لا يختلف مليونان -1- في أنّ أغلب المجتمعات العربيّة تعاني من العصبيّة الزّائدة في الكثير من مجتمعاتها ...
فالتطرّف في العاطفة واضح ، إنّنا إن أحببنا أحدا نبيع من أجله القميص كما يقال
وإن كرهنا أحدا نسلخ من أجله جلودنا كرها ومقتا له
فسرعة الغضب دون تروّ هي القاسم المشترك
والعاطفة سيّدة الموقف فوق العقل في كثير من المواضع
سواء في الشّارع أو في الأماكن العامّة والخاصّة ،
فلأبسط سبب تندلع معارك كلاميّة
تتطوّر في عديد الأحيان إلى التّشابك والتّلاكم والتّقاتل ،
دون الأخذ في الإعتبار لروابط المواطنة والدين ، والقرابة ،
هذه النّفسية ، تستدعي معالجة عاجلة بنشر الوعي و بثّ قيم الإخاء وروح التّسامح الّتي هي ما يحثّنا عليها ديننا الحنيف والأخلاق العربيّة الأصيلة ، مع تغليب العقل والتّعقّل على العاطفة الجامحة .....
إنّنا إذ نذكر هذا فإنّنا نحمد الله على نعمة عدم وجود الأسلحة النّارية لدى كافّة مواطني البلدان العربيّة ، وإلاّ كان تعداد سكّانها نصف ما هو عليه الآن ـ مجازا ــ
حيث من البلدان الأجنبيّة من حين لأخر تأتينا الأخبار بحدوث مجزرة في إحدى المدارس أو المعاهد الأجنبية ،
على يد تلميذ ، اختلس مسدّس أبيه ، وأخفاه في حقيبته المدرسيّة ثمّ ارتكب به عمليّة تصفيّة رهيبة ضدّ زملائه ومعلّميه ،
إنّنا نحمد الله على تفطّن السّلطات في كلّ البلاد العربيّة لهذا الجانب الكارثي ،
فمنعت منعا باتّا الأسلحة الشّخصية ، الّتي هي حرّة في عديد البلدان الغربيّة ،
فلنتصوّر لو لا ذاك المنع الحكيم ماذا سيكون عليه الحال ؟؟؟،
لا شكّ أنّنا كناّ سنسمع على سبيل المثال من الخيال ،،،،
اندلعت اليوم في المدينة الفلانيّة مناوشة كلاميّة بين سائق سيّارة أجرة وسائق شاحنة ،
تطوّر الموقف ، فوقع تبادل للطّلق النّاري ،
قتل فيه سائق السّيارة ، وجرح فيه ٨ مواطنين أبرياء ،
أمّا في المدينة الفلانيّة ، اندلع نقاش ساخن بين بائع خضروات و أحد الحرفاء الّذي احتجّ على دسّ الخضاّر لغلال فاسدة ،
تطوّر الموقف ، فاستخرج الخضّار مسدّسه من ــ تحت الميزان ــ وأصاب حريفه في كتفه ، وجرح امرأة أمّ أطفال ،
أمّا في المدينة الفلانيّة ،
إندلعت معركة إثر فوز فريق في كرة القدم على منافسه ،
فاستعمل الأنصار مسدّساتهم ـ المحمولة ـــ فأسفرت المناوشات عن ٤٨ قتيلا و١٨٧ جريحا منهم ٩٠ في حالة حرجة ،،،،
وهلمّ جرّا من مثل هذه الأمثلة المتخيّلة ،
بحيث أنّه سيقع بثّ لنشرة يوميّة إثر الأخبار ،
بعد النّشرة الجويّة ، يسمّونها ــ النشرة الموتيّة ـــــ
تعرض فيه المقدّمة خريطة للوطن العربي ، وتبدأ في الشّرح ،
من المحيط إلى الخليج ،
وتعطي الأرقام على غرار مستوى الأمطار بالملم ، فتقول ، في هذه البلاد عدد القتلى اليوم ٦٢ وعدد الجرحى ٨٠ إثر زوابع عصبيّة بين رياح شماليّة وأخرى شمال غربيّة ،
والعدد المتوقّع في السّاعات القادمة في ارتفاع اعتبارا للمقابلة الكرويّة المنتظرة الخ ،،،،،
لذا نحمد الله ونشكره على هذا المنع ،
وعلينا أن نصلح أنفسنا ، ونراجع ذواتنا عن سبب هذه العصبيّة الكامنة فينا ،
لا شكّ وأن العديد منّا صادفته مواقف مشاحنات ، فقال في نفسه ، لو كان معي ـ فرد ـ أي مسدس لقتلت به خصمي دون تردّد ،
وذاك غلط ، على المرء في ذاك الموقف أن يتحلّى بالرّزانة ،
وأن يلتمس لخصمه عذرا ،
مثلا أن يكون مختلّ المدارك قليلا أو يكون مصدوما ،
كذلك عليه أن يذكر أنّ ديننا الحنيف والأخلاق السّمحة تحثّ على التّسامح
لينتهي المشكل سريعا على خير ، وليس في مراكز الأمن والمحاضر وغيرها حيث يندم المتسرّع حينها ويقول ليتني قبلت أن أضرب ، وليس أن أشتم فقط إن شتم ـ حتى لا أكون الآن عرضة للسّجن أو الخطايا على الأقلّ
وربّي يهدي الجميع إلى ما يحبّه ويرضاه ...
ــ1 ــ لم نقل حسب الكليشيّة المتعارف ، لا يختلف اثنان ، لأنّ الإثنين حتما سيقنع أحدهما الآخر سريعا ويتّفقان ، أمّا المليونان فصعب ذلك ، إذن عندما يتّفق مليونان على ما أقول فذلك له قيمة ومصداقيّة أكثر ، دون شكّ.
مع تحيّات أخيكم رضا التّونسي
التعليقات (0)