مواضيع اليوم

الطائر المحي في الفوندو

الطيب لسلوس

2010-01-06 18:42:42

0

 الطائر المحي في الفوندو

 

 

قراءة في ديوان كتاب الشفاعة/الشاعر عبد الله الهامل/الطيب لسلوس

 

 


كلما عدت إلى كتاب الشفاعة باحثا لشفاعة الكتاب فيه صدني كلام عبد الله المتوحد في طريقه القدري محتكما على جمرة القول الذي يهدد بالهاوية في كل كلمة. وكتاب الشفاعة هو اعتذار طويل للثرثرة التي سبق أن كان الشاعر يعيشها ضنا منه أنها ذلول الأرض وصلب مياه القول حين أفاق عبد الله على الصمت كان أول ما هاله محاوله تبرير ما يجعل الوهم صعب على التجاوز. مبرر كان لا بد منه. بحثا عن معقول يجعل كل ما كان من ماضي العمر هو بحث عن لحظة الشفاعة هذه بالذات بدأ مما كان يضن أنه منوط بالكلام عنه واكتشافه لحلاوة لعبة الكلام إلى شغفه بابتكار المعنى إلى وقوفه على حقيقة القول حقيقة القول كمستحيل واللعبة التي تتحول شيئا فشيئا من الطفولية وغبطة الجهل باللعب إلى لعبة خطرة بل ولعبة قاتلة ومأساوية . هكذا وبهذه الدهشة يقف عبد الله فاتحا شفاعته. وتبرئة لخطايا الطفولة التي كانت تتمتع بلعبة القول ضنا منها أنها حقيقة الأدب أو حقيقة الشعري.
مختتما نص الشفاعة تحديدا بندائه
يا المليكة المخبوءة في نوايا الظلال
تيهي كي أخرج من قدمي لمدائحي العطشى
هذه دهشتي تغادر بيت السؤال
وتتسلق الكتابة.
أما في البداية فرغم أن الشاعر متحرر من مفهوم الشكل للقصيدة مؤمنا أن الشعر يأخذ أشكاله التاريخية والجمالية من حالات القول والتجربة الشكلية في المعطى الثقافي غير أنه يصر على صياغة جملة تحيلنا بشكل قصري إلى النص العمودي بكل آدابه بدأ
من الوقوف على الطلل، ربما كان ذلك إحساس بهول ما سيقال وما سيقف عليه من خرابات المعنى والذي سيجره حتما إلى مغامرات تستعصي أحيانا عن تبرير نفسها لقد أراد من شكل هذه البداية قول أن روحي هناك مع امرئ القيس وطرفة غير أن سحب الماضي جسدا وروحا إلى هنا سيكون قمة الظلم لذلك الماضي الذي حق إذن أن ينام دافئا وجديرا بمكانه في حلقة التاريخ كما هي أنه احتقار لراهن الشكل والقول الذي من حقه أيضا أن يصوغ كينونته المميزة
وقوفا بها على الناي
أنتعل غيمة الصباح الأخير
آت في البكارة
الشمس لعينة والكلام رمل
آت في غفلة الخلائق
لا نار هيأتها النساء
وعلي أن احتطب من رماد وأفتح في الأمس موجة
تقود إلى باب الأنس.
في المقطع الذي يلي يحدد عبد الله مهمته كصامت وقته الوردة والضحك. عمله إضاءة الغيب بالصبوة. معلنا أنه مشاء على غرار الحكماء وقدماء والفلاسفة المشاءين ثم ها هو يوضح ملابسات مقامه الذي حتما هو مرآة من يراها سيظنها عين كباقي الأعين عين ستكون وفية لقراءة مخاوف العصفورة التي يطيرها الخوف اليومي الذي تقرأه في هذه الأرض التي كان من المفترض أنها خلقت لتحط عليها العصافير لا لتطير عنها. عاهدنا عبد الله أن يغني لها غناء يؤنس لها المكان لتحط . وسيكون من اجلها الطريق والظلال والسفر والتعب. أو بطريقة مسرحية سيكون هو المشاء الذي سيقرأ لنا بتأني مخاوف العصافير ويجيبنا عن أسباب طيرانها الدائم خوفا وذلك هو المكان الظل الذي أراد أن يقول عبد الله أنني أقف فيه وفاءا لتأنيس الوحشة وأن ما هو جدير به كلاعب هو تأنيس المجهول الذي يوقظ الكائن من مضجعه دافعا إياه إلى الانكماش والتكرار.

آت إلى وقت الوردة والضحك
أصدأ لأضيء علم الغيب بالصبوة
وأشرع في الهلاك المواتي لمشاء تلبس قدمه
الطريق والظلال والسفر والمتعب
في عيني عصفورة ترسم على كفي غناءها المستدير
وتقرأ الخوف.
في المقطع الثاني يخبرنا بأول مخاوف العصفورة التي رابط لها عند الشبهة التي تشبه شبهة حقيقة حجر الفلاسفة الذي بقي لغزا مفتوحا على التأويل يقول عبد الله بصريح العبارة أن كل القلق الوجودي والذي حول الإنسان إلى ذئب هو الفراغ الفراغ الخالق والمدمر في نفس الوقت فمن الفراغ نبدأ ونكمل عبث النشوء في الذكرى أو في الأسطورة الشخصية
وقوفا على الطين
سأسمي سببا للريح الأرجل لها رنين الشبهة الخبيئة
في الحجر الفلسفي
سأسمي عيون الذئبة في وحشة السكوت
كل شيء يبدأ في الفراغ
ويكمل النشوء عبثا في الذكريات
عندما وقف الشاعر على الكأس ارتد مباشرة إلى الذاكرة إلى الزمن الجميل وفي شبه حكم مطلق تولد نبؤته من أن كل خيمة وبرية ستعطي ستفسر سكر الطفولة بنفس ما يفسر تلك المعادلة التي ما ركبت حتى صارت تشبه الوحش الذي غاله في الصدى لتتداعى الذاكرة في أحلام الحب المبكر وربما يعود هنا إلى قصة شخصية طبعا يعتذر التعرف على ملامحها غير أن صداها واضح الوميض. مكابرا في الأخير على أن ما كان هو أيضا وهم إنساني مشروع مادام تحت ضغط الحرمان واللحظات الهاربة من الأسيجة واللحظات التي تنكب على تخليد نفسها ولو بالخطيئة أو الخطأ. فهاهو يسكن إلى عذابه لا أكثر من مزاج العشب في النمو يطلب ليقول ما سيكون لنا ما القلب، اختار التفاته لكل تلك الحياة الضاجة بالفراغ والعبث الإنساني مراهنا على الخسارات والنغمة المنسية من كل ذلك
وقوفا على الكأس أعطني خيمة وبرية
ومزود النسيان
أعطني ترجمانا للغياب يحرس السكر من وحش
غالني في الصدى
هاهنا يستمر في الانتباه
تنزع الأرض معاطف السنوات
لتدخل بين الوهم والسر طفلة الضفيرة
كانت إذا نظرت تشعل الينابيع والذكرى
وتوقظ من رقدة دمع القصيدة والجراح
كانت إذا هزت فستانها
ترث الكلمات الكارثة
والله شبق في الأرض الحرام
كانت إذا أومأت للغيوب
ينزل البهاء أطفال جميلون
ستنساهم الأمهات في السرب والسراب لا تعطني أكثر من مشيئة يد لها مزاج العشب
أنا ما اخترت غير التفاتة القلب
مطعونا بالسهو والصحو
اخترت الخسارة وفضيحة الروح
النغمة المنسية في اشتباه التلاحين
في الفصل الأخير يقف عبد الله على نار المعرفة والنبوءات مقسما بكل ما آمن به الإنسان أنه وهب كل روحه إلى هذا الهامش الثر.
في نص الشفاعة حرر عبد الله طائر الشعر من كل ما لزم النص من إيقاع وحتى الصيغ التقليدية للبلاغة غير أنه في شبه
توافق ورنين باعث لكل تلك الأشكال فهو واقف على الطلل الذي يتحول قليلا إلى غايات أوضح حيث يصبح الإنسان هو الطلل في صحراء العبث الهادمة ثم الوقوف على الخمر كما وقف الأسلاف لكن الخمرة التي تردنا إلى روح الزمن الجميل وليست خمرة نسيان الجسد مستعيدا الحب حبه الشخصي والذي لم يعد حبه الشخصي بل حب كل المحبين وجراح كل المحبين كأنها التكرار الأعظم متلبسا فيه وبه، إلى أن يقف على النار وحكمة ما جرب، النار التي صقلته ليكون هو، وليكون جديرا بالشفاعة.
كتاب الشفاعة هو ما وتر صلاة هذا الشاعر هناك في الأقاصي منسحبا إلى خيطه فجره الشخصي معلنا أن كل الخسارات التي سوف تبدو لن تكون أكثر خسارة من ضياع ذلك الخيط من بعدنا الحضاري ونسيان الإنسان المختلف عنا . عبد الله حارس الظلال النادرة في الصحراء، حارس المرآة الزرقاء لفجر يطل مؤجلا وينتظر التفاتنا إليه بصبر النبلاء. حارس أمراء الريح وممالك الريح الذين مازالوا يمسحون الأزرق من على وجوهم لعل صوتا ما ينصف الإنسان في التيه. فلتبق وترا في كل هذه الشفاعات الخرساء يا عبدالله
وقفا بها على النار
تيهي بأعراف النجوم
سأنبئك بتأويل الرقصة
فانسي حنانيك كي أضيع تماما
في طريق الطيور
تيهي بالصفات
يا المليكة المخبوءة في نوايا الظلال
تيهي كي أخرج من قدمي لمدائحي العطشى
هذه دهشتي تغادر بيت السؤال
وتتسلق الكتابة
عبد الله الهامل من موليد 1970 بمدينة بشار قرية تبلبالة من الجنوب الغربي للجزائر وهو صوت من أصوات الجيل الجديد مميزا بالنبرة الإنسانية التي طبعت قلق معظم هذه الجمالية الجديدة في المتن الشعري الجزائري له مجموعة شعرية بعنوان كتاب الشفاعة كما له ترجمات مسرحية ك(نهاية اللعبة) لصمويل بيكت و(جزيرة العبيد( و(عمود النار) يعكف حاليا على متابعة فرقة النسور المسرحية والتي مثلت انطلاقته الجادة والمؤسسة.
الفوندو: أحد الطبوع الموسيقية الخماسية التي تميز منطقة الجنوب الغربي وثقافة الرجل الازرق




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !