مواضيع اليوم

الشـخـصـيـة المـصـريـة فـي أزمـة حـقـيـقـيـة ...

أشرف هميسة

2011-02-06 13:41:16

1

يبدو بوضوح أننا فى أزمة حقيقية , و يمكنك أن تلاحظ ذلك حين تنظر فى وجوه الناس فستجد أنهم مأزومين غير سعداء , محبطين , مجهدين , تظهر على بعضهم علامات الضيق وعلى بعضهم علامات الإعياء و على بعضهم علامات الإنكسار و ستجد قليلين منهم سعداء أو مبتسمين و ستتأكد لديك هذه الملاحظة إذا كنت عائدا لتوك من خارج مصر وعقدت مقارنة بين ما شاهدته فى أهل البلد الآخر وما شاهدته فى المصريين فستجد الفرق واضحا فى نوعية الحياة و استمتاع الناس ( الآخرين ) بها وإذا فتحت التليفزيون أو قرأت الصحف فسوف يهولك كم الحديث عن الأزمات فى السياسة و الإقتصاد و التعليم و الرياضة و الخطاب الدينى و الأزمات الطائفية , وغيرها كثير , سوف تكتشف أن الحديث عن الأزمات يكثر دون حل لها , و هذا يصيب الناس بحالة شديدة من الإحباط و القهر و فقدان الأمل و قلة الحيلة , و لنأخذ على سبيل المثال مشكلة السحابة السوداء التى خنقت الناس وضيقت عليهم أنفاسهم و أصابتهم بالإنقباض و الحزن , فقد عقدت اجتماعات و جرت مناقشات و اتخذت قرارات و لم تنفذ و ظلت السحابة السوداء متحدية للجميع رغم أن حلها بسيط و يستوجب فقط وجود آلية فعالة و صارمة لنقل قش الأرز من الحقل إلى مكان يتم تصنيعه أو تدويره بشكل آمن , و هى عمليات كلها بسيطة , و لكن فقد إرادة الفعل و فقد التنظيم الإدارى و الإستهانة بصحة الناس و راحتهم جعل هذه المشكلة و مشكلات كثيرة غيرها تتراكم و تتحول إلى أزمات تخنق و تحبط الناس بلا مبرر . و ننقل هنا رأى بعض المتخصصين فى الطب النفسى و هم من رواده و أساتذته المعلمين , يقول الدكتور أحمد شوقى العقباوى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر فى رده على سؤال عن حالة الشعب المصرى و ما أصابه من تغيرات و ذلك فى ندوة بجريدة الأهرام تحت عنوان : " المصرى بين الأنامالية والمسئولية ": " إن المجتمع المصرى قد تغير و بالذات فى الثلاثين سنة الماضية , و لحقه التشوه , و أصيبت البنية الأساسية للشخصية المصرية , و آن الأوان لكل مهتم بالشأن العام أن يتنبه و يدرك أن التفكير – كما قال عباس محمود العقاد – فريضة إسلامية , و آن الأوان أن نفيق فهذه مسئوليتنا جميعا و فى طليعة المجتمع يكون المثقفون و يكون دورهم و يقول الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسى و رئيس الجمعية العالمية للطب النفسى فى حوار له فى إحدى الصحف : " .. فى الحقيقة لا يستطيع أحد أن يفصل بين السياسة و المجتمع و البيئة فكلهم يلعبون دورا واحدا , فمثلا لدينا بطالة و كبت للحرية و لا يوجد عمل جاد يؤدى إلى نتيجة , كما أن التعليم فى انهيار , و الصحة غير متوفرة , و هناك تلوث بصرى و سمعى و شمى , كل هذه العوامل تجعل المواطن محبطا , و الإنسان المحبط معرض لخمسة أشياء : لامبالاة , و فقدان المواطنة , و العنف و العدوان , و الإرهاب , و أمراض القلب و الإحباط له أسبابه السياسية و الإجتماعية و النفسية , فأكثر من 50% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر فكيف يبدعون و يخلقون و ينتجون ؟ , و هو ما جعل نحو 90% من المصريين لا يشعرون بالمواطنة , أى يفقدون الإنتماء " و يقول أيضا : " الشعب المصرى فى حالة من حالات الإستكانة و الخوف من المجهول و البعد عن الحكومة , ليس الكل و لكن الغالبية صاروا فى حالة خنوع و طاعة عمياء لأولى الأمر , و هذا أحد أسباب التأخر , فالحكام السابقون لم يحاولوا مشاركة الشعب معهم فكانت تلك هى النتيجة " , و يقول: " الجمود هو أخطر شئ فى الصحة النفسية للفرد , لأنه يقتل الإبداع و التفكير و الإنتاج و يحدث ركودا , كالذى نعيشه فى مصر , فكلما جلس الحاكم مدة أكبر كان الركود أكثر " 
       و نحن كنا في حاجة إلى ثورة الإصلاح و التغير  و هكذا  فالعلاج الحقيقي  في  العودة إلى الله و الإيجابية و تطبيق الدين المعاملة في القول و العمل :
1- كشف أبعاد شخصية الفهلوى و البدء فى تكوين اتجاها سلبيا نحوها فى وسائل الإعلام و فى المؤسسات التربوية و الدينية , و عدم التسامح مع كل من يمارس أى سلوك فهلوى على المستوى السياسى ( بالتزوير أو التهليل أو النفاق أو اغتصاب الشرعية ) أو المستوى الإقتصادى ( بإعطاء بيانات كاذبة و أرقام خادعة و أمانى لا تتحقق أو الحديث عن ازدهار خيالى ) أو المستوأنى الإجتماعى ( بدغدغة مشاعر الناس و إيهامهم بالريادة و التفوق و التميز الكاذبين و المخدرين )
2- كشف أنماط التدين الكاذب و الكذب المتدين و التدين النفعي , ثم إعطاء الفرصة للتدين الأصيل أن ينمو بشكل هادئ و طبيعى ليدفع الناس إلى تقوية إيمانهم بالله و تحسين علاقاتهم بالأرض و السماء و يدفعهم إلى العمل الجاد الحقيقى لعمارة الأرض و سعيا لرضوان الله ..
3- الإرتقاء بالحس الفنى و الجمالى لدى النشء , ذلك الحس الذى يجعلهم يرفضون القبح فى داخل نفوسهم ( التكوين الأخلاقى ) و فى خارجها ( المظهر البيئى ) , و يجعلهم صنّاعا للجمال و مستمتعين به كقيمة سامية تضفى على الحياة جمالا و بهاءا و نظافة و طهرا و استقامة ..
3- بناء الشخصية المنتجة : و هى " التى تعمل بجدية , و تستمتع بما تعمل , و تنتج و تدرك قيمة ما تنتجه , و لديها قدرة على الملاءمة بين الغايات و الوسائل , و تؤمن بأن الوصول إلى الهدف لا يتم إلا خطوة بعد خطوة , ليكون الهدف الكبير مجموعة أهداف جزئية , كل منها يمثل حلقة تؤدى إلى ما بعدها , و من تماسك و تتابع و تكامل هذه الحلقات يصل الفرد إلى إكمال السلسلة التى تنتهى به إلى الهدف .. تحسين أحواله و إعلاء شأن المجتمع ...
4- القدرة على الإعتراف بالخطأ و تصحيحه : و هذا ضد منظومة الفهلوة التى كانت تزين كل الأخطاء و تحول الهزائم لإنجازات و تكتفى بوضع المراهم على السرطانات القاتلة , و تخادع و تناور و تلف و تدور بلا نهاية أو فائدة , تلك المنظومة القاتلة التى تهدر كل الفرص للنمو و التطور الحقيقى , و تدع الأمور بأيدى الكذابين و المنافقين و المخادعين و الأفاقين . إذن حين تتغير هذه المنظومة المريضة و تحل محلها منظومة صدق و أمانة و شجاعة و قدرة على الإعتراف بالخطأ و تصحيحه فإن ذلك يغير واقع الحياة المصرية تماما و فى وقت أقصر مما يتصور الناس . و ربما يقول قائل : هذه أحلام و أمانى لا ترتكن إلى آليات حقيقية لتنفيذها , و هذا صحيح فأى مبادئ لا تحكمها و تحميها آليات تظل فى حكم الأمانى و الأحلام لفترة ثم تتآكل و تختفى مع الوقت . و لو عدنا إلى تجربة ماليزيا لوجدنا أن مهاتير محمد قد شكل لجنة مكونة من عشر أفراد يجمعون بين عمق التخصص العلمى و بين الصدق و الأمانة , وهذه اللجنة وظيفتها تلقى تقارير يومية من كل المؤسسات الإنتاجية الحيوية , و ترسم خطا بيانيا لكل مؤسسة داخل الخريطة الكلية للعمل و الإنتاج , و من ملا حظة هذه الخطوط صعودا و هبوطا كانت اللجنة تحصل على تقارير دورية عن كل الأنشطة الإنتاجية فى الدولة , فإذا وجدوا تدهورا فى أحد المؤسسات بادروا باتخاذ ما يلزم فورا لاكتشاف الأخطاء و تصحيحها على وجه السرعة . و كانت القيمة السائدة فى المجتمع الماليزى الصاعد هى الصدق تليها قيمة الجدية فى العمل و الإنتاج , تليها قيمة العمل الجماعى و روح الفريق , و هكذا استطاعت التجربة الماليزية أن تنجح "بحق فى الوقت الذى فشلت فيه التجربة المصرية التى قامت على الفهلوة ..
5- روح الفريق : حين أتيحت لى فرصة العمل ضمن فريق عمل متعدد الجنسيات اكتشفت لأول مرة " بشكل عملى و حقيقى "سر التقدم العلمى , و هو يكاد ينحصر فى ثلاثة عناصر بسيطة جدا و مهمة جدا ( و غائبة جدا من حياتنا المصرية ) : الأول : العمل الجماعى work Team الذى يعطى فرصة للإستفادة من الخبرات المتنوعة للبشر و يعطى فرصة للتراكم و التكامل, الثانى : منظومة العمل System ) ( التى تضع إطارا واضحا للعمل و تضع بداخله الخطوط التفصيلية التى تشكل هيكل العمل و مساراته بحيث تسير الأمور بشكل سلس و منتج و مؤثر و ممتع فى ذات الوقت , الثالث : تقارير دورية و التى تعطى فرصة صادقة و حقيقية لتقييم العمل و دراسة أوجه النجاح و الفشل فيه بغرض التحسين المستمر و الإستفادة من الأخطاء .. و تكاد تكون هذه العناصر غائبة بشكل خطير فى النسيج المصرى باستثناء بعض الأماكن القليلة , و هذا يجعلنا دائما نفشل فى الأنشطة التى تحتاج بشكل خاص إلى هذه الأشياء مثل المشروعات الصناعية الكبيرة أو المؤسسات الضخمة , أو الألعاب الرياضية الجماعية , و ربما يفسر هذا فشلنا فى بناء أنظمة سياسية و اقتصادية و اجتماعية فاعلة على الرغم من وجود عدد كبير من العلماء المتميزين فى كل هذه المجالات , و على الرغم من حصول المصريين على أربعة جوائز نوبل فهم يأخذون صفرا مخزيا فى الصلاحية لاستضافة المونديال الكروى ..
6- اكتساب مهارات "حقيقية " يحتاجها سوق العمل " الحقيقى " , و معذرة لاستخدام كلمة " الحقيقي طول الوقت , و السبب فى ذلك هو شعورنا بشبح "الشخصية الفهلوية " تحاول القفز طول الوقت لإيهامنا بأننا نفعل ذلك و نحن لم نفعله و هذه المهارات ليست فقط مهارات تقنية و إنما أيضا مهارات تنظيمية و إدارية كأن يتعلم مهارات القيادة الديموقراطية الحازمة و الراعية , و مهارات الجندية الواعية بدورها و قيمته فى غير تمرد إو إفساد , و مهارات التخطيط , فالعمل فى دكان أو ورشة يختلف كثيرا عن العمل فى مصنع أو مؤسسة ..
7 – إعادة الإعتبار لقيمة العمل الجاد و المتقن و المثابر , و ذلك بسحب الأضواء من الأفاقين و الكذابين و المتسلقين و المرفهين و المهللين و المنافقين , و تسليطها على من يعملون " بحق و حقيق " و تكريمهم و الرفع من شأنهم حتى يترسخ فى أذهان الناس و قلوبهم مرة أخرى القيمة العليا للعمل " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله والمؤمنون " , فالعمل لابد أن يقدر و يقيم و يكافأ على كل المستويات , و تصبح المرتبات و المكافآت و الترقيات مرتبطة ارتباطا دقيقا بحجم العمل و نوعيته و جدته ..
8 – الإصلاح السياسى الجاد و الحقيقى لإيجاد آليات تغلق الباب و للأبد أمام كل محاولات الإستبداد السياسى , ذلك الإستبداد الذى كان هو العنصر الأساس فى تشويه الشخصية المصرية على مر العصور رغم وجود عوامل صحة و قوة فى هذه الشخصية , لذلك يبدو الإصلاح السياسى عاملا علاجيا أوليا , و كان من المفترض أن نضعه فى مقدمة و سائل العلاج و آلياته لولا خوفنا من أن يبتلع بقية العناصر الفردية و الإجتماعية و يلغيها أو يهمشها , و لكنه فى الحقيقة جدير بأن يوضع فى مقدمة المقدمة نظرا لخطورته و أهميته و عصيانه على العلاج على مدى قرون طويلة , و ليس هنا مجال الحديث عن وسائل هذا الإصلاح و خطواته وآلياته وصعوباته و ها نحن الآن في أزهى مراحل الإصلاح على كل المستويات و التي تتطلب الإستقرار و الآمان و الإيجابية و الإحساس بالمسئولية من جميع فئات الشعب و نحن متفائلين بغد أفضل إن شاء الله ........ أسأل الله أن يحفظ مصر و شعبها من كل سوء و أن يلصح أحوالنا و يهدينا إلى سبيل الرشاد ................ أشرف هميسة


 




التعليقات (1)

1 - مصر ام الدنيا

محمود علاء - 2013-08-17 06:55:41

تحليل رائع و كما تفضلت استاذ اشرف مصر الحضارة تمر بضائقة و على الشعب المصري التحلى بمكارم الاخلاق و الشهامة و المروءة المصرية و العربية و يتعاونوا على البر و التقوى و نشر روح التسامح و جعل مصلحة مصر هي العليا لان رفعة مصر عز للاسلام و بارك الله فيك

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !