اليوم الثلاثين من حزيرن (يونيو) 2009 يوما استثنائيا ومميزا بكل المقاييس بالنسبة لنا نحن العراقيين . فهو يوم انسحاب القوات الأمريكية من المدن والقصبات العراقية الى قواعدها وفق الجدول الزمني اللذي اتفقت عليه الحكومة العراقية مع حكومة الأحتلال الأمريكي في الأتفاقية الأمنية كخطوة اولى نحو الأنسحاب الناجز في نهاية 2011 .
بالرغم من ان غالبية الشعب العراقي يرحب بالأنسحاب الأمريكي من المدن الا ان هناك الكثير من العراقيين المتخوفين من هذه الخطوة , خاصة بعد سلسلة التفجيرات العنيفة اللتي هزت العراق من شماله الى جنوبه دون استثناء في هذا الشهر والشهر اللذي سبقه . الأمر اللذي طرح تساؤلا عن جاهزية قواتنا من الجيش والشرطة لأستلام الملف الأمني من الأمريكان وقدرتها على التعامل معه بحرفية وبتمكن .هذا التخوف من المستقبل واضح جدا اذا ما مشيت في الشارع العراقي واستمعت الى اراء الناس . ففي احد المواقع الأخبارية نقرأ هذين الرأيين لأمرأتين عراقيتين .
امرأة أخرى عرفت عن نفسها باسم "أسماء،" وعبرت عن قلقها، قائلة "نحن نعتمد على القوات الأمريكية.. أما الآن فأنا خائفة من يوم الانسحاب. لكن ثمة مزاج احتفالي عند آخرين، إذ تقول عواطف عوض من سكان بغداد "شعوري هو شعور أي عراقي.. سأشعر بحريتي عندما لا أرى أمريكيا يجبر عراقيا على الوقوف في الشارع.
هذين الرأيين يعبران بوضوح عن الجدل القائم الآن في الشارع العراقي حول الأنسحاب الأمريكي مع افضلية واضحة للرأي الثاني المحتفل بهذا الأنسحاب . وفي الحقيقة فان كلا الفريقين لهم حجتهم القوية اللتي تدعم رأيهم . فالمتخوفين من هذا الأنسحاب يرون ان قواتنا العراقية لا زالت تفتقد الى الكثير من امور التنظيم والتسليح اللتي تؤهلها لنيل لقب جيش وشرطة نظاميين بالمعنى المتعارف عليه لهتين الكلمتين . فقواتنا المسلحة لا قوة جوية حقيقية لها , ولا هي تمتلك قوة دفاع جوي وصاروخي ولا حتى قوات مدرعة من دبابات ومدرعات حديثة . بل ان هذه القوات تفتقر للعدد الكافي من المدافع الطويلة والمتوسطة المدى . وتتمثل قواتنا البحرية بعدة زوارق دورية فقط لاغير . كما ان استخباراتنا ومخابراتنا لازالت في طور الأنشاء والتطوير وكثيرا من فروعها هي بيد الأمريكان بالكامل . ولا يخفى على اقل مواطن عراقي ان قواتنا كانت تعتمد ولا زالت على الجيش الأمريكي اللذي يمتلك كل هذه المعدات الثقيلة في تأمين الغطاء الجوي والكثافة النارية المطلوبة في العمليات اللتي تقوم بها داخل العراق وفي حماية الحدود البرية والبحرية لبلدنا . وكذلك على المعلومات اللتي تزودها بها المخابرات الأمريكية عن الأخطار الخارجية والداخلية .
كما ان هؤلاء المتخوفين من الأنسحاب الأمريكي من المدن يحتجون بعدم ثقتهم بكثير من السياسيين العراقيين واحزابهم . خاصة وأن معظم هذه الأحزاب قد بنيت على اسس طائفية وعرقية وليس على اسس وطنية . الأمر اللذي يخيف الكثيرين من اندلاع العنف فيما بين هذه التيارات والأحزاب مرة اخرى وجر البلاد الى المزيد من الدمار والقتل خاصة وان هناك شكوكا قوية بأختراق قسم من هذه الأحزاب للقوات الأمنية . مما قد يؤدي الى استغلال هذه القوات في مهمات تخدم حزب اوجهة معينة على حساب الجهات الأخرى . وكذلك يتخوف الكثيرين من استغلال الحكومة والقوات الأمنية لعدم وجود الأمريكان بالقرب منهم ومن ثم التعامل مع المواطنين بصورة لا انسانية وتعطيل الحريات ودور الرقابة الشعبية والصحفية وغيرها متحججة بالأرهاب وانعدام الأمن . وهذا ما كان واضحا في خطاب رئيس الوزراء نوري المالكي لقادة القوات الأمنية حين قال لهم بالحرف الواحد . (( لايهمكم اللذين يتخذون من حقوق الأنسان حجة لتحقيق نواياهم , واستمروا بأداء واجبكم مادمتم تعملون ضمن اطار الدستور والقانون وتحافظون على حقوق الأنسان )) ؟؟؟؟ .
كما ان مسألة حدود اقليم كردستان العراق الغير معرفة بصورة واضحة الى الآن وموضوع ضم محافظة كركوك اللتي تحتوي على اثنيات متعددة الى هذا الأقليم من عدمه , بالأضافة الى خلاف البرلمان العراقي والحكومة الأتحادية مع برلمان وحكومة كردستان حول الدستور الجديد للأقليم الكردي اللذي يمس وحدة وسيادة العراق في الصميم . وكذلك وضع قوات البيشمركة اللتي يراها معظم العراقيين ومنهم بعض الكرد على انها جيش ثاني غير الجيش العراقي وغير تابع للحكومة المركزية . بل ان التجارب السابقة اثبتت ان قوات البيشمركة هي قوات تابعة لحكومة كردستان فقط وتأتمر بأمرها حتى لو ان هذه الأوامر تقتضي مقاتلة قوات الجيش العراقي على عكس ما يردد الحزبين الكرديين من انتماء هذه القوات الى الجيش الأتحادي , الأمر اللذي ينذر بحروب مستقبلية بين الجيش العراقي والبيشمركة حين تأتي ساعة الحقيقة ويطالب كل طرف الآخر بهذه المنطقة او تلك .
وفي الحقيقة فأن جميع هذه الأسباب تعطي الحق بقوة للمتخوفين من الأنسحاب الأمريكي من المدن ويعتبر المشككين بجدوى الأنسحاب الأمريكي ان هذه القوات كانت بعبعا محايدا يخيف كل هؤلاء الفرقاء من اشعال الوضع الأمني في أي مكان من العراق .
الا ان رد الأغلبية المحتفلة بأنسحاب القوات الأمريكية من المدن العراقية على كل هذه التخوفات يتلخص بأن هذه القوات لازالت موجودة في العراق ولم تخرج خارجه . وبذلك فأن أي هجوم خارجي عل اراضينا لن يحدث . كما ان هذه القوات ستكون موجودة لأسناد قوات الجيش والشرطة عندما تكون الحاجة لذلك وهي توفر الغطاء الجوي والبري والبحري لها في عملياتها الداخلية , وبذلك نكون قد كسبنا دعم هذه القوات بدون حدوث المنغصات والأنتهاكات اللتي كانت تقوم بها قوات الأحتلال في الشوارع لحماية افرادها وتنفيذ مهام خاصة بها لا علاقة للحكومة بأهدافها . وكذلك يحتج هؤلاء المحتفلين بأن وجود هذه القوات الى نهاية 2011 سيمكن الحكومة العراقية من تطوير قدراتها التسليحية والقتالية لكي تكون قادرة على حماية العراق من أي خطر خارجي او داخلي قد يتهدده بعد الأنسحاب الأمريكي النهائي من العراق . فمن غير المقبول بقاء هذه القوات في العراق الى ما لا نهاية خاصة اذا ما اصبح وجودها غير مبررا مما يعطي العذر بمقاومة هذه القوات لأي عراقي يرغب بذلك وبالتالي يصبح وجود هذه القوات ان ذاك مبررا لأندلاع العنف مرة اخرى .
اني ارى في هذا اليوم فرحة لجميع العراقيين المتخوف منهم والسعيد بأنسحاب الأمريكان من المدن بمشاكلهم وتجاوزاتهم واحيانا جرائمهم اللتي لابد ان يرتكبوها بأعتبارهم قوات غازية تحمي نفسها اولا وقبل كل شيء . ولكن الكرة الآن في ملعبنا نحن العراقيين . فهل سنستطيع حماية مكتسباتنا الديموقراطية وحل مشاكلنا الأمنية والسياسية والتنموية . والقضاء على الأرهاب والفساد والطائفية والعشائرية وغيرها من المشاكل اللتي يأن تحت ثقلها المواطن بنفسنا ودون تدخل من احد .
اعتقد كمواطن عراقي ان الأمتحان الحقيقي لنا جميعا هو ليس التدخلات الخارجية من امريكا واسرائيل والعرب ودول الجوار مع اقراري بخطورة هذه التدخلات . وأنما الخطر الحقيقي الوحيد اللذي يتهددنا هو فشلنا في المصالحة الوطنية واستعادة الثقة ببعضنا البعض , هذا هو الأمتحان الحقيقي اللذي يجب ان ننجح فيه حتى نتمكن في النهاية من القضاء على كل التدخلات الخارجية لأنتفاء الأجواء المناسبة لديممومة هذه التدخلات على ارض العراق ولكي نكون جاهزين حينما تأتي ساعة خروج القوات الأمريكية الغازية ومرتزقتها من ارضنا نهاية 2011 . هذا الأنسحاب الناجز اللذي هو هدف جميع العراقيين في النهاية لكي يكون العراق حرا مستقلا وديموقراطيا في نفس الوقت . فهل سننجح في هذا الأمتحان ؟ . هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة مع يقيني بقدرتنا على ذلك اذا ما امتلكنا شيء واحد فقط اسمه الأرادة .
www.elaph.com/Web/AkhbarKhasa/2009/6/455865.htm
www.alsumaria.tv/ar/Iraq-News/1-33979-.html
news.bbc.co.uk/hi/arabic/press/newsid_8125000/8125648.stm
arabic.cnn.com/2009/middle_east/6/30/historic.withdrawal/index.html
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_8125000/8125957.stm
التعليقات (0)