قلب الجزائر العاصمة، يوم أمس السبت، والوقت الثالثة مساء إلا قليلا.. الصمت يخيم على الأمكنة، ليس صمت الموت وإنما صمت انتظار والقلوب تكاد تنفجر وهي تنتظر الصفارة السحرية للحكم. التي تحرر القلوب والحناجر، التي تحررت بالفعل بعد ذلك بقليل، ولم تتحرر الحناجر والقلوب فقط، وإنما صفارات السيارات والألعاب النارية التي نقلت أجواء الملاعب إلى قلب المدينة، ففي شارع ديدوش مراد اختلطت رايات مولودية الجزائرية التي تشبه العلم الإيطالي برايات العلم الوطني واختلطت سيارات الأمن بسيارات المواطنين إلى درجة أن البعض علّق بالقول: "حتى الدولة راهم يديفيلو"، فالفراغ الذي كان ملحوظا وغير معهود على ذلك الشارع تحول إلى زحمة شديدة يكاد يستحيل معها السير، لكن تلك الزحمة المليئة بضجيج أبواق السيارات وبالأغاني التي اختلط فيها الراي بالراب والعصري وحتى الشعبي العاصمي تتحول فجأة إلى فراغ عند شارع فيكتور هيغو الذي يحافظ دوما على هدوئه وأبهته ولا يتأثر حتى بمثل هذه المناسبات الاستثنائية التي تأتي على معظم الشوارع الأخرى.
عند أسفل الشارع عند ساحة حرية التعبير تعود الزحمة من جديد، زحمة السيارات المجنونة التي تحمل الأعلام، وتزول عندها كل التحفظات، فهذه امرأة تسوق سيارة يطل من أعلى نوافذها شباب يهتفون وينطلقون بشكل مجنونة، وتلك الفتاة المحجبة التي تخلت عن وقارها وأخذت تهتف وهي أعلى السيارة المسرعة. وعند الاقتراب من ساحة أول ماي، تختفي الأعلام "الإيطالية" المميزة لأنصار مولودية الجزائر لتمتزج الأعلام الوطنية بالرايات الحمراء والبيضاء المميزة لأنصار شباب بلوزداد، لكن الفرحة تبقى هي الفرحة في كل الأمكنة تقربا حتى عند حي "المجموعات" les groupes الذي تنقص عنده الحركة دون أن تختفي تماما. وتعود الزحمة من جديد مع شارع حسيبة بن بوعلي عند حي بلكور، ثم تتشكل أكثر فأكثر عند الاقتراب من ساحة أول ماي من جديد، وهناك كانت سائقة للسيارة وهي شابة تطلق العنان لفرحتها وهي تسوق مرة وتهتف مرة أخرى مع بعض الشباب الذين كانوا معها، ويزداد المشهد بهجة عند البريد المركزي ثم عند شارع زيغود يوسف وشارع أرنستو تشي غيفارا.
تلك النقطة لا تجد أثرا لرايات شباب بلوزداد التي تركنها عند ساحة اول ماي، لتحتل رايات المولودية والرايات الوطنية المشهد، وهناك في حي باب الوادي كان المطرب الشاب توفيق يصنع الفرحة بطريقته الخاصة وهو يحمل راية كبيرة ويتعاون مع بعض سكان عمارتين متجاورتيت على رفعها عاليا وعندما نجح في ذلك، أخذ يردد بعض الأهازيج، وهو يؤكد بأنه سيقيم حفلا عند الليل، و"الديسك جوكي راح يدير حالة" كما قال، وسوف يتم غلق الشارع، قبل أن يشاهد "لعبة نارية" في يد أحد الشباب الراكبين فوق السيارات، واخذ يجري ليستلمها منه.
التعليقات (0)