة التآخي خُصُوصاً أننا في بداية تجربة السقوط، فكانت رسالة مُمتازة عن مسألة التعايش بين المُجتمَعين الكويتيّ والعراقيّ. هذا ما يتعلق بالكويت.
نحن من طرفنا وافقنا على تسهيل الإجراءات الخاصّة بالأسرى، والمفقودين الكويتـيِّين إبَّان احتلال صدام للكويت، ولاتزال مجهولة سواء كان الذين قـُتِلوا، ودُفِنوا في مقابر، ونحن أخبرناهم بأنَّ ظاهرة المقابر الجماعيّة تعرَّض لها العراقـيِّون كذلك، ونحن إلى الآن بدلاً من أن نـُنقـِّب عن النفط نـُنقـِّب عن المقابر الجماعيّة، وعن شهدائنا.. هذه حقيقة، فعمَّ النظام المقبور بضرره وشرِّه على المُجتمَع الكويتيِّ ومجموعة من الشهداء الكويتـيِّين هنا ماتوا كــَمَداً.
الجعفريّ: نحن باشرنا، ولا تـُوجَد لدينا مُشكِلة، أو عقبة في الإجماع العربيِّ. الإجماع العربيّ اتخذ قراراً، وعدَّ سيادة العراق لا تتجزَّأ عن سيادة الدول العربيّة. نحن نـُريد أن نعبر مرّة أخرى إلى مجلس الأمن عبر الإجماع العربيِّ، وأبلغنا الأخ الدكتور نبيل العربيّ بأنه يُبلِغ مجلس الأمن بقرار الجامعة العربيّة؛ حتى نبقى نتحرَّك على أكثر من صعيد، بل أكثر من ذلك ننوي التحرَّك على منظمة التعاون الإسلاميِّ، وأبلغتُ الأخ الدكتور إياد بن مدنيّ عن نيّة العراق، فرحَّب من حيث المبدأ، ونحن مُستمِرّون في استثمار كلِّ الفرص، والتحرُّك على كلِّ المحاور من أجل تحقيق هذا الهدف.
نحن قطعنا أشواطاً، ولكن لم نصل بعدُ إلى الشوط الأخير، وسنبقى نتواصل إلى أن تخرج القوات التركـيّة من الأرض العراقـيّة؛ لأنَّ هذا انتهاك لا مُبرِّر له خُصُوصاً أنَّ العراق لم يكن فقط لا يسمح، بل لا يعلم، وقد فـُوجـِئ في اليوم الثالث من كانون الأوَّل بدخولها.
الجعفريّ: أشرتُ قبل قليل إلى أننا لن نتوقــَّف، وسنستمر بالحراك على مجلس الأمن، ومنظمة التعاون الإسلاميّ. كلُّ الفرص مفتوحة أمامنا، وكلُّ الخيارات مفتوحة أمامنا، وأكبر دليل على حُسن نوايا العراق أنه يُصِرُّ على حفظ سيادته من موقع قوته، وليس من موقع ضعفه، ويُصِرُّ على استخدام أساليب الحوار المُباشِرة، والأساليب السلميّة.
من موقع القوة سنتواصل في هذا الاتجاه.
أمّا ما يتعلق بالمجلس الاستراتيجيِّ فقد أُبلِغنا ببعض الأشياء، ولكن كالعادة عندنا موقف ثابت في السياسة العراقـيّة: نحن لا نـُحاوَر في مُؤخـَّرة الركب. العراق يُحاوَر في مُقدّمة الركب. العراق دولة لها أعماق مُتميِّزة، إضافة إلى عمقها الحضاريِّ، والتاريخيِّ، وعمقها الإسلاميّ، والعربيّ، والعمق الميدانيّ كخط أوَّل في مُواجَهة داعش.. ليس مسموحاً أن يكون العراق مُلحَقاً بالأخير، وليس من عُقدة التبرُّم، ولكن من وحي الواقعيّة. وددنا أن تكون في هذه القضايا حوارات معنا بشكل مُباشِر، ولكن في وقت مُبكـِّر.
الجعفريّ: أؤيِّد ما نقلته عني أنه لا يُوجَد في تاريخ العراق اتفاقـيّة عسكريّة بين العراق وتركيا.
في 1983 كان هناك محضر اجتماع لا اتفاقـيّة، ولا مُذكـَّرة تفاهم، وكان مُحدَّداً بزمن 72 ساعة، وبمكان في كردستان، وانتهى كلُّ شيء في وقته، ومع ذلك اتخذ مجلس النواب في 2009 قراراً بإلغاء أيِّ اتفاق عسكريٍّ بين العراق وتركيا.
هذا الأمر مردود، أمَّا أن يكونوا أخبروا فلاناً، أو فلاناً فالأخ رئيس الوزراء لم يُخبـِرنا، وأمر كهذا على أعلى درجة من الأهمّـيّة، ونحن إذا فتحنا المجال لأيِّ قوة عسكريّة تأتي إلى العراق، وتـُنشِئ مُعسكـَراً سنجعل العراق بوَّابة لدخول أفواج من هنا وهناك.
نحن نتعامل مع جميع الدول بمعيار واحد، ولم ولن نسمح بوجود قوات عسكريّة تأخذ شكل معسكر من دون إذن، وحاجة عراقـيّة. هذا ثابت لدينا، وأيّ حديث عن وجود طلب عراقيّ فهو غير صحيح، وأنا من باب الاطمئنان جرى حديث بيني وبين بعض الإخوة الذي أشيرَ إلى أسمائهم، وقد نفوا بضرس قاطع بأن هذا لم يحصل.
الجعفريّ: عندما تـُنتهَك السيادة لا يُوجَد سقف للتحرَّك؛ حتى تـُسترجَع السيادة.
ماذا يأتي في بالك قد يحدث.
مَن الذي أنهى الموضوع في الأنبار؟
الشعب قاتـَلَ، وأعطى رجالاً يُقاتِلون، وثقافة مُجتمَعيّة إذ المرأة تنسجم مع الرجل، والأمُّ تنسجم مع أولادها، والزوجة تنسجم مع زوجها، ويندفع جميعهم إلى المعركة. هذا هو العراق..
كلُّ مَن يُفكـَّر أن يكسر إرادة العراق فهو واهِمٌ، كما أننا لا نـُريد أن نكسر إرادة الآخرين. العراق بلد له تاريخه، وسيادته، وطـَلـَبُنا مشروع.. أكبر دليل على ذلك هو الإجماع العربيّ الذي حصل لأوَّل مرة.. لا تفكروا أنَّ القوات المُسلـَّحة العراقـيّة ضعيفة، وغير قادرة فبالأمس أعطت درساً حين احتدمت القضيّة على الأرض، وكانت دليلاً على أنَّ القوات المُسلـَّحة العراقـيّة قادرة على أن تصنع شيئاً على الأرض، وقد حصل هذا الشيء على الأرض. فلن نبدأ، بل سنستنفد كلَّ الأساليب السلميّة، والحوارات من أجل أن نتحاشى الأزمات. نحن لسنا طلاب أزمة. نحن طلاب حقّ، ولكنَّ إذا لم يكن إلا الأسنة مركب فما حيلة المضطرّ إلا رُكـُوبها
إذا لم يكن هناك غير هذا الحلّ سنعتمده، وإذا فـُرِضَ علينا القتال للدفاع عن سيادتنا، وإنساننا، وثرواتنا نضطرّ إلى ذلك، وشعبنا لديه مُقوِّمات لأن يُقاوم، ولكننا نحرص أشدَّ الحرص على إبقاء العلاقات مع الجارة تركيا كجزء من سياستنا مع كلِّ دول الجوار، وعُمُوم دول العالم، ونحن بدأنا رحلتنا بتقوية هذه العلاقات منذ 2003، وعزَّزتها عام 2004 في زيارات مُتبادَلة، ومازلنا حريصين أشدَّ الحرص على أن نـُبقِي العلاقات طيِّبة مع الجارة تركيا، ولكن ليس على حساب سيادتنا. مسُّ السيادة فوق الصداقات، وفوق بقـيّة المصالح الفرعيّة من ملفّ اقتصاديٍّ، وملفات أخرى كلها قابلة للفتح إذا بقيت السيادة مُنتهَكة.
الجعفريّ: نحن كلِّ المُواطِن العراقيٍّين في أيِّ بلد من بلدان العالم -يترك أرض العراق، ولكن لا يترك الوطنيّة العراقـيّة- يبقى وطنيّاً، بل يبقى يُمثـِّل العراق فيما يقول عندما يكون دقيقاً بالتمثيل، وحريصاً فهو قد يُمثـِّل سفيراً، وقد يُمثـِّل وزيراً، وقد يُمثـَّل رئيس جمهوريّة.
كلُّ واحد يُمكِن أن يكون في المُستقـبَل في هذه المواقع أيّاً كانت خلفيّـته، أو دينه، أو مذهبه، أو قوميّـته، أو اتجاهه السياسيّ، أو منطقته لا نـُفرِّق بين ذلك مع اعتماد الصِيَغ القانونيّة الصحيحة في التعامُل للتعبير عن الرأي. عندما يتناهى إلى سمع وزارة الخارجيّة أيُّ تجاوز، أو اشتباه بحقِّ أيِّ مُواطِن نـُتابـِع، وعندما يثبت لدينا التقصير نـُحاسِب، وإذا تطلـَّب الأمر نـُعاقِب، ولكن لا نتسرَّع؛ لأنه تـُوجَد ضُغُوط، وطلبات مكثفة على السفارات في الخارج يُثقِل كاهلها، علاوة على أنَّ بعض الطلبات تحتاج لإخضاعها للجانب القانونيِّ.
نحن لا نفرط بكرامة المُواطِن كما أننا نثق ثقة كافية ببعثاتنا في الخارج، ونأمل أن يستجيبوا للمُواطِنين.
أوجِّه رسالة مُزدوَجة إلى بعثاتنا بأن تهتمَّ بالمُواطِنين، وما من لقاء التقيته إلا وبلغت هذه الرسالة. نحن غير مسؤولين عن المُواطِن إذا انفعل، لكنَّنا مسؤولون عنكم عندما تنفعلون مقابله إذا كان هناك أيُّ تقصير، أو تجاوز مدعوم بالأرقام فنحن نـُرتـِّب عليه أثراً؛ لأننا يهمُّنا جدّاً أن تـُقدِّم بعثاتنا أحسن الخدمات لكلِّ المُواطِنين بغضِّ النظر عن أيِّ شيء.. الخارجيّة العراقـيّة لكلِّ العراقـيِّين بلا استثناء، ولا تـُختزَل أبداً.. لهم كلُّ الحقِّ في أن يطلبوا من سفاراتنا أن ترتقي إلى مُستوى احتياجاتهم، وأملنا بمُواطِنينا الأعزّاء أن يطلبوا شيئاً قانونيّاً، ونحن لا نرفض إلا ما يرفضه القانون، ولا نقبل إلا ما يقبله القانون، ونعتذر إذا لم نكن نستجيب لطلبات لا يسمح بها القانون؛ لأنـَّه إذا هُتِكَ القانون فلا نكون دولة.
الجعفريّ: طلبنا من الأخ نبيل العربيّ أن يُحوِّل قرار جامعة الدول العربيّة إلى مجلس الأمن مرّة أخرى؛ حتى يعرفوا أنـَّه جاء من إجماع عربيّ، نعم.. هؤلاء إن لم تكن لديهم قناعات فلهم مصالح، والعراق الآن يتحرَّك ليس بحجم العراق بعد مُؤتمَر القاهرة، بل يتحرك بحجم عربيّ حجم 23 دولة، وهذه الدول فيها ما فيها من إمكانات فليس من السهل أن تخسر هذا الرصيد الكبير، والمُتسِع، وما يتصف به من ثروات، ومصالح مُتبادَلة؛ لذا وجَّهت رسالة أخويّة إلى تركيا أن تـُعيد النظر في موقفها؛ لئلا تخسر ليس فقط العراق، بل تخسر الصفَّ العربيَّ.
الجعفريّ: نحن بدأنا بالحوار، وتحدَّثنا مع تركيا، ومع سفيرها في بغداد، وتفاعلنا مع وزير الخارجيّة هاتفياً وقد تكلمنا حوالى 40 دقيقة، واستقبلنا وفداً في الخارجيّة. ما طرحنا غير الحوار، وأصررنا على الحوار إلى النفس الأخير، وطلبنا طلباً غير تعجيزيٍّ، وهو: أن تـُعلِن تركيا أنها قرَّرت الانسحاب، وتأخذ وقتها الميدانيَّ إلى أن تنسحب، وحتى عندما ذهبنا إلى مجلس الأمن فهو ليس فيلقاً عسكريّاً.. نحن مارسنا كلَّ الأساليب، وسنمارس كلَّ الأساليب ضمن السياقات الطبيعيّة.
انتهاك السيادة إذا توقـَّف
أضف تعليق
التعليقات (0)