السعادة فن تذوق الحياة
يرى البعض أنه من الصعب تعريف السعادة بشكل دقيق , فهي تشمل أمور وأوضاع كثيرة ومتنوعة ومتشابكة , ومتناقضة أحياناً . فالألم والمعاناة تصنف غالباً بأنها من الأوضاع غير السعيدة , ولكنها في بعض الحالات تكون مترافقة مع سعادة , فالأم تعاني وتتعب في تربية أولادها والعناية بهم ولكنها غالباً تحصل على السعادة ولا تهتم بما عانت وتعبت . والمنتصر في الملاكمة يكون في أشد حالات الألم ولكن يشعر بسعادة الفوز التي تتغلب على آلامه . وفي الكثير من الأوضاع التي تستدعي التدريب والتعلم الطويل والمجهد كما في التدريبات الرياضية والتعلم في المدارس , نجد أنه عندما يتحقق النجاح أو الفوز تتحقق السعادة وتطغى على كل الألام والمعانات التي حصلت , وهناك لذة الإيثار والعطاء والتضحية , فالمهم هو الإنجاز الذي يتحقق ويحقق الرضا . وكيفية أو طرق تحقيق السعادة كان هدف غالبية العقائد والأديان والفلسفات , فالفلسفة الأبيقورية تعتمد البحث عن السعادة الذاتية وتحقيقها , ومذهب النفعية أو الزرائعية يعتمد البحث عن السعادة لأكبر عدد من الناس . والآن هو محط اهتمام متزايد من قبل علماء الاجتماع وعلماء النفس والقادة والسياسيين . ويرى بعضهم أن أهم عناصر السعادة هي :
الحصول على لذّات ومتع الحياة بالاستمتاع باللذات الجسمية الطعام والشراب والجنس . . يحقق السعادة وهو يؤمن لنا الصحة والحياة . الانشغال بأمر باستخدام القدرات وتحقق الإنجازات , مثال على ذلك عندما تستغرق في عمل أو هواية يمكن أن لا تشعر بالسعادة , ولكن فيما بعد سيتملكك إحساس عميق بالرضى لما أنجزته من نجاح , ولزمن طويل . الإحساس بمعنى أن تكون جزء من شيء أعظم منك مثال على ذلك كافة أشكال الانتماءات الدينية والعقائدية والاجماعية . الوقوع في الحب أو ولادة طفل يحقق السعادة . ربح المال أو اليانصيب . البقاء في أحضان الطبيعة . في الولايات المتحدة وحسب المسح الاجتماعي مصادر السعادة الرئيسية هي : العلاقات الأسرية , المال , العمل , العلاقات الاجتماعية , الصحة , القيم الشخصية والحرية .
إن السعادة الآن موضع دراسة موسعة من قبل قاعدة البيانات العالمية للسعادة . أسعد الشعوب حسب قاعدة البيانات العالمية هم الدنمركيون فالمالطيون فالسويسريون فالإيرلنديون فالكنديون , وأشقى الشعوب العراقيون والصوماليون .
تعريف السعادة
شكل ونوع وطبيعة السعادة , مقدارها وشدتها , حسية أو جسمية , نفسية , فكرية أو روحية .
إن السعادة في أساسها شعور وأحاسيس , فهي تابعة لوعينا وأحاسيسنا وبغياب وعينا ينتهي كل شيء . فالسعادة في أساسها تعتمد على تحقيق أحاسيس اللذات والمتع الجسمية والفكرية , وتحاشي الألم والمعاناة أو تخفيفهم أو التكيف معهم وتحملهم ريثما ينتهوا .
في الأساس لم يكن الكائنات الحية أحاسيس , فقد كان لديها أجهزة إعلام وإنذار توجه الكائن الحي وتساعده في تأمين مستلزمات حياته واستمرارها , فكانت توجهه لما يفيده وتحاشي ما يضره , وبعد ذلك نشأت الأحاسيس المقيمة باللذة والألم , وصار توجيه تصرفات الكائن الحي تابع أيضاً لشعور بهذه الأحاسيس اللذيذة أو المؤلمة . وصارت أهمية ومدى تأثيرها على تصرفات الكائن الحي تابع لمجال وقوة شعور الكائن الحي بهذه الأحاسيس , وبالنسبة لنا نحن البشر فإننا نملك شعور ووعي متطور وواسع جداً وهذا جعل تأثير أحاسيس اللذة والألم هو المقرر الأقوى لتصرفاتنا الواعية .
فالسعادة هي بمثابة مكافأة على استجابة أو تلبية دافع أو تصرف مفيد ( أو يعتبر مفيد ) تم القيام به وإنجازه , والألم هو بمثابة عقوبة لتصرف أو استجابة أو فعل ضار ( أو يعتبر ضار ) تم القيام به . وليس كل إحساس لذيذ يمكن أن يولد السعادة فالمخدرات والمسكرات هما مصدراً لذة وسعادة ولكنهم ضارين بالجسم والشخص , لذلك يتم تحاشيهما ولا يعتبرا مصدر للسعادة .
إننا مدفوعون لتحقيق الكثير من الدوافع ، كما أنه تنشأ لدينا وبشكل مستمر دوافع جديدة ، ونحن نشعر بالسعادة عند تحقيق دوافعنا ونشعر بالألم والإحباط عند عدم تحقيقها . والقضية الأساسية التي تسبب الفشل والإحباط وبالتالي الألم والمعاناة هي محاولة تحقيق مجموعة دوافع أو أهداف في نفس الوقت مع أن هذا شبه مستحيل ، لأن بعض هذه الدوافع متضارب ومتناقض مع بعضها ولا يمكن تحقيقها جميعاً في نفس الوقت ، ونحن لا نتبين أو ندرك ذلك لأنه غير واضح لدينا . وكذلك اختيار أهداف يصعب تحقيقها أو أن احتمال تحقيقها منخفض نظراً لإمكانياتنا أو ظروفنا يمكن أن يسبب لنا الألم والمعاناة , لذلك يكون من المهم تنظيم الدوافع والأهداف , وتوقيت تحقيقها , لكي نتمكن من خفض نسبة الفشل والإحباط إلى أقل حد ممكن ، وبالإضافة إلى ذلك الاهتمام بتحقيق أكبر قدر من دوافعنا الأساسية والهامة . ولكن كيف نحدد هذه الدوافع الأساسية الهامة ؟ ؟ إن هذا ليس بالأمر السهل أبداً . فأغلب الناس في الوقت الحاضر لا ينتبهون لذلك ، فهم يضعون أو يخلقون كثيراً من الأهداف غير المناسبة لهم ، أوهم يدفعون لتحقيق أهداف لا يستطيعون تحقيقها . وأهم الأمور كيف نتعامل مع الخسارة الحقيقية وما تسببه من معاناة واستيعابها والسعي لتخفيف تأثيراتها الضارة والسلبية .
تأثير السعادة الإيجابي نتيجة التغذية العكسية الموجبة التي تقويها وتضاعفها , وكذلك الأمر مع أحاسيس الشقاء والتعاسة .
لقد لوحظ أن الأشخاص السعداء يصبح لديهم جهاز مناعة أقوى ويتعافون من الأمراض أو من الجراحة أسرع من غيرهم , وكذلك يكونون أطول عمراً في الغالب . ويتميز الأفراد السعداء عن بقية الأفراد بأن أسلوبهم في الحياة والتعامل مع الأمور مرن ويمكن أن يتطور ويتعدل إذا لم تنجح خططهم , فيطورون طرق أخرى أكثر جدوى . بعض الناس محظوظين فيولدون ومفاتيح السعادة في يدهم ( أو كما يقولون : يولدون وفي فمهم ملعقة من ذهب ) , ولكن السعادة يمكن تحقيقها بواسطة طرق كثيرة متاحة .
وفيما يتعلق بعلم الدماغ فقد أظهر الدكتور " ريتشارد دافيدسون " أن للمشاعر السعيدة صلة بنشاط كهربائي أكبر في الفص الأمامي الأيسر من الدماغ , والمشاعر السلبية صلة بالفص الأيمن , فيظهر الناس السعداء نشاطاً أكبر في الفص الأمامي الأيسر , ويستهلكون غلوكلوز أكثر . وتظهر دارسة صور الدماغ أن الرهبان البوزيين ( وكذلك الراهبات المسيحيين وكافة المتدينين الحقيقيين ) أنهم أكثر الناس سعادة .
وبالنسبة لنا نحن البشر هناك مصادر وعوامل متعددة لها دورها في تحقيق سعادتنا أو شقائنا وهي : دور طبيعة الجسم وخصائصه وقدراته الموروثة , وبشكل خاص دور الأحاسيس . دور البيئة الطبيعية والمادية . دور المجتمع . دور الدين والعقائد والعادات والتقاليد . المعرفة والأفكار والإدارة . دور القدرات المتاحة , المال والجاه والسلطة . وللحصول على سعادة أكثر ومعاناة أقل . حاول تقبل الخسارة بروح رياضية , واتخاذ الإجراءات المناسبة لاستيعابها . حاول تخفيف لوم نفسك أو الندم قدر الإمكان .
دور الوراثة
إن للوراثة تأثير على المزاج والخصائص النفسية وبالتالي على سعادة الفرد , فبعض المورثات لها علاقة بكمية المواد الكيميائية في الدماغ كمادة السيروتينين التي لمستوياتها المنخفضة صلة بالشعور بالكآبة , وإذا بزيادة مستوياتها تزيل الكأبة وتحسن المزاج , ويمكن للمكسرات وبعض الفواكه تزيد أن ترفع من نسبة السيروتينين التي تسبب الشعور بالسعادة . والإنسان يملك قدرات وخصائص فكرية ونفسية كبيرة ومتنوعة تمكنه من التكيف بسرعة مع الظروف والأوضاع الجديدة , مما يؤهلة للبقاء حتى في أصعب الظروف وهناك دلائل وشواهد كثيرة على ذلك . فالإنسان مزود بخصائص وقدرات حسية موروثة هائلة التنوع وأكثر بكثير مما نتصور, فإذا أخذنا الأحاسيس الصوتية كمقياس , نجد أنه يمكن اعتبار كل حاسة بشرية أخرى تشبهها من حيث التنوع الذي يمكن الحصول عليه بالتلاعب بالدرجات و الترددات و الطبيعة. وكذلك هناك التنوع نتيجة الترابط والجمع والتداخل بين أنواع الحواس , فأحاسيس الطعام والشراب, وأحاسيس الحب , واللمس, والشم , والنظر.... وما تصاحبها من انفعالات متنوعة كثيرة, كلها يمكن العزف عليها مجتمعة في وقت واحد , كما تعزف الألحان الموسيقية في اوركسترا وبذلك نكون ما يشبه الأوركسترا التي تعزف أنواع الأحاسيس معاً . وبالإضافة لذلك هناك الأحاسيس المتطورة والخاصة بالإنسان وحده مثل الأحاسيس الدينية والفلسفية والفكرية والروحية , والأحاسيس التي نجمت عن الفنون وبشكل خاص الأدب والسينما . وهناك أحاسيس المرافقة للانفعالات وهي كثيرة ومتنوعة, مثل أحاسيس الحب والغيرة والخوف والحقد والغضب والزهو والفخر... الخ . وبالإضافة إلى ذلك نجد عند الإنسان بشكل خاص أحاسيس جديدة تكونت نتيجة الحياة الاجتماعية والثقافية. وتتفاعل هذه الأحاسيس مع بعضها عند حدوثها معاً, فتولد مشاعر ووعي متطوراً ومعقداً, والأحاسيس الأخلاقية والدينية والروحية والفكرية والفنية وباقي الأحاسيس الاجتماعية المتطورة هي مثال على ذلك.
إن إحساسي اللذة والألم هما غالباً مرتبطين ببعضهما , وهامان وضروريان لتوجيه وحماية الفرد وتطوره نحو الأفضل . ولكن نجد أن أغلب الأهداف الاجتماعية , والعقائد والأديان , تسعى إلى تقليل الألم والمعاناة , ولكننا نجد أن اللذة والألم وباقي الأحاسيس والانفعالات وما تنتجه من تأثيرات حسية وعاطفية بأنواع وأشكال كثيرة قد نشأت وتطورت لأنها حققت فاعلية في توجيه الكائن الحي ليحقق بقائه بتكيف مع الواقع الموجود فيه , إن كان مادياً أو اجتماعياً . فاللذة أو الألم , والانفعالات والعواطف كالغضب والخوف والحب والكراهية والشجاعة والغيرة والتنافس على المكانة وعلى التفوق , لهم الدور الهام والفعال في توجيه وتكيف الفرد مع البيئة ومع الأوضاع الاجتماعية . إن دور اللذة والألم هام جداً وفعال جداً للحفاظ على الكائن الحي وعلى نموه , فاللذة والألم هما حاميان ومنظمان لجسم الكائن الحي .
إننا كلنا نطلب اللذات ونحاشي الألم . فالهدف الأساسي المعلن ( أو غير المعلن ) للجميع هو لذة أكثر وأقوى وألم أقل أو معدوم . فالسعادة مرتبطة لدينا بشكل مباشر باللذة والممتع وتحاشي الألم . وأيضا هي مرتبطة بشكل غير مباشر بتحقيق المفيد وتحاشي الضار , وبتحقيق الدوافع والغايات أو الأهداف والإنجاز .
تأثير الإشباع والملل
أن تأثير رائحة الطعام يتغير بشكل كبير حسب كون الشخص جائعاَ أم شبعان ومتخم , وكذلك الدافع الجنسي وغالبية الدوافع . وهذا مثل الوضع في إرواء أي حاجة أو دافع , فعند حدود معينة يصبح الأرواء غير مؤثر ويحدث الملل , ويمكن أن يتحول إلى العكس فيصبح مؤلم كما في تناول الطعام بعد الشبع . تظهر دوماً دوافع ورغبات إلى الأحاسيس الجديدة عند الذين لم يعودوا بلذّة القديمة فهم ملّوا منها لأنها لم تعد تمنحهم تلك الأحاسيس التي يرغبونها .
السعي لمشاركة الآخرين نفس الأحاسيس
إن أغلبنا يسعى لنقل أحاسيسه وأفكاره للآخرين , لأن إحداث نفس الإحساس لدى الآخر يؤدي إلى حدوث تغذية عكسية موجبة تقوي هذه الأحساس , فعندما أشاهد منظراً جميلاً أو أسمع صوتاً جميلاً أو أتناول طعاماً شهياً... أسعى إلى من يشاركني هذه الأحاسيس, لأن مشاركة الآخر تعزز وتقوي إحساسي وتزيد من متعتي . إن هذه الخاصية , زيادة قوة الأحاسيس نتيجة مشاركة الآخرين, ناتجة عن تغذية عكسية موجبة للأحاسيس, كما في المجال الفيزيائي , والأحاسيس التي يشعر بها الإنسان أكانت فرح أم حزن . . . يمكن أن تنتقل إلى الآخر بواسطة التعابير والإيحاءات واللغة .
دور المجتمع وتأثيراته
الفرد هو جزء من المجتمع وينعكس عليه ما يتعرض مجتمعه من أمور , وهو في الأساس يكتسب أو يرث من مجتمعه لغته وثقافته وعقائدة وعاداته , ودور المجتمع وتأثيراته علينا الآن وبشكل خاص دور العقائد والأديان الموجودة , بالأضافة للتأثيرات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتكنلوجيا الأخرى التي توسعت الآن بشكل كبير وصارت تأثراتها حاسمة في مدى تأثيرها على سعادة ورفاهية الأفراد .
إن للعلاقات الاجتماعية تأثيرات كبيرة وواسعة وهي مصدر سعادة وأيضاً يمكن أن تكون مصدر شقاء ومعانات , فنحن الآن نعيش ضمن دول لها خصائص الطبيعية , ولها أنظمة حكم , ولها أوضاعها السياسية والاقتصادية , ولها عاداتها وعقائدها , وهي تتأثر بباقي الأوضاع الدولية السياسية والإقتصادية , وكل هذا ينعكس على أفرادها إيجاباً أم سلباً من ناحية سعادتهم أو شقائهم . فهناك دول تؤمن لأفراها مجالات واسعة لرفاهيتهم وسعادتهم , إن كان من ناحية الموارد الغنية بها أو من ناحية أنظمة الحكم والإدارة , وهناك دول أخرى أوضاعها صعبة تفرض على غالبية أفرادها المعانات والحياة الصعبة .
يفرض المجتمع على الأفراد أمور كثيرة فتأثير العلاقات الاجتماعية ودور العقائد والتقاليد الاجتماعية هام وفعال في مساعدة الفرد على تحمل الأوضاع القاسية . فهي تكون إيجابية فتساعد الفرد وتدعمه في تحمل الخسارات والأزمات الكبيرة , وهي أيضاً تفرض علية التنافس والصراع مما يؤدي لتعرضه لضغوط ومعانات كبيرة . فتأثيرات الحياة الاجتماعية والحياة الأسرية بشكل خاص , والعادات والتقاليد , ودور الإيحاء والعدوى بانتقال المشاعر بالمحاكاة والتقليد حلوها ومرها , والأعياد والحفلات المأتم والتعزي , هام جداً ومؤثر بشكل كبير علينا .
دور الأديان والعقائد والمعرفة .
إن للتدين دور كبير وأساسي في تحقيق السعادة فهو يمنح الإنسان مجالات واسعة من السعادة ويساعده بشكل كبير على تحمل أو تقبل مشقات الحياة والتكيف مع الأوضاع الصعبة التي تسبب الألم والمعانات . فالحياة فيها الحلو وفيها المر , فيها اللذة والسعادة والهناء وفيها الألم والمعانات , فيها النجاح وفيها الفشل , فيها الربح وفيها الخسارة . وكان هدف كافة الأديان الأساسي التعامل مع ظروف الحياة حلوها ومرها " الإيمان بقضاء الله خيره وشره ", بالإضافة إلى دورهم الأساسي في تنظيم وضبط العلاقات الاجتماعية .
فالأديان والعقائد قامت ببناء ونشر أفكار ومناهج للتعامل مع الواقع تحقيق التوافق بين الدوافع والرغبات مع ما هو متاح وما يمكن تحقيقه . إن رجال الدين الناجحين و المؤمنين الحقيقيين هم مثال على الناس الذين نجحوا في اختيار وتنظيم وتحقيق دوافعهم وأهدافهم ، لذلك هم يحصلون على أكبر قدر من السعادة ، نظراً لأنهم يحققون غالباً أكبر قدر من دوافعهم ويتعرضون لفشل وإحباط أقل .
إن المتدينين الحقيقيين هم مثال على الناس الذين نجحوا في اختيار وتنظيم وتحقيق دوافعهم وغاياتهم ، لذلك هم الذين يحصلون على أكبر قدر من السعادة ، نظراً لأنهم يحققون غالباً أكبر قدر من دوافعهم وأهدافهم , ويتعرضون لفشل وإحباط أقل . إن المصائب الكبيرة القاسية كموت أبن أو أم أو شريك أو فقد ثروة كبيرة أو مرض شديد . . , يكون التعامل معها بفاعلية عندما يكون الشخص مؤمناً بالله أو بعقيد , إيمان قوي وحقيقي , وعن طريق هذا الإيمان و كيفية التعامل مع هذه الأوضاع , يستطيع هذا اشخص التعامل مع هذه الأوضاع القاسية بفاعلية وأفضل ما مكن , والذي يسمح بتحمل وتجاوز أو تحمل هذه المصائب القاسية . فالأديان والعقائد قامت ببناء ونشر أفكار ومناهج للتعامل مع الواقع تحقق التوافق بين الدوافع والرغبات مع ما هو متاح وما يمكن تحقيقه . إن الدين من أهدافه الأحاسيس الجميلة والسعيدة ولكن ليس هذا هدفه الأساسي فهدف الدين الأساسي هو الخير والمفيد للفرد وللمجتمع , وهذا يجعل الدين يتفوق على الأدب في إقبال الناس عليه وهذا ما نلاحظه بوضوح .
دور المال
علاقة المال بالسعادة هي موجبة كلما كانت الحاجة إليه كبيرة , وعند زيادته لحدود معينة يصبح تأثير الزيادة غير مؤثر . لقد لوحظ أن حصول المكاسب والربح يولد السعادة والغبطة ولكن يعود معظم الرابحين إلى حالتهم السابقة ويصبح الأمر عادي , بعكس حصول الخسارة أو الهزيمة فأن تأثيرهم يستمر فترات طويلة .
في إحدى الدراسات سئل طلبة جامعة هارفارد فيما إذا كانوا يفضلون كون راتبهم 50 ألف دولار في السنة بينما يكون راتب الآخرون 25 ألف دولار , أم أن يكون راتبهم 100 ألف دولار بينما يطون راتب الآخرين 250 ألف دولار . فكان رد الأعلبية الخيار الأول وهو الذي يكون راتبهم أكثر من راتب الآخرين وأن كان قليل . وتأثير الربح بعد خسارة وتأثير الخسارة بعد الربح . وتأثير الوضع العام على الربح والخسارة .
الإمكانيات والقدرات المتاحة للشخص
هناك حالات وأوضاع تؤثر بشكل كبير وجزري سلبي أو إيجابي على إمكانية تحقيق سعادة الشخص , وأهمها الأوضاع الاقتصادية والمادية أكانت غنى أم فقر , الأوضاع الجسمية الصحية أم المرضية , وإعاقة قدرات أو تفوق قدرات , الأوضاع الاجتماعية والسياسة الموجود فيها الشخص .
كيف نحقق المزيد من السعادة :
إن تحقيق السعادة والهناء في الحياة يلزمه عوامل ومهارات كثيرة , ودراسات منهجية دقيقة , ويجب أن يدرس في المدارس والجامعات والحياة العملية . فبواسطة الدراسة والعلم يمكن البحث عن مصادر السعادة وما يعطي للحياة معنى , و تحدد عوامل وطرق تحقيق السعادة . أننا الآن نتذوق الفنون من طعام وشراب وحب وموسيقى وأدب وسينما....الخ بالإضافة إلى تذوقنا للعلاقات الاجتماعية من صداقة وتعاطف وانتماء وحب تملك وحب سيطرة.... و الكثير منا يحصر مجال تذوقه في وجبات معينة ويدمن عليها, فهناك من يجمع المال أو أي نوع من جمع الممتلكات ويتذوق لذة الجمع هذه وهو على الأغلب سوف يعاني ألم الخسارة التي لا بد من حصولها غالباً , وهناك من يسعى لتذوق أحاسيس السيطرة والتحكم والفوز بالصراعات والتنافسات فهو دوماً بين قطبي اللذة والألم الربح والخسارة وحياته الحسية مبنية على ذلك. ولكن تذوق الأدب و الفنون يكون غالباً في مجال اللذة والسعادة بكميات غير محدودة ولا تقيدها آلية الشحن والتفريغ , كما في حالة إرواء الدوافع والغرائز الأساسية - مثل لذة الطعام المحدودة بالجوع والشبع-, و ليست خاضعة لضرورة الارتفاع المستمر في المستوى أو الشدة للاستمرار في الحصول على اللذة والسعادة , فالفنون بتنوعها وكثرة مجالاتها تسمح بتجاوز الإشباع والتحديد للأحاسيس .
أن ممارسة اللذات النفسية والفكرية وما تحدثه من أحاسيس وشعور بالراحة والأمل والسعادة منتشر بشكل كبير بين الناس . فالأعياد والحفلات والمهرجانات , و كافة وسائل التسلية والمرح , وطقوس العبادة والصلاة والشعائر الدينية والعقائدية تتضمن دوماً أحاسيس ومشاعر جميلة وسعيدة , لذلك يمارسها الجميع .
إن مشكلة التعامل مع الآلام من أهم المشاكل بالنسبة لكل منا .
إن الألم واللذٌة هما المتحكمان والموجهان لأغلب استجاباتنا وأفعالنا , والألم واللذة الجسمية في بداية حياتنا شامل لكافة تعاملاتنا مع الوجود , ثم ينشأ بعد ذلك ونتيجة التعلم والتربية , الألم النفسي أو الفكري الذي يحدث دون مؤثر مباشر على المستقبلات الحسية . فالتعامل مع الألم واللذة الجسمي يكون بالاستجابة والفعل المناسب في أول الأمر بتحاشي الألم والسعي للذة , و التعلم يحقق التحكم بهما في حدود معينة . أما التحكم بالآلام الجسمية بشكل فعال فهو يتم عن طريق المخدر والعقاقير . أن الآلام واللذّات النفسية تبدأ في التشكل نتيجة الحياة والتربية , فتربط الكثير من الاستجابات المحايدة , باللذة أو الألم , فالتوبيخ والشتيمة والاستهزاء والتحقير , وكذلك الخسارة والهزيمة . . . , تنتج الكثير من الآلام النفسية للذي تعلٌم معانيها . وكذلك المديح والافتخار , والربح والفوز.... تنتج اللذة والسعادة . إن الآلام وكذلك اللذّات النفسية تبدأ في التشكل نتيجة الحياة والتربية , فتربط الكثير من الاستجابات المحايدة , باللذة أو الألم , فالتوبيخ والشتيمة والاستهزاء والتحقير , وكذلك الخسارة والهزيمة . . . , تنتج الكثير من الآلام النفسية للذي تعلٌّم معانيها . وكذلك المديح والافتخار, والربح والفوز. تنتج اللذة والسعادة .
إن المنشئ والمتحكم بالآلام واللذات النفسية هو النتوء اللوزي ويساعده المهاد . فهو عندما يقرر نتيجة تقييم مثير ما , أنه ضار , يطلب أيضاً توليد إحساس ألم نفسي مرافق , فهو بذلك يحول الضار إلى مؤلم , مثلما يحول المفيد إلى ممتع , فهو كما يقولون منشئ أحاسيس العواطف والانفعالات . فالدماغ القديم ومن ضمنه النتوء اللوزي هو الذي يعتمد التقييم وإنتاج النجاح والفشل أو الربح والخسارة وبالتالي الشعور باللذة أو الألم . والممثل بالغرائز والانفعالات الموروثة وما تم تعلمه في بدايات الحياة , غالباً يكون سلبي ومعيق , لأنه برمج في ظروف قديمة مختلفة عن غالبية الظروف والأوضاع الحالية , فهذه البرامج وما تنتجه من استجابات يمكن أن تكون غير فعالة ومعيقة . وهذا مثال يوضح كيفية تعامل عقلنا في التقييم الأمور :
لنفرض أنك بحاجة ماسة لمبلغ 50 ألف ليرة لكي تجري عملية ضرورية لإبنك ولم تستطع تأمينه , وفي طريقك ناداك رجل فذهبت إليه , ودون أن يكلمك أخرج من محقظته 100 ألف ليرة وأعطاها لك . ما هو وضعك الآن ؟ إنك حتماً لا تعرف كيف تشكر هذا الرجل لكرمه وعلى ما فعله لك , إنك في قمة السعادة الآن . في هذه الأثناء مر رجل آخر فناداه الرجل اللذي أعطاك النقود , ومن ثم أعطاه 200 ألف ليرة . ما هو وضعك الآن ؟ ؟ إنك حتماً لم تعد سعيداً مع أن مشكلتك الكبرى قد حلت , ويمكن أن تستاء , إنت تفكر , لماذا أعطى الرجل الآخر أكثر مم ما أعطاك , إنه لم يعد كريماً في نظرك كما كان , وسوف يتغير تقييمك للوضع بشكل كبير .
إن ما يدخل إلى ساحة الشعور هو المهم , فهو الذي يعالج ويقيم وينتج الاستجابات والتصرفات , ففي كثير من الأحيان يكون المهم غير مدرك أو غير منتبه إليه أو غير معروف , ثم يظهر وينتبه إليه وتجري معالجته ويحدث تأثيراته , وعندها يحدث الندم ويتضخم الشعور بالخسارة والفشل . وهنا يظهر الدور الهام للتمهل والتروي والتفكير العقلاني المنطقي بالأمور لاعتماد الاستجابات والتصرفات المناسبة والمجدية .
يمكننا التحكم بتقييماتنا وأحكامنا واستجاباتنا إذا غيرنا انفعالاتنا من الحزن إلى الفرح أو من الإحباط إلى الضحك , أو من الخوف إلى الشجاعة,......الخ , فبعض الناس يلجأ للضحك في أو ضاع خاسرة لكي يحول دون إفراز المواد التي تجعل مزاجه سيئاً , لأن الضحك يؤدي إلى جعل المزاج جيداً , فهو- أي المزاج الجيد واللذة والسعادة- كان ينتج بشكل أساسي عند الفوز والنجاح والنصر, فعندما يضحك الإنسان على خسارته أو فشله تكون استجابة هذه فعالة في التعامل مع الأوضاع السيئة الخاسرة, فإنه بذلك يحول فشله إلى نصر ولو بشكل كاذب لتلافي النتائج المزاجية السيئة الناتجة عن الفشل أو الخسارة , فالنكات تزدهر في الأوضاع السيئة والصعبة لما تحقق من فاعلية في التعامل مع هذه الأوضاع.
إن مراكز التقييم في الدماغ هي التي توجه وتتحكم بغالبية استجاباتنا وأفعالنا وعواطفنا , والمهم هو كيف نؤثر على هذه المراكز لنحقق أفضل تكيف مع الأوضاع الموجودة ونحقق في نفس الوقت أهدافنا الأساسية في الحياة بفاعلية وكفاءة, ولا نجعل الأمور غير الهامة أو البسيطة تتضخم وتسبب لنا المشاكل التي ليس لها داع .
فن تذوق الحياة والوجود .
لقد توسعت الخيارات المتاحة للإنسان للأحاسيس بشكل هائل وأصبح أمام خيارات واسعة جداً, ومع ذلك فالكثيرون منا محافظون ولا يرغبون ولا يسعون إلى التغيير أو التجديد مع أن المتاح لهم يمكنهم من الشعور بأحاسيس لا تقارن من ناحية الجمال واللذة والسعادة بما تعودوا على الشعور به وأدمنوا عليها , والملاحظ أن غالبيتنا يقتصرون أو يتعودون على أحاسيس لذيذة أو جميلة معينة وفي مجالات معينة ويدمنون على تناولها , إلى حد يصعب أو يستحيل عليهم تذوق أحاسيس أخرى مختلفة عنها . إن بنيتنا الفسيولوجية والعصبية بالإضافة إلى بنيات المجتمع و غيرها من البنيات تفرض علينا أحاسيس معينة وأيضاً تقيد خياراتنا في تذوق هذه الأحاسيس .
قدرات الإنسان الواسعة على التكيف مع الأوضاع الصعبة : الملاحظ أن للإنسان قدرات كبيرة على التكيف مع أصعب الأوضاع وأقصاها ( نفسياً وجسمياً ومادياً ) أكانت أوضاع طبيعية مدمرة وقاصية أو أوضاع اقتصادية أو سياسية سيئة أو حروب وصراعات طاحنة , وتحمل المعانات والصبر والمثابرة وإيجاد الحلول البديلة , والتغلب على المشاكل والأزمات .
صحيح أن هناك أوضاع وحالات قاصية جداً يصعب أو يستحيل تجاوزها مثل خسارة غزيز إبن أو أم أو زوجة , أو خسارة مالية كبير لا يمكن تحملها , أو مرض عضال , أو أوضاع أسرية أواجتماعية قاسية جداً . . الخ ويكون الحل في هذه الحالات هو الصبر والتحمل , وبمرور الزمن يتناقص بالتدريج تأثيرات هذه الأوضاع السيئة أو تتبدل الأوضاع للأحسن .
التعامل مع المصائب الكبيرة القاسية والتي تسبب آلام ومعانات كبيرة , كموت أبن أو أم أو شريك أو فقد ثروة كبيرة أو مرض شديد . . . هذه المصائب يكون التعامل معها بفاعلية عندما يكون الشخص مؤمن بالله أو بعقيد إيمان قوية , وعن طريق هذا الإيمان , يستطيع هذا اشخص التعامل مع هذه الأوضاع القاسية بفاعلية وأفضل الممكن , والذي يسمح بتحمل وتجاوز هذه الخسارات القاسية . وغالباً مرور الزمن يخفف من تأثيراتها ولكن إلى حدود معينة , فمهما حاول الإنسان نسيانها فستظل في ذكرته يتكرر تذكرها , ولكن ألمها يكون غالباً محتمل .
إن من أهم عوامل السعادة حسن إدارة الإنسان لأمور حياته . و هذا تابع لذكائه وما يكتسبه من معارف ومعلومات وعادات جيدة , فالحياة مليئة بعوامل المعاناة والألم والشقاء بالإضافة لعوامل السعادة واللذة , فتحاشي عوامل المعاناة وتحقيق السعادة والمتع والتكيف مع الأوضاع والظروف , والاهتمام والاعتناء بالجسم وصحته , والتغذية الجيدة والراحة والرياضة والترفيه . . , وتحاشي الأوضاع أو الخاسرة أو السيئة , والسعي لتحقيق الإنجازات والنجاحات الممكنة والمتاحة , وفاعلية التعامل مع الآخرين والأوضاع الإجتماعية والمادية والتكيف المناسب معها , كل هذا مرتبط بطريقة الشخص في إدارة أمور حياته .
التعليقات (0)