المدرسة الظاهرية واحدة من أقدم مدارس دمشق ومكتباتها
مكتبة المدرسة فقدت الكثير من كنوزها لكنها ما تزال تحافظ على سحرها.
يحكي المعمار في دمشق على غرار الكثير من الدول العربية الأخرى تاريخ المدن وحكاياتها، ولعل من أبرز الآثار المعمارية في دمشق المدرسة الظاهرية التي تكتسي أهمية بالغة لا كمعمار فحسب، بل لما كانت تضمه من كنوز معرفية ومخطوطات وكتب.
عندما تصل إلى المدرسة الظاهرية وبعد أن يبهرك المكان الذي يحيط بها، بل يعانقها بود وألفة قديمين، لن تدهشك فقط بواباتها الواسعة، ولا باحتها المزينة بشتى أنواع الورود الدمشقية، ولا أشجار الكينا والبرتقال، أو حتى الأعمدة الأثرية التي تواجهكَ وأنت تعبرها إلى عبق يحمل كل ألوان الجمال، ومعانيه المختلفة.
العبق الذي تشعر به يخيم على الأرواح قادما من التاريخ، وممتزجا مع رقي المكان، مخضرما ومجبوﻻ بنسائم حضارة عتيقة، تأخذك إلى عالم أثير، جمع بين جنباته عتق الأصالة والهوية العريقة لدمشق. دمشق التي تسكب الحب والعطر من كل جوانبها، وتتألق بعمارتها وثقافتها وفنونها وأدبيات وعادات سكانها، بل وبيوتها المشيدة بطريقة بقت إلى هذا الزمان تدل عليهم وعلى رحابة صدورهم وقلوبهم، والاخضرار الذي يعشقونه، ويجسد الجمال الذي يسعون لأن يكون أبرز صفاتهم.
ما إن تخطو البوابة حتى تلاقيك تلك الأعمدة الراسخة، تستقبلك بأقواس شبيهة بتلك التي في المساجد، وفي الباحة أبواب عديدة، لكل باب مدخل إلى عالم من السحر، مليء بالحكايات القديمة، منها ما ينفتح على أدراج تنتهي إلى زوايا تشارك المكان في فردانيته وخصوصيته، وكل ما يخبئ كنوزا معرفية ودررا، تتحف العقل البشري في كل المجاﻻت.
من جهة ثانية، ترى المكان يضم أجمل التحف المعمارية، وذلك باعتراف الآثاريين الذين زاروها وخبروها، أما القبة التي تحوي ضريح الظاهر بيبرس فترتقع ثلاثين مترا، وجدرانها من الحجارة المنحوتة بطريقة مذهلة، تغطيها زخارف المرمر التي تزدان بالفسيفساء الزجاجية، وهي مصممة بآليات فنية مدهشة، زينت النوافذ الموجودة على جدران القبة التي تلفت الأنظار بمجرد الدخول، فهي عبارة عن مبنى حجري مرسوم بدقة متناهية، يوحي بأن أياد ماهرة ذكية قد ساهمت في تشييدها، والحجارة ملونة تعلوها كتابات تشير إلى تاريخ البناء، دون تغيير شيء في معالمه، منذ بداية بنائه بأمر من الملك السعيد.
صرح عريق
في المكتبة قاعة كبيرة للمطالعة، أما الإيوان الشرقي والإيوان الجنوبي، فقد كانا مخصصين للبحوث، فهما مزودان بالمراجع ولا يدخلهما إلا الباحثون. تخيم الألفة في كل مكان في عالم المكتبة، ويبرز الجمال في كل الأركان، بدءا من البوابة وانتهاء بكنوزها، وعلى جدرانها زخرفة وكتابة تؤرخ المكان، حيث كتبت فوق الباب معلومات قيمة، تخص المكان وتاريخه، كأنها تبرز هويته.
تقع المكتبة الظاهرية في قلب مدينة دمشق القديمة، وهي تصطف جنبا إلى جنب مع العديد من الأماكن التاريخية والمباني الضاربة جذورها في الزمن. الأماكن والمباني التي ميزت مدينة دمشق، ومنحتها خصوصيتها، ومنها الجامع الأموي الشهير، وقلعة دمشق الأثرية السياحية.
للحديث عن المكتبة وتاريخها وأهميتها أكثر، تحدث الباحث علي القيم عنها، قائلا "مدرسة الملك الظاهر بيبرس كانت سابقا مكانا لدار الحقيقي المتوفى سنة 368 هجرية، ثم استملكت الدار سنة 676 هجرية، وتولى السعيد بن بيبرس بناء التربة والمدرسة بعد وفاة أبيه".
وبين أن المدرسة الظاهرية تعد واحدة من أقدم مدارس ومكتبات دمشق وما زالت تحتفظ بالقسم الأكبر من تطبيقاتها الرائعة، ويعود تاريخها إلى النصف الثاني من القرن الحادي عشر خلال العهد المملوكي، وتقع في منطقة باب بريد في دمشق القديمة قرب الجامع الأموي الكبير. شكلها الخارجي يشبه المدرسة العادلية، وكانت حتى فترة قريبة، تحتوي على نفائس الكتب والمخطوطات والمراجع المهمة، وقد نقلت إلى مكتبة الأسد الوطنية.
وتابع "تعد هذه المكتبة أيضا من أهم مدارس دمشق الباقية. واجهتها مبنية من الحجارة الماسية الحمراء الضاربة إلى الصفرة، وهي مراوغة في مجاميع متراصة، وفي جدار القبة نماذج رائعة من الفسيفساء، التي يعود تاريخها إلى القرن السابع الهجري، وفيها ضروب من الحجر الملون، ويعتبرها العلماء من أنفس آثار دمشق المعماري، ومن أجمل مباني المماليك المستوحاة من تقاليد الفن الأيوبي المتميز بالحجارة الضياء والمدرسة المنحوتة، والجدران المزخرفة من المرمر الملون، والمصدر على طريقه من الفسيفساء".
كنوز المعرفة
تضم المدرسة الظاهرية، وفق القيم، ثلاث قاعات، وثلاثة مستودعات "وكانت ملتقى طلاب العلم والباحثين عن المعرفة.. تتوج البوابة في الأعلى مقارنات في غاية الروعة، أما الجدران فهي معشوقة بالحجارة الملونة".
وعن أقسامها، تابع الباحث حديثه قائلا "أقسام المكتبة الظاهرية هي: قسم المطبوعات، قسم المخطوطات، قسم البصريات وقسم التصوير. وبلغ عدد المخطوطات التي تلقتها الدار 4612 مخطوطا، ويبلغ عدد الكتب الكثيرة التي تم إهداؤها للمكتبة: من مكتبة عبدالغني القادري 946 كتابا، ومن مكتبة محمد طاهر أبوحرب 919، مكتبة الدكتور رشاد الجاسم 446، مكتبة محمد عارف المنير 244، مكتبة سعيد الخاني 190، ومن المكتبة البريكي 179، ومن مكتبة رفيق التميمي 173، ومكتبة محمد صدقي الكيلاني 579 كتابا".
وهناك عدد من المكتبات الأخرى التي ساهمت في تكوين محتويات المكتبة الظاهرية، ومن هذه المكتبات: مكتبة جامع، ومكتبة المدرسة الأحمدية. وقد جمع لها رؤوف بك والي دمشق أوائل القرن العشرين نحو خمس مئة ليرة ذهبية، وابتاع لها الكتب، كما تلقت العديد من المخطوطات كهدية بلغ عددها 4612 مخطوطا.. أما المطبوعات، فبلغ ما أهدي إلى المكتبة منها 1206 مخطوطا.
كما توجد ثلاثة مستودعات تضم الكثير من المخطوطات والمطبوعات والدوريات، وقد بلغ عدد الكتب الموجودة في المكتبة 72 ألف كتاب، وما يقرب من 85 ألف مجلة، كما تضم 13 ألف مخطوط قديم ونادر. وتحتضن هذه المكتبة في خزائنها مجموعة من المؤلفات فائقة الأهمية، مثل القانون والطب لابن سينا وغيرها.
باختصار تعتبر المكتبة الظاهرية من أعرق وأقدم المكتبات الدمشقية، وتعتبر من المكتبات التاريخية الأثرية والأصيلة، في ما تحتويه من أمهات الكتب والمجلات والمخطوطات. وهي أيضا من أقدم وأجمل الأماكن السياحية.
التعليقات (0)