انتهى عهد حسني مبارك، وأسدل الستار على ثلاثين عاماً من الحكم المطلق " للرّيّس" ، القائم على قبضة الحديد المرتكز على سياسة القمع والتجويع ، والسلب والنهب لمقدّرات الشعب المطحون من الغلابى والمساكين من أبناء مصر ،الشعب الصابر المصابر...وبعد عقود من المهادنة والاستسلام للسلام المزعوم مع إسرائيل ومجرميها ، هؤلاء الذين ظلوا لآخر رمق ينظرون في الرجل أعظم صديق
و " كنزاً ثميناً " قد لاتلد الأيام المقبلات مثيلاً له في عالم السياسة والحكم ، على الأقل في محيط النطاق العربي المحاذي للدولة العبرية .
بعد عناد ومكابرة ، من شيخ هرم تجاوز الثمانين ، ملفوظ الجانب من أغلب شرائح الشعب ، وبعد شد وجذب مع المتظاهرين دام ثمانية عشر يوماً ، سقط الطاغية في لحظة من لحظات الزمن ليخلي السبيل إلى قادته العسكريين ، ومجلس القيادة العسكرية تتولى الحكم وتقوم بتسيير شؤون البلاد بعد فراغ منصب رئيس الجمهورية ، رأس الهرم في الدولة .
فرحت مصر ، كل مصر من أقصاها إلى أقصاها ، شباباً وكهولاً وأطفالاً ، رجالاً ونساءاً ، بالنصر المؤزر والفتح المبين ، مستبشرة بانبلاج فجر جديد ، وانقشاع سماء صافية ناصعة من الأمل المعقود بعد أن كان الضباب والغيم الكالح هو السمة الغالبة على الحياة في مصر المحروسة ...
وفرحت معها كل الأمة العربية والإسلامية ، من المغرب إلى الخليج ، بل من الشرق إلى الغرب وحق لها ذلك ، أليست مصر :
" أم البلاد و قرارة فرعون ذي الأوتاد " كما قال الرحالة المغربي الكبير ابن بطوطة رحمة الله عليه؟
انتهت مرحلة حاسمة من ثورة الشباب في مصر ، أو كما يسميها بعضهم بالثورة البيضاء ، وانتقلت بقضها وقضيضها إلى مرحلة جديدة من الحراك الواعي والجهد المنظم والمركز ، لكن هذه المرة ليس لتعزل ديكتاتوراً نبت الحشيش فوق كرسيه دون أن تتزحزح منه أنملة إلى أن قرر الثوار الزحف إلى القصر الجمهوري ، وبعد ضغط ايضاً من المؤسسة العسكرية ليفاجئ الجميع بتنحيه عن كرسيه المشؤوم ...انتقلت عجلة الانتفاضة إلى ميدان آخر ليس أقل خطراً من سابقه ولا أسهل بعد أن باتت الدولة بكل مؤسساتها في يد قادة الجيش ببزاتهم العسكرية ...
وبعد أن تلقف العسكر الدولة من الديكتاتور المخلوع ، انتقلت الأنظار إلى المؤسسة الأقوى في الدولة المصرية ـ بل في أغلب الدول العربية ـ مؤسسة ظلت طيلة عقود تصنع الرؤساء وتضع الملوك ، فما من صالح أو طالح إلا وهو نتاج هذه المؤسسة .
بقيت أسئلة كثيرة ، ومحاذير جمة تختزنها الأيام الحبالى ، وتنطوي عليها اللحظات المقبلة ، قد يكون مصدرها من داخل منظومة الجيش المصري ...
ربما تكون لها انعكاسات شديدة التأثير في مستقبل مصر و المنطقة العربية بأسرها..ومن يدري ما تخبئه الأقدار لهذا الشعب الأبي وشعوب المنطقة بعد ذلك ؟
هل يستجيب العسكريون لتطلعات شعبهم ، وأمانيه السامية المستحقة في دولة وطنية حرة دستورية ، تصان فيها الحقوق ، وتقام فيها المؤسسات ببرلمان حقيقي منتخب وممثل بشكل صادق ، وحكومة ديمقراطية نزيهة ، وقضاء مستقل ، وصحافة حرة غير مستعبَدة ، ولا محتكَـرَة لحزب أو طغمة ؟
هل يمكن أن تسلم مؤسسة العسكر الدولة إلى أصحابها دون إراقة قطرة دم واحدة ، ليختار الشعب من يمثله ويسوسه ، كما ظهر مؤخراً من قيادة الجيش التونسي التي لم تتدخل في الدولة المدنية الفتية لحد الساعة ؟؟
المعركة لم تنته إلى اللحظة بين الحق و الباطل، بين الحرية والإستبداد ...لا زالت الثورة لم تلق أوزارها بعد ...
أماني كثيرة مكللة بالغار نأملها من هناك ، ولا نملك إلا الدعاء لإخواننا بالتوفيق والنصر و السداد .
التعليقات (0)