العلامة الحسيني يحذر من الانجرار الى الفتنة البغيضة :
الحزب لا يختصر الطائفة ولا يجوز جرها إلى الهاوية
زهرة ملك: وكالة الأخبار العربية.
حذر الامين العام للمجلس الاسلامي العربي سماحة العلامة السيد محمد علي الحسيني من خطورة تصاعد حدة الخطاب المذهبي ، ومن تداعياته على اللبنانيين عموما والمسلمين خصوصا . وأكد ان الخلط الجاري بين السياسي والطائفي لا مبرر ولا اساس له في الدين ، انما هو لعب بنار الفتنة التي ستحرق الجميع لو وقعت ، مشددا على ان اي طائفة من الطوائف اللبنانية ليست ملكا لحزب او لتيار سياسي او لزعيم ، ينطق باسمها ، ويختزل قرارها .
مواقف العلامة الحسيني جاءت في مقابلة خاص مع وكالة الأخبار العربية تعليقا على التطورات السياسية التي شهدتها البلاد في الايام الاخيرة .
وسئل السيد الحسيني : كيف قرأتم المواقف السياسية الحادة والمتشجنة في الايام الاخيرة ، من حيث مسبباتها ، ومن حيث تداعياتها المحتملة ؟
أجاب : بداية نستغرب اشد الاستغراب ان تصدر المواقف من جانب الفرقاء المختلفين ، وكلهم مشاركون في حكومة الوحدة الوطنية ، او اعضاء في هيئة الحوار الوطني ، وهم بهذا المعنى متفقون على الخطوط السياسية العامة ، وعلى حد معين من التوافق على القضايا الخلافية ، مثل السلاح خارج الاجهزة والاسلاك العسكرية الرسمية ، والمحكمة الدولية ، واصول معالجة الملفات داخل المؤسسات الدستورية .
كما نستغرب ان ينتقل الفرقاء السياسيون من الطرح السياسي الى الطرح المذهبي بخفة واستهتار تام بكل ما يمكن ان ينتج عن ذلك من تداعيات سلبية على الحياة العامة . لقد ظننا بعد اربع سنوات من النزاع ان اتفاق الدوحة وضع الجميع على جادة الصواب ، وداخل المؤسسات الدستورية ، بحيث سحب فتيل الانفجار من الشارع . ولكن للاسف يبدو ان القوى الاساسية لا تجد وسيلة للتعبئة في صفوف جمهورها الا بالتجييش ، واستفزاز الآخر ، واثارة العصبيات المذهبية.
وسئل السيد الحسيني : ولكن في ظل الواقع الطائفي في لبنان ، اليس منطقيا اي يؤدي اي صراع سياسي الى نزاع مذهبي ؟
أجاب سماحته : الواقع اللبناني كان دائما طائفيا وتعدديا ، ولكن صراعات المجتمع اللبناني كانت سياسية بحتة ، او اجتماعية ، او مهنية ، وخلاف ذلك . وكنا نجد التنافس السياسي المشروع داخل كل طائفة على حدة ، كما كان في بعض الاحيان تنافسا بين زعامات من طوائف مختلفة ، ولكن كل زعيم كان يجد حلفاء له في الطائفة الاخرى التي ينتمي اليها منافسه ، والعكس صحيح ، اذا هو لم يكن في يوم من الايام تنافسا او نزاعا طائفيا او مذهبيا .
وسئل العلامة الحسيني : ما الذي تغير اذا ، حتى تطور الصراع بهذا الشكل ؟
أجاب : لا يمكن القول باي حال من الاحوال ان ما يجري في لبنان هو نزاع مذهبي ، لقد كان نزاعا سياسيا ولا يزال . ما تغير هو طريقة ادارة وتصوير هذا النزاع ، بحيث عمل كل حزب وتيار على احتكار قرار طائفته ، ينطق باسمها ، ويختزل قرارها ، ويجرها معه الى صراع على مكاسب سياسية صغيرة في الداخل ، او نزاعا على اجندات خارجية تنفذ على ارض لبنان .
في هذه اللعبة الجهنمية ، الطوائف لا تتقاتل ، بل تدفعها زعاماتها الى الاقتتال في مناسبات معينة ، ولاهداف محددة ، وعندما تنتهي المهمة تعود الى تهدئتها . وانا أجزم ان لا اساس مذهبيا او طائفيا او دينيا لكل الصراعات السياسية في لبنان .
والاهم برأينا ، ان اي حزب لا يستطيع ادعاء ملكية اي طائفة ، مهما بلغت الارقام التي حققها في انتخابات معينة ، وايا تكن المبالغ التي ينفقها على الترويج لحصريته في التحكم بقرارها ، وكذلك مهما بلغ حجم التهويل الذي يمارسه لابقاء سيطرته عليها .
ان مقولة الطائفة - الحزب -، هي هرطقة مرفوضة ، لانها تعني الغاء التعدد والتنوع وحق الاختلاف ، وكلها من بديهيات الحياة ، ومن الميزات التي منحها الله عز وجل للانسان عندما منحه العقل ليفكر ويقرر . ولا يمكن لاي حزب ولو وصف نفسه بصفة الاسلام ، ان يلغي هذا الحقوق .
وسئل العلامة الحسيني : هل تخشون وقوع الفتنة المذهبية ؟
أجاب سماحته : الفتنة نائمة لعن الله من يوقظها . وكما أسلفت ، لا اسباب دينية او طائفية او مذهبية لوقوع هذا الشر المستطير ، ولكن بصراحة اقول واحذر ، اذا تمادى اصحاب الشأن في احتكار طوائفهم ، وجعلها متاريس للدفاع عن مصالح سياسية معينة داخلية او خارجية ، فانني أخشى ان تبلغ الامور مبلغا لا يستطيع حتى هؤلاء ضبطها . وقد شهدنا في الاشتباك الاخير في بيروت ، كيف بلغت الامور قعر الهاوية ، مع انتفاء الاسباب السياسية للنزاع ، عدا عن انتفاء الاسباب الدينية والمذهبية .
نعم أخشى ان بعض القوى السياسية في لبنان تلعب لعبة خطرة للغاية ، بدفع طوائفها مرة أخرى ، الى حدود الجنون والاقتتال . ولكن في المقابل ، ادعو ابناءنا في جميع الطوائف الى وقفة تأمل وتفكير ، في ما مر عليهم من تجارب سابقة ، وكيف قبضت الاحزاب المسيطرة في اول تسوية سياسية لاحت لها ، ثمن الدماء التي أزهقت ، او بدل المجهودات الكبيرة التي بذلت في التظاهرات والاعتصامات وغيرها . وادعو كل الناس الطيبين في كل الطوائف الى عدم الانجرار مجددا الى اتون الفتنة ، لان فيها خراب لبنان ونهايته ، كبلد للعيش المشترك وتفاعل الديانات والحضارات والنموذج الفريد للعيش المشترك ونؤكد على أن لبنان وطن نهائي لكل أبنائه.
التعليقات (0)