الفنون تحتضر
الفن ليس مدرسة أو وسيلة فحسب بل تاريخ يحكي واقع المجتمعات المعاصر وينقل للأجيال التاريخ القديم , الفنون منتج بشري يقوم عليه الإنسان يبذل الجهد ويحاول أن تكون تلك الفنون عاكسة للواقع مستشرفة للمستقبل ؟
المجتمعات الحية المتحركة المتصالحة مع ذاتها المتسامحة مع غيرها لا تهمل الفنون ولا تقف موقف الضد , بل تمسك العصا من المنتصف وتتفاعل مع المحيط بشكل إيجابي فتبدع وتنتج وتستفيد من الأخطاء وترسم للأجيال طريق المستقبل .
المجتمعات المريضة تعيش على وقع النشوز والتخلف فالعقول المريضة المصابة بأمراض عقلية فكرية بثت داخل المجتمعات متناقضات كثيرة ضاربة بالتعايش والتعددية والمعرفة وإعمال العقل والتفاعل الإنساني والمعرفي مع الذات والمٌحيط عرض الحائط .
الفنون كوسيلة وأداة تنمو وتتطور وتتفاعل مع المحيط إذا وجدت من يقوم عليها ويتبناها ويدفع بطاقاتها نحو الأمام , الفنون ليست محصورة في نوع أو مدرسة فكل نوع له خصائصه و وسائلة وأدواته وكل مدرسة لها قوانين وأٌطر حاكمة ومٌنظمة , الغناء والدراما والفنون البصرية والتشكيلة المختلفة ماهي الإ ناتج طبيعي لتفاعل الإنسان مع المحيط فهي منه وله , في عصر السرعة كما يحلو للغالبية تسميته تعيش الفنون المختلفة في العالم العربي الممتليء بالمتناقضات حالة أشبه ما تكون بحالة الاحتضار فالتشويه الممنهج في بعض المجتمعات والتهميش والتحريم في مجتمعات جعلها تتحول من فتاة جميلة إلى عجوز شاحبة الوجه تصارع الموت بقلب شاب وجسد متهالك !.
تحريم وتجريم الفنون جريمة بحق الإنسانية فالمجتمعات تتحول جراء ذلك التحريم والتجريم الغير مبرر من مجتمعات بسيطة متفاعلة إنسانية إلى مجتمعات ناقمة حاقدة تتصارع فيما بينها وتتصارع مع ذاتها تتخطفها الأمراض العقلية والنفسية وتعيش على وقع الكوارث والمصائب النتائج الطبيعة للتوحش والمرض العقلي والنفسي , المواهب في مجتمعات التجريم والتحريم تتعرض هي أيضاً للهجوم والتشويه والتهكم فهي في نظر تلك المجتمعات المتناقضة مجموعة من المشردين والحثالة دون أن تعي تلك المجتمعات أن تلك المواهب مواهب متفاعلة مع محيطها وتسير وفق الفطرة البشرية التي لم ولن ترضخ لمحاولات التشويه والترميم وفق رؤى وأدبيات ضيقة لا تعترف بالإنسانية الشاملة الفاعلة المتفاعلة !.
التشويه مختلف كلياً عن التجريم فالثاني جريمة كٌبرى والأول جريمة يمكن إيقافها بوسائل أقل كلفة من وسائل إيقاف الجريمة الثانية , التجريم والتحريم لا يمكن إيقافه دون إعمال للعقل ودون التمرد على أدبيات ورؤى وضعها أفراد وفق اجتهادات وظروف معينة ودون إعادة بعث رؤى وأدبيات متفاعلة مع الإنسان وموافقة لمتغيرات العصر ومراعية لاحتياجات الإنسان الزمانية والمكانية والنفسية الرؤى والأدبيات المتفاعلة تتعرض هي الأخرى للتشويه والتغييب والعلة في ذلك شهوة الاستبداد وضعف الحجة والظن بأن الحق ملازماً لفئة التجريم والتحريم ولمن سار خلفها من القطعان البشرية المتحركة , التشويه يكمن إيقافه بعدد من الوسائل والإجراءات النوعية , التشويه ردة فعل طبيعة جراء غياب النقد الفني العلمي وناتج طبيعي لوجود دخلاء على الفن كصناعة وموهبة قبل كل شيء , فعلى سبيل المثال في الوطن العربي تحولت الدراما من دراما تحكي واقع المجتمعات إلى دراما عارضة للأجساد والسبب في ذلك الدخلاء الذين دخلوا على عالم الإنتاج والإخراج من بوابة البحث عن الشهرة والمال دون اعتبار للقيم فظنوا أن نجاح العمل الدرامي يعتمد في المقام الأول على كمية المشاهد الفاضحة المكشوفة غافلين عن أن نجاح العمل الدرامي وغيره من الأعمال يعتمد على النص الدرامي في المقام الأول وعلى الممثل وموهبته وعلى الحبكة الفنية ومدى إتقان الممثل لتفاصيلها الدقيقة وعلى بيئة التصوير والإخراج , لكن الدخلاء لا يهمهم سوى المال والشهرة وإن كان على حساب الفنون كأداة ووسيلة ومنتج بشري تفاعلي !.
وجود كليات ومعاهد فنية أكاديمية لا يكفي فعلى الرغم من قلتها في بعض البلدان العربية وغيابها لأسباب فكرية في بلدان أخرى تسبب في وجود أزمة , فالموهبة لا تكفي والصقل والتدريب الأكاديمي ضرورة وواجب خاصة إذا علمنا أن المجتمعات تتمعن في الفنون وتستخدمها كوسيلة دراسة تاريخية قبل أن تكون وسيلة تواصل وكشف للحقائق تعكس الواقع وتستشرف المستقبل .
الصحافة الفنية مفقودة من خانة الصحف اليومية والموجود منها ليس مبنياً على تخصص دقيق وتلك إشكالية جعلت من الفنون في واد والنقد الفني المهني العلمي في واد أخر , الفنون وسيلة وأداة وناتج بشري ووسيلة تواصل وتفاعل حضاري معرفي فهي بحاجة لنهضة نقدية وصقل للمواهب واستبعاد للدخلاء الذين شوهوا الفنون بمختلف أنواعها ومناهجها , فعلى سبيل المثال الشعر كحالة فنية فريدة يتعرض للتشويه من دخلاء بالغوا في المدح والتركيب فقتلوا الغناء والشعر بقصائد ركيكة لا قيمة ولا وزن فني لها , والتمثيل كموهبة تتعرض للتشويه من دخلاء يبحثون عن الشهرة والمال والعلاقات الجنسية في كثير من الأحيان , تشويه الدخلاء لم يستثني شيء فقد وصل عالم الكتابة والتأليف والإنتاج والإخراج الفني , النقد الفني المهني العلمي وتبني المواهب الحقيقية وفتح النوافذ للدراسة الأكاديمية المتخصصة كفيلٌ بإيقاف مد التشويه وقد يكون عاملاً مهماً في محاولة إيقاف التجريم والتحريم الغير مبرر !.
التعليقات (0)