الواقع أن مفهوم الدافعية كان محوراً لإهتمام العديد من الباحثين على اختلاف توجهاتهم الفكرية والنظرية، حيث يُلاحظ في الأدب الذي كتب عن الدافعية محاولات كثيرة لتوضيح هذا المفهوم، منها:
- الحالات الداخلية أو الخارجية التي تحرك سلوك الكائن الحي وتوجههُ نحو تحقيق هدف أو غرض معين، وتحافظ على استمراريتهِ حتى يتحقق ذلك الهدف.
- مجموعة الظروف الداخلية والخارجية التي تحرك الكائن الحي من أجل إعادة التوازن الذي إختل، فالدافع بهذا يُشير إلى نزعة الوصول إلى هدف معين، وهذا الهدف قد يكون إرضاء حاجات داخلية أو رغبات خارجية, وقد قد تباينت تعريفات الدافعية بإختلاف المدارس النفسية التي تصدت لتوضيح ماهيتها, ومن هذه التعريفات: من وجهة نظر المدرسة السلوكية: الحالة الداخلية أو الخارجية لدى الإنسان، التي تحرك سلوكه وأدائه وتعمل على استمرارهِ وتوجيهه نحو تحقيق هدف و غاية, ومن وجهة نظر المدرسة المعرفية : حالة داخلية تحرك أفكار ومعارف الإنسان وبناه المعرفية، ووعيه وانتباههِ، تلح عليهِ لمواصلة أو استمرار الأداء، للوصول إلى حالة توازن عرفية معينة, أما من وجهة النظر المدرسة الإنسانية: حالة استثارة داخلية تحرك الإنسان لاستغلال أقصى طاقاتهِ في أي موقف يشترك فيه، ويهدف إلى إشباع دوافعهِ للمعرفة ومواصلة تحقيق الذات.
نشأ الاهتمام بموضوع الدوافع منذ زمن بعيد نظراً للأهمية التي يحظى بها هذا الموضوع، وأثره الكبير في مختلف جوانب السلوك الإنساني، ورغم الاتفاق على مركزية الدافعية في الدراسات النفسية، إلا أن هناك تبايناً في التصنيفات التي اقترحها العلماء والباحثون للدوافع، ومن ابرز هذهِ التصنيفات:
- الدوافع الفسيولوجية والدوافع النفسية: تسمى الدوافع الفسيولوجية المنشأ بالدوافع الأولية، وهي تلك الدوافع التي تعرف لها أسس فسيولوجية واضحة، تنشأ من حاجات الجسم الخاصة بالوظائف العضوية والفسيولوجية كالحاجة إلى الماء والطعام والجنس, أما الدوافع النفسية فتسمى بالدوافع الثانوية، وهي تلك الدوافع التي لا يعرف لها أسس فسيولوجية واضحة كالتملك والتفوق والسيطرة والفضول والانجاز، وبالنسبة للإنسان فإن الدوافع الأولية أقل أثراً في حياتهِ، ويتوقف ذلك إلى حد بعيد على درجة إشباعها, أما في الظروف العادية فتبدو الدوافع الثانوية أكبر أثراً.
- الدوافع الداخلية والدوافع الخارجية: يعرف الدافع الداخلي بأنه تلك القوة التي توجد في داخل النشاط التي تجتذب الإنسان نحوها وتشدهُ إليها، فيشعر بالرغبة في أداء العمل والانهماك في المشروع الذي يطمح لإنجازه، فيتوجه نحوه دون تعزيز خارجي، إذ أن الإثابة أو التعزيز متأصلة في العمل أو النشاط ذاتهُ.
وبهذه المقدمة التعريفية عن الدوافع والدافعة يتضح لنا إن الدافعية صنفان ( داخلية " فطرية " ولدت مع الإنسان ودوافع خارجية والتي تمثل التعزيز الذي يحصل عليه الإنسان ليثير الدافع الداخلي ) فعمل الدوافع عند الإنسان قائم على أساسين هما أساس داخلي والآخر خارجي وأحدهما مكمل للآخر, وهذا هو صلب الموضوع الذي نريد أن نعرج عليه وهو دور الدافعية أو الدوافع في الأزمة العراقية, فكل المتصدين الآن للعمل السياسي في العراق توجد لديهم دوافع داخلية فطرية ودوافع خارجية تدفع بهم للسرقة والفساد واختلاس أموال الشعب, فالدافع الداخلي معروف وهو وجود الرغبة عند هذا السياسي أو ذاك من أجل ممارسة الفساد والسرقة, أما الدافع الخارجي فهو التحفيز أو التعزيز أو الإثابة التي يحصل عليها من قبل أطراف خارجية من أجل ممارسة الفساد والسرقة, كان يكون من قبل دولة أو من قبل أجهزة استخباراتية دولية, فاجتماع الدافع الداخلي والدافع الخارجي ولد هذا الفساد وهذه السرقات عند السياسيين الذين يحكمون العراق والنتيجة هي عراق الأزمات.
وكذا الحال بالنسبة للمتصدين لعنوان المرجعية الدينية المؤوسساتية النفعية وتحديداً السيستاني الذي كانت ولا تزال تدخلاته في الشأن السياسي العراقي سبباً في خلق كل الأزمات التي عصفت وتعصف بالعراق, فالسيستاني بالفطرة لديه الدافع من أجل أن يمارس الفساد بكل أصنافه وأشكاله المالي والأخلاقي وغيره وبوجد هذا الدافع الذي استغله المحتلين والذين بدورهم وفروا الدافع الخارجي كالمنصب والمال والجاه والسمعة والإعلام فإلتقت دوافعه الداخلية " الفطرية " مع الدوافع الخارجية التي تمثل التعزيز والمثير للدافع الداخلي, فكانت النتيجة هي إيجاد طبقة سياسية فاسدة إلى جانب تبرير للإحتلال وتواجده وفساده وتدخلات غير مسؤولة في الشأن العراقي جعلت من العراق يصبح أزمة كبيرة لم يقتصر تأثيرها على هذا البلد فحسب بل تعداه إلى أن تكون أزمة تعصف بالعديد من الدول العربية الإقليمية والمجاورة كسوريا والسعودية.
وأتصور نحن هنا قد أجبنا على تساؤل المرجع العراقي الصرخي الذي طرحه في محاضرته التاسعة من بحث " السيستاني ما قبل المهد إلى ما بعد اللحد " حيث استفهم المرجع العراقي الصرخي عن دوافع السيستاني التي جعلته يخدم المحتلين ومشاريعهم, وهذا بقوله ...
{{... يا ترى هل يوجد أي ضرورة أدّت إلى اتخاذ السيستاني مواقفه المشينة المخزية المضرة المهلكة الذليلة في التملق والتزلف والعمالة لنظام صدام ثم الانقلاب عليه والغدر به والالتحاق بركاب المحتلين وشرعنة دخولهم البلاد وإهلاكهم الحرث والنسل والعمل بكل طاقة لخدمة مشاريع المحتلين وتسليط الفاسدين وتخدير الشعوب وإرغامهم على القبول بالذل والهوان والخضوع والخنوع؟!! فلماذا فعل ذلك السيستاني؟!! وكان يكفيه أن يسكت وسيكون المحتلون بكل أصنافهم شاكرين له سكوته، بل سيغدقون عليه كل ما يستطيعون ثمنًا لذسكوته!!! فلماذا لم يكتفِ بالسكوت، فيحافظ على رجولته وكرامته وإسلامه ودينه وأخلاقه؟!! فهل الدافع ذاتي راجع إلى السيستاني نفسِه وأصلِه وطينتِه وتكوينِه الجسدي الأخلاقي؟!! وهل هو مطابق لما عند ابن تيمية؟!! أو أنه لأمر خارجي؟!! أو خليط بين الأمرين الذاتي الفطري التكويني والعوامل الخارجية المؤثرة؟!! ...}}.
وهنا رب سائل يسأل ما هو الربط بين الأزمة العراقية وبين السيستاني حتى ينتهي المقال بكلام يخص السيستاني, نجيبه بالقول إن كل ما يحصل في العراق من أزمات أثرت به ووصل تأثيرها للعديد من الدول المجاورة والإقليمية كان بسبب السيستاني وتدخلاته في العملية السياسية, فهو من برر للمحتل الأميركي ولكل مشاريعه وهذا بشهادة المحتل نفسه وبشهادة الفتاوى التي صدرت من السيستاني, وكذا الحال تبريره للمحتل الإيراني ولكل مشاريعه, ويضاف لذلك إن السيستاني هو من جاء بهؤلاء السياسيين الفاسدين من خلال فتوى وجوب انتخابهم على أساس طائفي مقيت, وكل ذلك مفصل ومثبت بالأدلة والبراهين, فدوافع السيستاني الداخلية والخارجية وكما وضحناها هي سبب الأزمة العراقية.
بقلم :: احمد الملا
التعليقات (0)