منذ فترة شاهدت لقاء أجرته الإعلامية المتميزة (منى الشاذلى ) مع (وزيرة الدفاع اليا بانى) خريجة الجامعة الأمريكية بالقاهرة .
سألت الأستاذة منى ضيفتها :أنتم لا تملكون موارد محلية فكيف صنعتم كل هذا التقدم ؟
وكانت الإجابة كلمة واحدة
الإنسان
وتذكرت فورا محمدا صلى الله عليه وسلم فلم يكن همه إلا بناء الإنسان .
كانت أمامه خيارات أسهل ...
1-كان من الأسهل أن يبدأ بدعوة العرب إلى الكرم وساعتها لن يتخلف عنه أحد لأن الكرم مركوز فى طبيعة القوم البدوية التى لاتحيا إلا بهذا الخلق .وبعد أن يلتئم معه القوم يأخذهم رويدا إلى رسالته .
2-وكان من الأيسرأن يستثير حمية العرب وينفخ فى كبريائهم ويدعوهم إلى النفير العام لحر ب الفرس أو الروم الذين يطؤون تخوم جزيرتهم وساعتها ستحتشد حوله الكتائب التى تربت على القتال منذ نعومة أظفارها .
ولكن الله اختار له الطريق الصعب
تحديد الهدف من البداية (التوحيد ) ذلك المبدأ الصادم للمجتمع الذى تمثل عبادة الأصنام له عبادة وتجارة .
هكذا على من يتبع هذا الدين أن يخرج من جلد الجماعة الوثنية التى عاش فيها ردحا من الزمان .
وليس بقادر على ذلك إلا الإنسان القوى النفس..
وبتركيز النبى صلى الله عليه وسلم على إطلاق إنسانية الناس رأينا العجب العجاب..
هذه الأسرة المسكينة (آل ياسر) -التى لم تكن تساوى فى الجاهلية شيئا - تضرب مثلا هائلا للإنسانية .
فهذه (سمية )الضعيفة تصمد أمام الطاغية فرعون هذه الأمة يريدها على الكفر فتأبى ويصفعها فتتفل فى وجهه اااااااا
هل هذا معقول ؟
من أين لها بهذه القوة الهائلة ؟
لقد ارتفعت إلى أعلى عليين بينما هوى أبوجهل إلى أسفل سافلين
وهذا الشيخ الفانى (ياسر) يفرى بيقينه كبد الجبارولا يريحه بكلمة
ويسمو شامخا إلى السماء
وجاء دور الشاب المسكين (عمار) الذى تصدع قلبه لمصرع أبويه ويضعف وينطق كلمة الكفر ثم يجر نفسه إلى النبى الكريم الذى يأسو جراحه ويطمئنه ما دام قلبه مطمئنا بالإيمان .
لقد صمد هؤلاء لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أيقظ فيهم إنسانيتهم ولو كانوا اتبعوه ترغيبا أو ترهيبا لانهاروا سريعا .
وذات مرة ألح النبى الكريم على دعوة جماعة من الزعماء إلى الإسلام وهم يتأبون وجاءه رجل وصفه القرآن ب"الأعمى "يريد أن يعلمه مما علمه الله .
ويعبس وجه النبى الكريم ويعرض بجانبه عنه.
ولم يدع الله هذا الموقف يمر ولكن كان هناك عتاب ...
لقد طمع النبى الكريم فى إسلام (الكم ) وأبى الله إلا (الكيف )
إن النبى الكريم لم يؤذ الرجل فهو أعمى لم ير العبوس والإعراض ولكنها إنسانية الإنسان التى لفت الله نظر نبيه إليها .
وجاءت النتائج باهرة..
فقد اختار النبى الكريم هذا الأعمى (عبد الله بن ام مكتوم ) ليخلفه على المدينة مرتين...
وبعد سنين وفى موقعة (القادسية ) أصر الأعمى على المشاركة فيها وقال :(أنا رجل أعمى لا أحسن الفرار أعطونى الراية وأقيمونى بين الصفين ) وكان له ما أراد وعاد بالراية منتصرا.
هذه قطرة من محيط البشر الذى نجح محمد صلى الله عليه وسلم بفضل الله فى إيقاظ إنسانيتهم فغيروا العالم .
.................................
وأعود -بعد ذلك إلى العنوان (الكنوز المهملة )
فما علاقة الكنوز بما قلناه ؟
إن استثمار البشر هو الاستثمار الأمثل باعتبارهم صناع التغيير
وليست الكثافة البشرية عبئا كما يروج البعض ولكنها كنز عظيم إذا أحسن استثماره كما صنعت اليابان والأمم المتقدمة
إنك حين تحترم إنسانية الإنسان تفتح أمامه أبواب الإبداع والتألق
وحين تحقر إنسانيته يتقزم وينطفىء ويموت وإن مشى على الأرض .
لهذا أقول :إن أمتنا العربية يمكنها الاعتماد على الذات ورفض المعونات الخارجية المكبلة بشرط أن يشعر الناس بإنسانيتهم وأن الكبير والصغير أبناء نفس واحدة عزيزة على الامتهان
وساعتها يقبل الناس راضين على شد الأحزمة على البطون مادامت الأحزمة تتسع لكل البطون حتى ننطلق خارج عنق الزجاجة إلى الرغد والرخاء
التعليقات (0)