السينما المصرية مكمن الخطورة
في الماضي كانت السينما المصرية بروادها وإمكاناتها تشكل رافداً لصناعة السينما العربية ونافذة تواصل ثقافي ومعرفي مع العالم فضلاً عن كونها رافد اقتصادي ووسيلة توجيه سياسي اٌستخدمت بعد حرب النكسة وما تبعها من أحداث سياسية واقتصادية بمصر خاصة والعالم العربي عامة , السينما المصرية في السابق ليست كالسينما اليوم فكل شيء مختلف في طريقة العرض والنجوم والنصوص الكتابية السينمائية والإخراج والنقد الفني المهني !.
السينما فنٌ سابع كانت مصر تٌشكل قبلة للمنتجين السينمائيين والكٌتاب بعد أن سيطرت على السينما كصناعة ووسيلة مستمدةً تلك السيطرة من تاريخها الحضاري والفني الكبير والعميق , فالسينما المصرية امتداد للدراما والدراما المصرية امتداد للكوميديا التي هي ابنة المسرح البريئة والمسرح مدرسة الموهبة وبوابة العبور نحو الفنون والإبداع , الفنون بمصر حلقات مترابطة متكاملة من المجتمع وللمجتمع وللمحيط العربي والفضاء العالمي , اليوم تعيش السينما المصرية أزمة إنتاج وإخراج وكٌتاب ونجوم , فلم يعد للسينما المصرية أي دور في معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية بمصر باستثناء بعض الأدوار والمحاولات البسيطة التي يغلبٌ عليها الطابع الكوميدي والتهريجي المٌخل بالفكرة والهدف , أزمة السينما المصرية ليست طارئة بل هي ناتج طبيعي لتوريث الموهبة والصنعة , فالممثل يورث مهنة التمثيل والموهبة لأبناءه والمخرج والمنتج يورثان المهنة والصناعة والموهبة لأبناءهم توريث يقوم على ممارسة العمل ولا يقوم على تشجيع الموهبة في الأبناء ووضع أقدامهم على أول الطريق , ذلك التوريث الكارثي تسبب في ظهور أفلام سينمائية هشة وصعود مخرجين ومنتجين وممثلين على الساحة يفتقدون لأدنى المعايير والمهارات اللازمة وتسبب أيضاً في بروز كٌتاب نصوص وسيناريوهات مبتدئين تصدروا الساحة الفنية وأحدثوا فجوة عميقة في ذلك العالم الفني الكبير بتفاصيله وتاريخه .
السينما المصرية وفي ظل وجود مؤسسات مجتمع مدني تٌعنى بالشأن الثقافي والسينمائي كنقابة السينمائيين ونقابة الفنون تعيش أزمة عميقة لم يستطع معها الناقد الفني التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولم تستطع النقابات الفنية والمهنية التدخل لإيقاف تشويه ذلك الفن ومنع انهياره , غياب الناقد يرجع لجملة أسباب من أهمها انشغال الناقد بالدراسة التاريخية على حساب الاهتمام بتقييم الأعمال تقييماً فنياً فالناقد يخشى اتهامه بالوقوف ضد حرية التعبير وهنا الإشكالية التي جعلت الناقد يبتعد عن النقد الفني المهني ويبتعد عن متابعة الصحافة الفنية وأطروحاتها المختلفة , النقابات الفنية والمهنية تعيش أزمة صراع داخلي فالشأن السياسي المصري ألقى بضلالة على النقابات وحولها لمسرح صراع سياسي بين القوائم الانتخابية الفردية والحزبية مما تسبب في ضعفها وانصرافها عن دورها الحقيقي , تحول النقابات لساحة صراع بين الأحزاب السياسية ليس بالأمر الحيوي فالصراع يقتل قيمة النقابات ويحولها لكيانات هشة لا تستطيع تحقيق أهدافها التي وجدت من أجلها والجميع يتذكر صراع الأحزاب على نقابة المحامين " كمثال " في العام 2005,2001 و كيف حولها لنقابة هشة لم يعد المواطن المصري يثق بها بعد أن استولى على مجلس إدارتها نفعيون يقدمون مصالحهم الحزبية الضيقة على حساب المهنة والمجتمع وقضاياه المختلفة .
السينما المصرية أزماتها متعددة كتاريخها المتعدد ولن تعود للواجهة العربية والعالمية دون أن يستيقظ الناقد من وهم الوقوف ضد حرية التعبير ويستيقظ النقابي من غيبوبة الصراعات السياسية الحزبية فالنقابات مؤسسة مجتمع مدني ملك للجميع وليست مساحة وساحة للصراعات الحزبية الضيقة التي لا تقدم شيئاً لا للنقابة ولا للمجتمع واهتماماته المختلفة , السينما المصرية اليوم سينما تجاوزت الحدود والأعراف الفنية والأخلاقية تجاوز يشوه التاريخ المصري الحضاري والمعرفي والفني ويصوره على أنه تاريخ طاريء لا أصل له ولا امتداد حضاري له وهنا مكمن الخطورة والقضية الكٌبرى التي يخشاها القلة ويجهلها كثيرون !.
التعليقات (0)