مواضيع اليوم

الصهيونية...وصناعة الانتصار على الهزيمة

حنان بكير

2010-09-30 23:24:17

0

 المؤامــــرة

 

على الأراضي السويسرية رأت الحركة الصهيونية النور عام 1897،  بانعقاد مؤتمرها  التأسيسي الأول  بمدينة بازل، الذي تزعمه تيودور هرتزل، هدفها  تأسيس وطن قومي لليهود. حدث هذا في  سياق مرحلة  تاريخية تميزت بنشأة اديولوجيات عنصرية استعمارية تعتقد بسمو العرق الذي يمنحها أحقية استعباد الاخر، في  مقابل وطأة  الوهن والتخلف العربي الذي هيأ الاراضي العربية لتصبح خريطة مستباحة  تنسج  حول أطرافها الممزقة مشاريع  استعمارية بخيوط التآمروالمصالح المتشابكة.

 

استمر نمو الحركة الصهيونية فيما بعد، وبشكل سريع، كنتيجة طبيعية لتعهد الغرب برعايتها وتقويتها تمهيدا لزرع جسدها اللاشرعى على أرض تقدسها  كل الشرائع السماوية.

 

دعم غربي لامحدود توَجه  وعد وزير الخارجية البريطاني  ، ارثر بلفور، عام 1917، للحركة الصهيونية ببذل حكومة لندن غاية الجهذ لتسهيل إقامة وطن قومي لليهود، مانحا بذلك شرعية الوجود في تجاوز واضح فاضح لكل حدود الشرعية الدولية.

تاسس كيان إسرائيل ، إذن، على أرضية تفتقر للشرعية وغنية بمزيج من  ايديولويجيا عنصرية  ودينية متشددة، أفرزت سلوكا وحشيا أعمى  جسد برنامج الدولة اللقيطة، والذي مافتأ يترجم بمسلسل تطهير عرقي بعد زرع كيان غاصب على أنقاض دولة حملت دوما إسم فلسطين.

 

 

مشروع أكد حقيقة وجود المؤامرة  التي غدتها الرغبة الغربية  الجانحة إلى الهيمنة على إرادة  العرب  لتقويض وحدتهم  وضمان استغلال ثرواتهم، فاستطاعت إسرائيل  بدعم امبريالى لا محدود زرع نفسها في جغرافيا  واسعة المجال  لتبدأ في تحجيم قوتها و تفتيت وحدتها.

 

إرهاب كيان

 

ارتكبت العصابات الصهيونية، في إطار مخططها الإرهابي و الإستعماري، أبشع انواع التنكيل والقتل في حق الفلسطينيين وأرغمت  الآلاف منهم على مغادرة أراضيهم والنزوح إلى دول الجوار في خرق سافر لكل الإتفاقيات و المواثيق الدولية لتتسلسل حلقات الإجرام الصهيوني في حق شعب أعزل  وتصل الى أقصى درجات القتل السادي  حيث أفرغت إسرائيل، مع مستهل عام 2009،  حمولة الحقد الفائض لديها في إحدى أعنف العمليات الإرهابية  في تاريخ العدوان الصهيوني، والتي كان عنوانها الكبير وقف حركة حماس ثم اجتثاث جذورها، في محاولة لرفع معنويات العسكر المندحر و استعادة هيبة اسرائيل الممرغة في تراب لبنان بعد فشلها في تركيع مقاومة حزب الله  الأسطورية.

 

سالت دماء كثيرة في غزة واختار العالم "المتحضر"  تتبع مشاهد القتل الوحشي للأبرياء دون أن تتسلل الرحمة إلى قلبه المتصل بقلوب البشرية  برابط الانسانية و التي لم تشفع  للمدنيين الفلسطينيين أمام وحشية الإجرام الصهيوني.

 

فماالسر، اذن ، وراء هذا الغياب الأخلاقي عن لائحة تسجيل الموقف الإنساني تجاه النكبات الفلسطينية المتواصلة، وما الذي يجعل من إسرائيل بريئة من تهم اقتراف جرائم ضد الإنسانية وتمتعها الدائم بحالة الإفلات من التنديد و  العقاب على حد سواء؟ ومالسر وراء احتفاظها بشهادة حسن سيرة وسلوك بالرغم من كل السوابق التي يطفح بها سجلها الدموي؟

 

 

قبل شن اي حرب عدوانية، يحضر مهندسوا الحرب في إسرائيل وخارجها خططا  على مستويين:

 

اولا / الجبهة السياسية:

 تتكثف اتصالات "تل ابيب"  ببلدان تعتبر مالكة  للقرار  العالمي خصوصا الولايات المتحدة  و بريطانيا وذلك لانتزاع موقف داعم لها في حربها المقررة وضمان اخراج  يهيء لها المناخ الملائم للمرور بسلام واختراق الأجواء لتوجيه الضربة تحت مسوغ الدفاع عن النفس. ولعل هذا يعد أمرا سهل التحقيق نظرا للولاء  الامريكي الكلاسيكي لإسرائيل و الدعم الغربي اللامشروط لها، إلا ان الأمر يتعلق  بتنسيق أكثر دقة وذهاء لدرء كل مامن شأنه أن يثير حرج امريكا و من والاها في الداخل والخارج وفق خطة مرتبطة بجدول زمني. لهذا وبمجرد أن تقرع طبول الحرب حتى تتحرك آلة الدعاية التي ترعى التضليل على كل المستويات في محاولة لتقديم المقاومة  كفزاعات وقنابل موقوتة  في حقول الإعلام وترويج هذا  المنتوج الجاهز منهجيا بين زبناء الشاشة.

 

والمعروف أن امريكا، و بمجرد إدراكها لاستحالة تحقيق إسرائيل للأهداف المتفق عليها ،  لا تتردد في الإستجابة لطلب الإستغاثة وتبادر لإنقاذ شريكها في الجريمة بتوريط دول الجوار في وساطة و  السهر على مايسمى وقفا لإطلاق النار، وحتى دون شروط مسبقة، و المساهمة إلى جانبها في مسح آثار الجريمة المقترفة للظهور بوجه الراعي للسلم لا الداعم للحرب والعمل على الحد من خسائر اسرائيل السياسية بحرمان المقاومة من تذوق طعم الانتصار . إنها الخطة المعدة سلفا  و التي كانت دوما ضمن جدول أعمال غير مصرح به في الندوات الصحفية التي تختتم زيارات ممثلي اسرائيل للبيت الابيض.

 

ثانيا / الجبهة الاعلامية:

 قبل ان تصوب إسرائيل سلاحها القاتل نحو صدر العرب، كانت تعمد، قبل دخولها المعركة الميدانية، إلى تغييب الضمير العالمي  تحت تاثير البروبغندا، سلاح لم يتقنه احد  غيرها من قبلها. إنه الكاميرا. كيف ذلك؟

 

  إسرائيل تعرف أكثر من غيرها  أن الحروب تدور رحاها في ميادين مرئية وغير مرئية ولهذا حرصت على إنجاز وإنجاح معركة تبريرها، كإجراء أولي، ثم حسم معركتها الدعائية عبر كل فنون الإعلام بتغطيتها على الجرائم المرتقبة، مرتاحة أصلا إلى الإنتصار الميداني المتوقع من جانبها و الذي يضمنه تفوقها المادي في العتاد والعدة.

 

 

وبالموازاة مع التحرك السياسي  ينشط جيش من المنظمات والجمعيات المدنية المتوغلة في النسيج  الجمعوي و المجتمعي  عبر التحسيس بالخطر الإرهابي المحذق والذي يتهدد العالم "المتحضر"، والذي تجسده حركات "إرهابية"  كحماس وحزب الله. هذا النشاط المنظم الذي يسهر على تخذير العقل الغربي ومن تم تحضيره لتلقي وصفات تضليلية قادرة على استلاب إرادته واستمالة عواطفه وبالتالي حشد دعمه الأعمى لأي هجوم موجه نحو مصادر

" الإرهاب ".

إلا أن أهم ما يجعل من إسرائيل الأقدر على التحكم في الشارع العالمي هو سلطتها المؤثرة على الإعلام الدولي من خلال لوبياتها المتغلغلة في القنوات العالمية و المتمترسة في قاعات تحرير الاخبار الدولية. فبفضل هذه المواقع الإعلامية تبدو إسرائيل خادمة للغرب وحاميته  من تسلل الإرهابيين إلى ترابه وذلك بتوجيه ضرباتها الوقائية المبررة.

 

 

وبالاضافة إلى خطط الدفاع والهجوم، تنشط حرب الردع الفكري والثقافي، فاليهود المتحكمون في صناعة  الإعلام والمتفوقون على غيرهم في  جبهة السينما جعلوا من الكاميرا سلاحا يحضر حروبها من موقع آخر يأمن إطلاق النار، بل و  يهدد كل متربص بها أو مشكك في أساطيرها ورواياتها بملاحقات عبر ردهات المحاكم  وحملات شعواء عبر أقسام تحرير الكلمات الأشد فتكا!  

رسالتها عبر كل القنوات إلى العالم كله : إن "المحرقة اليهودية"  أبقت على  اليهود دون غيرهم، ضحايا التاريخ وجب الوقوف إلى جانبهم ورفع القلم عن التنديد  بإرهابهم.

 

 

وإلى جانب كل ذلك يصطف جيش آخر لا يقهر من السينمائيين خلف أخطر الأسلحة في صناعة الرأي العام عبر توجيه الكاميرا  نحو المناطق الأكثر حساسية و إيلاما للضمير الغربي، ثم تعبئته للإنضمام إلى الشارع العريض أصلا من المتعاطفين مع "دياسبورا" اليهود وما تعرضوا له  من حملات اظطهاد على يد النازية خلال أربعينيات القرن الماضي.

 

 فبعد استنادها ايديولوجيا على تعاليم التلموذ لشرعنة وجودها على أرض فلسطين، جعلت إسرائيل ومنذ نشأتها أسطورة "الهولوكست" واقعة تاريخية ورأسمالا سياسيا وإعلاميا تستثمره في كل معاملاتها الخارجية  يعود عليها  بأرباح خيالية ومكاسب سياسية تضاعف من رصيدها المتنامي في بورصة المصالح الدولية التي لاتعرف القيم!

 

هكذا، وبفضل خيال واسع تسللت الصهيوية داخل قلب مفتوح على معاناة اليهود بعد أن خدرته بسيل من الروايات والافلام واطمأنت بعد ذلك الى ستجابة تلقائية لباقي أعضاء الجسد السياسي والمدني، فمشى وراءها أعمى يبارك خطواتها بعد كل جريمة ويمحو آثار عدوانها بخطواته في مختلف المواقع.

 ومن خلال كل حروبها استطاعت اسرائيل، وعبرسلاح من صنع اهلها، ابتزازمواقف سياسية لصالحها، وفي أسوء الاحوال انتزاع الصمت أمام جرائم طبعت وجودها  ما أهلها أن تتمتع بحصانة غير معلنة لم تعهد لأحد من قبلها على مدى التاريخ.

 

إنها السينما ، ذراع اسرائيل الدعائي، لعبت وماتزال دور المخلص لكيان اسرائيل.

 فبالرغم من كل جرائمها  المتكررة، تستطيع افلام قليلة تحويل الجلاد إلى ضحية ودفع دول معينة إلى التفكير ألف مرة  ومرة قبل التعبيير عن موقف تجاه المحرقة الفلسطينية التي تقف إسرائيل اليوم وراءها.

أضف إلى ذلك أنها تحتفظ  بحق الرد على العديد من الدول الكبرى عالميا، بتسخير ترسانة قانونية  وارشيفية في سيناريوهات ذكية،  في حالة تجرئها على انتقاد تحركها المعاكس للقوانين الدولية. والمعروف أن دولة كالمانيا ،مثلا، لم تستطع ان تتخلص من عقدة الذنب التي  تقيد مواقفها وتخنق قراراتها بالرغم من كل التعويضات الخيالية  التي قدمتها وماتزال للتكفير عن جرائم نظام هتلر البائد.

 

 

انهم على الاراضي السويسرية!

 

فعل السينما  صُرًف في الماضي كما الحاضر لصالح اسرائيل في الترويج لدعايتها وأكاذيبها ومنحها الوسيلة لإيقاظ الضميرلصالحها  في كل مرة تراه انفصل عن مخططاتها وهدد مصالحها. فالآثار التي خلفتها كل تلك التاثيرات الخاصة  و التي كان وراءها نجوم جسدوا ادوارهم امام الكاميرا، انغمست وانغرست في الذاكرة دون ان تستطيع كل تلك الصور الواقعية التي تنقل بشاعة الصهيونية في حق الفلسطينيين اليوم أن تحد من التعاطف المتنامي مع احفاد ضحايا "الهولوكست" بالامس.

 

  فمن خلال ذهاء بارع بنت  سيناريوهات ذكية  في مخيلة المشاهد حائطا سميكا منع تسرب حقيقة   اغتصاب الصهاينة  لفلسطين.

 

إنها السينما ، وعلى شاشتها الكبيرة رسم اليهود خرائط لمعاناتهم  أرشدتهم إلى احتلال قلب العالم بعدما نجحوا قبل ذلك بسنين في احتلالهم لأرض الفلسطينيين ولم تستطع دماء الأبرياء   في غزة  وغيرها تحت وقع  الهجوم الوحشي لإسرائيل أن تمحو تلك الصور المكدسة التي رسخها  الفن السابع في عقلية  الغرب ليبدو الإعتداء على أنه دفاع عن النفس، و الجريمة على أنها مجرد آثار حرب ضد الإرهاب .

هكذا، وفي الوقت الذي يخرج الكثير من مخرجينا عن النص السينمائي الرصين ويتجاهلوا الأحداث التاريخية اللامعة ويجعلوا من السينما مجرد فن بلا رسالة  بتصوير سخافات جنسية واقعية  وعرضه على أنه جرأة بالغة في التجسيد ،  حول عمالقة السينما  حدث  "الهولوكوست" ، في الحقل الفني، إلى مادة ملهمة لا تنضب في خدمة الخيال والإبداع السينمائي الدعائي،  وسياسيا  كدعامة إضافية بنت عليها حقا مشروعا لإقامة دولة لليهود المضطهدين وسلاحا ناجعا بين يدي إسرائيل لتصفية حساباتها مع البعض و تحيين الذاكرة كلما تطلب الأمر ذلك في كل وقت وحين.

 

فإذا  كان الواقع يشهد على القنابل المحرمة دوليا وهي تتساقط على رؤوس الأبرياء، تكفل الخيال  باحتلال مخيلة العقل الغربي واستلب بصوره إرادته وهو يتابع بتعاطف شديد شخصية  "إد ليلند"وهو يغالب الموت مقاوما الرصاص الذي اخترق ظهره من أجل إنقاذ  "ليندا "  اليهودية الذي جسدت دورها ميلاني كريفت، قبل أن يعانق الاثنان الخلاص على تراب الحياذ،  لينبعث حينها صوت يائس من بين الجنود الالمان: إنهم على الأراضي السويسرية!

 

 

 

  هو واحد من عدد هائل من الأفلام التي تعيد إحياء جانبا  من معاناة اليهود.  فتستقطب معسكرات  "الأوشفيتس"   عيون الرأي العام و تستحوذ على كل  مشاعره و تعاطفه ولم يعد مكان يكفي، في قلوبهم، للتعاطف مع  الفلسطينيين.

وإذا كانت المقاومة، سواء في جنوب لبنان أو غزة هزمت جيشا قيل إنه لايقهر، فإن إسرائيل تستطيع في كل مرة أن تجد طريقها للخلاص من مستنقع الهزيمة واستعادة دور الضحية عبر الشاشة بفضل اعتمادها على جيش احتياطي مدجج بمختلف المهارات الإعلامية و الفنية  يسهر منهجيا على حقن المشاهد بلقاح الذكرى لإبقائه  دوما على حالته الطبيعية!

 لهذا، وبعد لحظة انتشاء عابر، تنشط المعاقل  الثقافية الصهيونية في طرد شبح الهزيمة عبر كل الوسائل والتغطية على جرائمها المقترفة في حق الأبرياء وتتكفل لوبياتها باستغلال كل المواقع  للحفاظ على شيء من ماء وجه إسرائيل القبيح  فتضيع الإنتصارات الأسطورية  للمقاومة  في زحمة الإنتاج الإعلامي و الإخراج السينمائي .

 

إنه فن إسرائيل في صناعة الإنتصار على الهزيمة حين تعجز، أمام صانعي التاريخ  في فلسطين ولبنان، عن تحقيق الانتصار.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !