مواضيع اليوم

الشعب مش طايق بعضه

روح البدر

2009-12-26 17:30:48

0

بقلم:
إسعاد يونس


6 اغسطس 2009
الشعب مش طايق بعضه
أنا مدمنة برامج التوك شو.. بصفتى مواطن يريد الاطلاع على أمور بلده.. وبصفتى مذيعة سابقة لهذا النوع من البرامج ولى بها خبرة.. ولكنى أعترف أننى بدأت أنصرف عنها لما أراه من تكرار بها.. فما هو الجديد فى أن ترى مشاهد لناس مش طايقة بعض.. فى كل خبر يصحبه تقرير ترى الناس وقد كشر كل فرد فيهم عن أنيابه ويجز على أسنانه ويضم قبضة يده استعدادا لتشييع بونية فى جمجمة اللى قدامه.. فإذا ذهب التقرير ليغطى اعتصاما ما ترى الناس وقد اختاروا أن يبيتوا الليل فى الشارع أو فى مكان الاعتصام وهم مستعدون ومتأهبون لحضور الكاميرات.. بل هم واثقون أن الكاميرات ستأتى إليهم وسيتم دس الميكروفونات فى أفواههم لاستطلاع سبب الاعتصام.. وعندها ستنطلق الحناجر بالشكوى الصارخة من سوء الحال.. ولقد أصبح هناك ناس متخصصون فى تستيف كلام الشكوى ووضع أشد العبارات إيلاما للمسئولين علهم يسمعون أو يستجيبون أو يحركون ساكنا.

وعلى الصعيد الآخر، ترى المسئولين وهم يردون على تساؤلات مقدمى البرامج وهم يجزون على أسنانهم أيضا.. ويكذبون كثيرا وينمقون الردود حتى لا تغضب السلطة العليا التى تعطيهم ماهياتهم.. وهم مضطرون للكذب لأسباب مختلفة.. منها أنه ليس بيدهم شىء.. أو أنهم خائفون ومرتعبون من التصديق على شكاوى الناس لنفس السبب.. أو أنهم شايفين إن الناس ليس لديها حق فى الشكوى ولكنهم لا يملكون التعبير عن ذلك حتى لا تقوم قيامتهم.. فهم ناس أيضا.. يسكنون وسط الناس ويعانون مثلهم ولكن من أمور أخرى.. كل هذا لا يمنع أنهم غاضبون ويائسون.. هما لا طايقين الناس المعتصمة ولا البرامج التى تحقق وتشمشم ولا رؤسائهم ولا العيشة ولا اللى عايشينها.

وتلك التقارير التى يتم تصويرها فى قاعات المحاكم.. حيث الناس مش طايقة بعض ولكن بشكل شديد الغلظة.. تلك الجلسات التى تتحول فيها القاعات إلى ساحات للمعارك اليدوية.. الناس فى قمة الغضب والعصبية والترقب المتحفز.. وما أن يتم النطق بالحكم حتى تبدأ المعركة.. قرايب المتقاضين أو المتهمين بيدوروا الضرب فى بعض وفى المحامين وفى العساكر.. حتى إن الموضوع تطور إلى التهجم على القضاة.. يا نهار اسود.. هل لاحظ أحد أن القضاة فى قضايا كثيرة يدخلون إلى القاعة ليقوموا بتلاوة الحكم فى سرعة شديدة ويسارعون بالانصراف فورا قبل ما حد يتهور.. فى أحد التقارير رأيت مجموعة من الناس بينهم محامون.. يعنى قضاء واقف.. يقومون بالتهجم على المنصة فى فوضى غريبة واندفاع عجيب لا يحكمه أى عقل.. ولفت نظرى شاب منهم.. وقد تملك منه الجنون فأخذ يقاوم من يحاولون السيطرة عليه وأفلت منهم لينطلق جاريا فى القاعة وفوق الدكك وأخذ يتنطط وهو يخلع الجاكتة ويتقافز محاولا الوصول إلى المنصة فى سلوك انتحارى أهوج.. طب ده مش حاسبها؟.. يعنى وبعد أن يطال أحد القضاة مثلا ماذا سيحدث؟.. ماهو حايتلب علقة موت تكسحه ست اشهر لقدام.. طيب إيه الفكرة؟..

بالطبع ليست هناك أى فكرة.. سوى أن الغضب الأعمى لحس مخ الناس.

إذا تجولت فى الشارع ستجد الشعب تجمعه صفة واحدة.. كل واحد ماشى وعلى أرنوبة أنفه ذبابة من النوع الثقيل بتاع اليومين دول الذى لا يموت بالهش ولا بالنش.. بل يحتاج إلى مدفع رشاش لقتله.. وهذه الذبابة غير المرئية ليس لها من هم إلا اللهو والمرح بين فتحتى مناخيره.. ولا أدرى هل الفضل يعود للحكومة التى تدعم هذا الذباب فتصرف لكل مواطن دبانة وشه التى تدفعه للجنون وتجعله يسير وعضلات وشه بتلعب من العصبية.. ومنخاره يصدر أصوات خنفرة.. وحنجرته تزوم زومة اللى حايتدور فى أى لحظة ويعض ودن اللى جنبه.. فهو مواطن غاضب.. ولكنه يتعمد تجاهل حقيقة إن اللى جنبه أيضا غاضب.. يعنى حاتعض ودنه حايدب إيده فى مراوحك ويجيب صدرك فصوص.

بات هذا واضحا فى هذه البرامج بكل تفاصيله.. خناقات أعضاء مجلس الشعب وتعديهم على بعض باللفظ والقول والحذاء.. استعراض أوجه الخلاف فيما بينهم وتبادل الشتائم والشكاوى التى يقدمونها ضد بعضهم البعض والقضايا التى يرفعونها على بعض فيما هو خارج عن دورهم الحقيقى فى المجلس.. حقدهم على بعض ومعايرتهم لبعض.. الوطنى يكره المستقل.. المستقل ينبر على الوطنى ويعدد المزايا التى يحصل عليها بينما الوطنى ينكر ويفند.. الإخوانجى يكره الاثنين ويتمنى لهما الموت.. المكائد والدسائس والمصالح.. المجلس يعج بالكراهية والغضب.. جو غير صحى على الإطلاق.

المناظرات التى تتم بغرض تسلية المشاهد.. أصبحت لا تسليه ولا نيلة.. فخبث المعدين يظهر ويتألق عند جمعهم لجبهتين متضادتين.. الشيوخ والبهاءيين.. لجنة علماء الأزهر وأنصار الدكتور سيد القمنى.. المحامى المتفرغ لرفع القضايا وأى حد.. الشيخ صاحب البلاغات المقدمة للنائب العام وأى حد أيضا.. صاحب جمعية سى السيد وأى امرأة.. أنصار ختان الإناث ومحاربوه.. عربجية الكارو ومحافظ الجيزة.. عربات النقل بمقطورة والمرور.. متعثرون محبوسون أو هاربون ومديروى بنوك متحجرون.. متشددون وعلمانيين.. سنة وشيعة.. أصحاب مخابز ومفتشو تموين.. ناصريون وساداتيون.. مطبعين ولا مطبعين.. إلخ إلخ.

ويجلس المقدم بين المتصارعين ليدق ناقوس الحرب فيبدأ كل طرف فى الفتك بالآخر.. مستعرضين كل ألوان الكراهية والغضب والقرف.. والمقدم يمسك ببابور لحام ليضعه مرة تحت هذا ومرة تحت ذاك.. فتشتعل النار وتخرج الحمم ويتم تبادل كرات الحديد المصهور ويسقط أى وجه للتحضر حتى ولو كان مزعوما.. كأنها مصارعة الثيران أو الديوك.. ويتحول الصوت بعد برهة إلى دوشة مزعجة تتخللها شتائم سباب وفحيح وغرغرة وبلا أزرق.. والمقدم يبتسم فى خباثة.. فقد حقق النصر وحصل على السخونة وولع فى العالم اللى قاعدة واللى بتتفرج.

نوع آخر من هذه البرامج يتم الترويج لها بعبارة «حوار ساخن مع فلان» أى تعالى لتشاهدنا ونحن نستفز فلان وننغزه بالمسامير وندور ونلف حواليه ونهجم عليه بالأسئلة المنرفذة وندب صباع الاتهام فى بؤبؤ عينه عشان نطلع على جتته البلا.. ونسأل السؤال وننط فى حلقه فلا نعطيه فرصة ليرد.. وإذا رد بجواب شبه مقنع يلعب المونتاج لعبته العبقرية فيظهر الرجل وكأنه يهرتل ويتهته وكأنما نقح عليه عرق النسا وهو قاعد.

المشكلة أن لا أحد يراقب بشكل عام هذه البرامج بمجملها.. فهى لا تخضع لجهاز واحد.. ويبدو أن القائمين على البرامج لا يتابعون زمايلهم.. ولا يزنون بميزان صحيح حالة الغضب التى يساهمون فيها بدلق الجاز على البنزين.. فهم يأتون تباعا تفصل بينهم دقائق.. بل إن بعضهم يقوم بشعللتها أكثر عندما يرتدى ثوب المحقق ويستدعى الزبون على التليفون أو على الهواء بشخصه ويقلب خلقته ويبدأ فى تعنيفه والتطاول عليه متخذا وضع الناظر اللى حايذنب المواطن ويحط وشه فى الحيط «وانت إزاى يا بنى آدم انت تعمل كده؟.. إحنا مش جهة تحقيق ولا حاجة.. إحنا هنا عشان نهزأك ونضربك على البوبو على عملتك السودة دى».. وأول ما الزبون يبتدى يشرح يقاطعه المقدم فجأة بـ«الأستاذ فلان الفلانى شكرا على مداخلتك ».. ويقوم قافل الخط على زوره..

بالمناسبة.. عمرى ما فهمت إحنا كنا لما بنتذنب بيحطوا وشنا فى الحيط ليه؟.. كنت دائما أنفذ أمرا بأن أرفع إيديا لفوق.. وألطع وشى فى الحيط.. طب ليه؟..

المهم يا جماعة الخير.. الشعب مش طايق بعضه.. وهى ظاهرة تتفاقم مع الوقت وثبات الحال على ما هو عليه.. وماحدش عارف هو غضبان من إيه بالظبط.. هو غضبان من كل حاجة وأى حاجة وأى وكل حد..

أعود مرة أخرى لصديقتى الدكتورة هدى زكريا عالمة الاجتماع التى اتهمنى البعض أننى أفطر معها كرواسون وباتون ساليه فى حديقة الجامعة الأمريكية.. على اعتبار أنها وأنا مرفهين ومش حاسين بمواجع الناس.. كأننا مخلوقات آلية جاية من الفضاء ومش عايشين فى البلد دى.. يا دكتورة هدى.. ماذا يمكن أن يحدث فيما بعد؟.. إحنا رايحين على فين؟..


هل نتوقع أن يأتى يوم ونأكل بعضنا البعض؟.. أم أن الحل أن نتعرض جميعا لخطر داهم يهدد بالفتك بنا عن آخرنا فجأة ودون رحمة فنفيق وننتبه؟
..

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !