مواضيع اليوم

-المعترك الراهن-(2)

أحمد الشرعبي

2010-01-02 10:11:11

0

-المعترك الراهن-(2)

قراءات في
المعترك الراهن
(2)
في تناولتي السابقة اعتمدت الإيجاز وقدمت للقراء مجموعة من العناوين ولم يسعفني الوقت إعطاء الموضوعات المندرجة في نطاق الحديث السالف حقها من التوضيح والاستقصاء.
والواقع أن هذا القصور مرده هيئات المؤتمر القيادية التي ما انفكت تحجم عن إمدادنا بالوثائق أو على الأقل بجزء منها باستثناء ما يصلنا –وهو لا شك كثير- عن طريق الذين لم يعد في قدرتهم احتمال المزيد من المغالطات والادعاءات التي تروم تضليل الشعب عند تهافتها على طرح الشعارات بينما تنغمس في الفساد وتعتقد أنها الأكثر ذكاء وفراسة مما يدفعها أحياناً للمبالغة في التضليل وهو الأمر الذي حدا بكثيرين من العاملين في المؤسسات المالية والإدارية المختلفة لاستهجان تلك الأساليب وإطلاعنا على ما في حوزتها من مستندات تكشف زيف الخطاب الدعائي الذي تذهب إليه بعض الأطراف السياسية التي دأبت على الاستخفاف بعقل الشعب والهزوء بوعيه والاستهانة بقدرته على التمييز والفرز..
وفي الواقع نحن لا تستهوينا المكايدات ولا نميل إلى العبث بقضايا الوطن وتحدونا آمال عريضة نتوخى منها العافية لكثيرين ممن وقعوا ضحايا شعور نفسي بالضعف وسيطرت عليهم الانفعالات الذاتية فعملوا على إذكاء الخصومات واستنفار القلق و استدعاء المواجع مع أن في الحياة ما يستحق البهجة وفي الوحدة ما يروح عن النفس وفي الأرض من الخير ما يقيم الأود.. لكن.. مشيئة الله قضت أن يتزامن الجهد الوطني المخلص لتحقيق الوحدة اليمنية مع اتجاه آخر لم تكن الوحدة حاضرة فكرة ولا واردة في خواطره ولا جائزة في خياراته لاسيما وأن هذا الاتجاه جرب عبر مراحل إرهابية طويلة شتى الأساليب للتخلص من العناص الوحدوية في صفوفه واعتاد على نسف بوادر التقارب بخلق مناخات التوتر التي أسفرت عن صدام مسلح عامي 72 والثاني عام 79م بين شطري الوطن.. أما في الظروف الاعتيادية فقد عمل هذا الاتجاه على ضرب اليمنيين ببعضهم حيث ما تزال الكثير من مخلفات التخريب في محافظات إب وتعز وذمار وجزء من محافظتي الحديدة ومحافظة صنعاء ماثلة للعيان بين منزل هدته الألغام وشاب لحقه اليتم وامرأة ثكلى وشيخ مبتور القدم وعلى وهج شعار الثورة الديمقراطية الوطنية والشعبية وجد آلاف المغرر بهم طريقهم إلى المعتقلات الأمنية في المحافظات الشمالية، ولقد كان هؤلاء الضحايا أحسن حالاً ووافر حظاً من الذين أوتهم المخيمات هناك وأعيدت تربيتهم النفسية وأفرج عنهم في 13 يناير ليحملوا أسوأ مفهوم للثورة ولتوكل إليهم مهام المشاركة في تنضيف شوارع عدمن من اليسار الانتهازي اليميني المتطرف (جناح الزمرة) !! وبقيام دولة الوحدة حسبنا الملفات القديمة أقفلت وبدأنا للتو حياة هي كل الجدة وأودعناهم كل الحب والثقة والاطمئنان وأوتينا من السذاجة كل منال وأغمضنا الأعين عن كل ما يرى على أمل أن تصحح إرادة الوحدة ما أفسدته الشمولية لكن النتيجة كانت خلافاً لحسن الظن حيث واصل شريكنا مهمته المكرسة لوأد الوحدة من جذورها، أفرغت عشرات مخازن التسليح وصودر ما يزيد عن نصف مدخرات الخزينة العامة لما كان يسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية وقدمت كشوفات وهمية أدت لإغراق الخدمة المدنية بالآلاف من العاطلين والمتنفذين باسم البلورتاريا والشغيلة وبينما بدأت تباشير التعددية الحزبية التي عهدناها عملا تطوعياً ومبادرات ذاتية ونضالاً غير مدفوع الثمن إذا بشريكنا يكرس مفاهيم حزبية غير مألوفة لدى المؤتمر ومنها أن أعضاء اللجنة المركزية لا بد أن يكونوا بدرجة وزير وإن أعضاء قيادات الحزب في المحافظات والنواحي والمنظمات لا بد أن يصبحوا بدرجة وكلاء وزارات ومدراء عموم ومدراء إدارات وهكذا إلى ما لا نهاية..
ولربما كنت في غنى عن هذا الاستهلال لولا تداعي الخواطر وشجن الذكريات.. ودافع الحاجة للتأمل الحصيف في عدد من المواقف التي مرت بنا منذ أولى الخطوات الوطنية في درب الوحدة إذ كشفت الأزمة الراهنة بمظاهرها الكثيفة عن خلل فادح سببه تغاضي المؤتمر الشعبي العام وإفراطه في التسامح عن رصد التجاوزات الفادحة التي بدأها شريكه ليلة الوحدة على سبيل الاستشهاد وليس الحصر أصدر رئيس هيئة الأركان حينذاك صالح عبيد أحمد سلسلة من القرارات المفاجئة بمنح مئات الرتب العسكرية ما بين الملازم والعقيد لمدنيين وعناصر حزبية وآخرين ممن انخرطوا في العمل العسكري التخريبي في المناطق الوسطى على وجه التحديد.. وفي سرعة قياسية تم استيعاب هذه الرتب على ذمة الوحدة الأمر الذي تفاقمت خطورته فيما بعد وكاد يلغى أهم مقومات الانضباط وشروط الخدمة وقوانين الضبط والربط في أوساط القوات المسلحة وفجأة ودون مقدمات إذا خريجي الكليات العسكرية وأوائل القادة العسكريين يقدمون التحية والولاء لسائقي سيارات الأجرة وبائعي الملابس المستعملة في أسواق الحراج.
صورة واضحة لحقائق مكتملة الشروط
كان الفرح عظيماً وكانت التضحية أكثر عظمة وليلة الو "العناق" تمت أشنع المذابح الجماعية.. ليلة الوحدة تمت أبشع صور التآمر على الوحدة..
مئات المعتقلين الذين شوهت معالمهم أو الآخرين ممن نالهم الأذى النفسي في نواحي أخلاقية أبيدوا داخل المعتقلات وللتخلص من ملف مأساوي سيء الذكر قطعت شعرة الاستدلال والتحري برحيل رجل أمن الدولة محافظ عدن لاحقاً سعيد صالح.
لقد كانت الوحدة بالنسبة لأحد أطراف الائتلاف مجرد تكتيك سياسي للهرب من انفجار وشيك بين مجمل التكتلات القبلية والطائفية والمناطقية التي يضمها الحزب وتتوزعها ردهات اللجنة المركزية.
وكانت الوحدة استراحة مؤقتة ومحطة مزاج ديالكتيكي مهزوز وليس خياراً وطنياً نابعاً عن قناعة كاملة..
ذلك أن المعسكر الاشتراكي بتهاوى بسرعة والحليف الذي يوجه تحركات الحزب ويرسم اتجاهات الدولة ويصدر القرارات الرئيسة.
هذا الحليف لم يعد في وسعه ممارسة نفس الدور الذي اعتاده طوال الفترات السابقة نظراً لانشغاله بأزماته الداخلية على امتداد الجمهوريات السوفيتية.
والرموز الستالينية في المعسكر الاشتراكي من نوعية "شاوشيسكو" في رومانيا و"دانيال أورتيغا" في نيكارجوا ومنجستو بإثيوبيا وآخرون يواجهون نهاية غير مأسوف عليها من قبل شعوبهم وما دام الحال كذلك فلماذا لا تكون الوحدة محطة انتظار وتوزيع أدوار وترتيب أوراق جديدة، وتهيئة ظرف آخر شريطة الاستفادة من العلاقات الطيبة التي تربط صنعاء بدول العالم والانقضاض عليها في الوقت المناسب، وفي سبيل ذلك لا بأس من ارتداء كل الأقنعة وتقديم "لست" يشتمل على قائمة الخدمات التي سيقدمها هذا الطرف وإن على حساب السيادة الوطنية وكرامة وعزة وكبرياء الشعب اليمني..
ذلك بالفعل هو ما حدث وسنأتي إلى التفاصيل الدقيقة التي نرصد من خلالها حركة ونشاط وتوجه شريكنا منذ الوحدة حتى الرحلة المكوكية التي دخلها البعض وملء عينيه ابتسامة وأنهاها بطرق نرجسية بحتة.
في الأزمة..
إن للأزمات التي يفرزها الواقع أو التي تنبثق عن إدراك لقضايا المجتمع وتقدير لظروف الناس وشعور نبيل بمعاناة الشعب وكذلك فإن الأزمات مهما بدت حادة وعميقة إلا أنها لا تستعصي على الحلول إذ ليس ثمة مستحيل على أمام الجهد الوطني النزيه والوعي الإنساني المستنير ولكن. حين تكون الأزمة بفعل إيعاز خارجي أو تلبية لنزعة ذاتية أو صادرة عن نوايا مبيتة حينئذ تستحكم العقدة ويصبح من الضرورة معالجتها وفق منطق خاص.. لقد حاول المؤتمر أن يسمي المسألة تبايناً في الرأي، حاول أن يطمئن المجتمع ويخفف من روع الأسرة اليمنية وحاول بكل السبل الابتعاد عن تعاطي الإثارة وكل العوامل التي من شأنها توتير الموقف وابتعد تماماً عن أساليب التعبئة سواء في صفوف أعضائه أو في أوساط المجتمع. وبذل المؤتمر كل ما في وسعه من جهد للتشجيع على معالجة الأزمة عن طريق الحوار السلمي واستعانوا بعقلاء اليمن لإذابة الجليد ورأب التصدعات وتفويت فرص النيل من الوطن ومنجزاته وسد الطرق التي يراها الأعداء سالكة لتحقيق مراميهم المضادة وخططهم العدوانية المستهدفة وحدة اليمن ومنجزات ثورتها المباركة..
وامتثل المؤتمر للشرعة الدستورية وقدم التزامات صارمة بالنزول عند رأي الشعب ممثلاً بمجلس النواب وحاول المؤتمر أن يكون في مستوى المسئولية باحترام كل الجهود الخيرة التي بادر إليها أخوة أشقاء وآخرون من أصدقاء اليمن وحاول المؤتمر أن ينأى بنفسه عن تسخير إمكانات الدولة وأجهزتها الإعلامية الرسمية في الترويج لموقفه وصمت طويلاً تلك الإمكانات وسخر الأجهزة الإعلامية الحكومية المرئية والمسموعة والمقروءة في سبيل الإساءة للمؤتمر والقدح بأمينه العام والتشهير بكوادره والتعريض بكفاءاته والتلويح باستخدام القوة حيناً واستنفار الناس آونة والإضرار بسمعة الوطن وتقويض مصالحه طوراً آخر..
وما من مرة تجاوز فيها الشريك حدود العقل ومنطق إدارة الأزمات وما من مرة تصوب السهام إلى صدره إلا وبسط ذراعيه ملتمساً وشائج الحب ورحم القربى.
وكالعادة فقد كانت الوحدة وشرف حمايتها أفضل الضمادات التي يداوي بها المؤتمر جراحه الغائرة.
إن من أشرف المواقف وأبلغ الدروس أن تتحدد خيارات المؤتمر بالوحدة والديمقراطية ونبذ العنف بينما يرى الذين في قلوبهم مرض أن هذه الخيارات تقع في الهامش الاستثنائي لاهتماماتهم حيث الأولوية لمشاريع الانفصال والتمرد على الشرعية والتلويح بكتائب العسكر وبراهين المليشيات.
النقاط وسياسة التضليل
أكون مخطئاً لو أنكرت وجود فساد مستشر وظلم مستأصل وعبث قائم وغلاء فاحش في الأسعار..
وأكون جانبت الصواب إذا أنكرت وجود ظواهر سلبية تحد من سلطة الدولة وتضعف دور المؤسسات وتعيق العدالة وتمس مشاعر وأحاسيس ومصالح المجتمع بأضرار فادحة.
وأكون جردت الكلمة من الأمانة إن لم أعترف بأن النقاط التي طرحها المؤتمر أو الاشتراكي أو تلك المدونة في قائمة لفيف من أحزاب المعارضة تعبر عن مطالب عادلة ولكني أعلم يقيناً أنه ليس من حق المؤتمر ولا الاشتراكي تقديم أي نقاط أو مطالب أو شروط عبر أمين عام المؤتمر أو أمين الاشتراكي فما دام الحزب والمؤتمر ممثلان في حكومة ائتلافية فإن عليهما الالتزام ببرنامج الحكومة أو تقديم المطالب والنقاط عبر ممثليهما في مجلس الوزراء ومتى استحال على أحدهما –الحزب أم المؤتمر- تحقيق تلك المطالب والشروط فإنه يتعين عليه الانتقال بهذه المطالب إلى البرلمان بوصفه الجهة المسئولة عن نزع الثقة من الحكومة أو محاسبتها وإقرار برنامجها ومنحها ثقة من عدمه ويوم لا يستطيع المؤتمر أو الحزب أن يحرز النجاح المطلوب لصالح ما يدعو إليه عبر السلطتين التنفيذية والتشريعية فإن عليه أن يعود إلى المعارضة بشرف المؤمنين بالديمقراطية والذين يستمدون قوتهم من الشعب وليس من مأسورات المدافع ولا من بوابات الاحتماء بمتاريس التشطير.
ومن هذا المنطلق يرفض الشعب أن يكون ذريعة سهلة لكلمة حق أريد بها باطل.. وبواقع احترامنا للقواعد الثابتة في الممارسة الديمقراطية نؤكد عدم ذريعة نقاط الحزب أو المؤتمر طالما لم تأخذ طريقها الطبيعي عبر المؤسسات الدستورية وليس من خارجها. ويدرك شركاؤنا أننا ننكر على المؤتمر كما على الحزب أن يكون أحدهما أو كليهما مكان الحكومة أو البرلمان وإلا لكان من حق الأحزاب أن تتبدل بعض ممثليها في البرلمان حين لا يلتزم هؤلاء بتوجيهاتها وأن ترسل بدلاً عنهم بأعضاء غيرهم من بين لجانها المركزية أو الدائمة..
لقد أراد شريكنا الفاضل أن يلوك عواطف الشعب بين فكيه ويغزل الديمقراطية بيده ليصنع منها الشكل الذي يناسب رغبته ويوافق إرادته ويضمن مصالحه.
ولو كانت النوايا صادقة لما تم تحويل قضايا الشعب وهموم الوطن إلى علبة من الوزن الزينة والميكياج.
ولو كانت الدعوة مخلصة ونزيهة من الهوى وسوء القصد لبدأت الحكومة في وضع مطالب الشعب قيد التنفيذ ولأعلن رئيس الحكومة المهندس حيدر العطاس استقالته ولأعفي الحزب نفسه من مسئولية المشاركة في حكم البلاد طالما عجز عن تلبية احتياجات المجتمع.
ولتكون المحاجة قائمة على بيئة من الأمر فإننا نتساءل:
ما حاجة شريكنا الوقور إلى التباكي على العاصمة الاقتصادية والتجارية عدن.. وفي يده وحده وذلك ما يعلمه كل الشرفاء من أبناء المدينة الباسلة.. في يده القدرة على تدميرها كما فعل بالماضي وفي وسعه تطويرها كما لم يفعل الآن لنسأل مثلاً..
من هم الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الإسكان وسمحوا بأن تتحول مدينة عدن إلى ضحية يفترس جمالها ومستقبلها سماسرة الأراضي؟
ولنسأل لا رجماً بالغيب وإنما من واقع ما تختزله ذاكرة الناس.. متى تخلى الحزب عن قبضته الحديدية على كل الأجهزة في عدن ومتى ترك لأحد غيره أن يتدخل في شأن من شئوون المدينة.
وربما لا يعلم إخوتنا في هذه العاصمة الحبيبة أن الحزب عمل على تقديم عدن لأبناء الشعب اليمني وكما لو أنها المدينة الانفصالية التي لا يدخل فلس واحد من إيراداتها الكبيرة في الخزينة العامة لدولة الوحدة..
وحين يتخذ شريكنا من المنطقة الحرة شعارً للمزايدة فإننا نسأل:
أي منطقة حرة هذه التي ينادي بها الشريك الطيب والذي يرفض حتى الآن إعادة الممتلكات المؤممة وتعويض رأس المال الوطني عن أمواله المنهوبة.
ومن أين لحمام المال أن تبيض في عدن وهي ترى الأفعى بجوار أعشاشها وبيضها القديم لم يهضم بعد.
هاهم يطالبون بأخلاء المدن اليمنية الرئيسة من المعسكرات والأسلحة بينما لا يتورعون عن الاعتراف بأنهم فتحو المخازن في (جبل جديد) ليوزعوا أسلحة الدمار على الضحايا..
ويوم يشددون على تجريد العاصمة صنعاء من المعسكات فلسبب واحد ينم عن نفسية تآمرية أوحت إليهم بأن صنعاء ستسقط في يد المليشيات مع خروج حماة الشرعية منها.
أي منطق هذا الذي لا يرى شرعية أولى من وضع السكين على عنق الوطن..
ذلك ما نبحثه في الوقت المناسب عبر تناولة لاحقة.
الصحيفة: الميثاق
العدد: 571
التاريخ: 22/11/1993م
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات