كم من حروب أريقت فيها دماء الملايين , وكم من ثورات حولت مجرى التاريخ وكلها نشأت لأسباب غاية فى البساطة ,وقد تكون نتيجة تصرفات فرد واحد فى المجتمع , وأنا أكاد أجزم أنه لولا ما قام به الشاب التونسى البوعزيزى لما كان العالم العربى يعيش المشهد الذى يعيشه الآن بكل ما فيه من دراماتيكية بل وغرائبية , هذا الشاب قام بحرق نفسه احتجاجا على مصادرة الشرطة للمركبة البسيطة التى كان يحصل من العمل بها على مقومات حياته الأساسية , وقد حرك هذا الموقف ضمير الإنسان التونسى فهبت جماهيره فى ثورة شاملة إلى أن تم عزل زين العابدين بن على , وبالطبع فقد تأثر الشعب المصرى بهذه الثورة فخرجت جماهيره فى 25 يناير 2011 مصممة على إسقاط نظام مبارك مرددة نفس الشعار ( الشعب يريد إسقاط النظام ) إلى ان تحقق لها ما أرادت , , وأثناء فترة تشبث مبارك بالسلطة كانت العبارة الدارجة على ألسنة الثوار هى : لسنا أقل من الشعب التونسى / ثم انتقلت عدوى الثورة إلى ليبيا واليمن وسوريا التى لا تزال تعانى ويلاتها حتى الآن , وهنا أطرح سؤالى : ما هو المفجر الأول لهذه الثورات ؟ هل هو طلب الخبز أم طلب الحرية أم نصرة الإسلام ؟ والإجابة على هذا السؤال ليست سهلة بل هى إجابة مركبة نظرا لتداخل الأهداف من ناحية وتنوعها لدى قطاعات الجماهير من ناحية أخرى . وإذا نظرنا إلى شرارة الثورة الأولى التى أشعلها البوعزيزى فواضح أنها كانت من أجل مقومات الحياة :أى أن الخبز كان هو الدافع الأول لما قام به الثائر التونسى , كذلك حين هبت الثورة المصرية ورفعت شعاراتها / عيش حرية كرامة إنسانية كان الخبز فى المقدمة وما حدث فى اليمن قريب من ذلك وإن إضيف إليه بعض الصراعات القبلية , ولكن ما حدث فى ليبيا كان انفجارا ضد حاكم طاغوتى المنهج خارج على المتعارف عليه بين الحكام حتى المستبدين منهم . إذن كان الخبز دافع من دوافع الثورة ولكن يبقى أن الذين ثارت ضمائرهم فى تونس والذين مهدوا للثورة فى مصر من شباب الفيس بوك إنما كانوا من الفئات الاجتمتعية الميسورة ومن قطاعات على درجة من الثقافة , من هنا فإن الثورات العربية لا يصح أن توصم بهذا العار التاريخى وهى أنها ثورة جياع بل إن التوق للحرية كان هو العامل الأقوى والأشد تأثيرا فى قلوب الجماهير وحشدا لصفوفهم , ذلك أنه لا يستطيع أحد أن يجادل أن دول ما أطلق عليه ثورات الربيع العربى كانت تحكمها أنظمة استبدادية قمعية تريد تأبيد السلطة لها وتوريثها بعدها , إذن كان الخبز والحرية هما محرك الثورات وحاشد الجماهير ولم يكن دافع الدين قد ظهر بعد , ولكن الغريب الذى يجب أن يتوقف أمامه المؤرخون طويلا ويعكفوا عليه بالتحليل والدرس أنه بمجرد سقوط أنظمة الاستبداد السياسى حل محلهافى الساحة دعاة نصرة الاسلام وأخذوا ينسبون الثورات لهم ولحشودهم متناسين أنهم -خاصة فى مصر - كانوا قد أعلنوا عدم مشاركتهم فى الثورة , وبعد انطلاق الثورة كان زعماؤهم يقومون بالتفاوض مع النظام لمساعدته فى إيجاد مخرج له , ناهيك عن إعلان التيار السلفى تحريمه الخروج على الحاكم , . أريد أن أقول إن الشعوب العربية غندما قامت بثوراتها حفاظا على كرامة الحياة التى لا تتحقق إلا بالحصول على رغيف الخبز دون مهانة ,وبالحصول على حرياتها الأساسية دون قهرأو قيد يفرض عليها ان تكون عقارا يتوارثه الأبناء عن الآباء . إذن لماذا يقف الإسلاميون الآن محاولين أن يقيموا استبدادا باسم الدين يجعل الاستبداد السياسى بالنسبة لاستبدادهم بردا وسلاما , وإنه لمن المروع للقلب أن الكثيرين من الذين تحمسوا للثورات العربية من عشاق الحرية صاروا الآن يراجعون أنفسهم ويعتبرون أن الانظمة الدكتاتورية رغم سوء ممارساتها إلا أنها أقل بشاعة ودموية من برامج وتوجهات الذين يتصورون أنهم وكلاء الله فى الارض , من كان يتصور أن الكثير من المصريين يتمنون مباحث امن الدولة وديكتاتورية مبارك بعد ما رأوا من إرهاب الإ‘خوان , وأن الكثيرين من الذين كانوا يعتبرون حزب الله حزبا إرهابيا صاروا يتمنون انتصاره فى مساندته للأسد دفعا لإرهاب أشرس فى دمويته وإرهابه وتعطشه لدم البشر . وأخيرا أرجو أن تكون قيادة مصر الآن قادرة على أن تحرس وتصون هبّة الجماهير المصرية فى 30 يونيه لتكون رائدة لأمتها فى تحقيق ثورة الحرية وجعل الدين علاقة خاصة بين الإنسان وخالقه . نعم الحرية قبل الخبز لان الشعوب التى حصلت على خبزها بوفرة ورخاء لم تحصل عليه إلا بعد حصولها على الحرية التى بها وحدها يرقى الفكر ويصفو الضمير وتسود المشاعر الإنسانية بين البشر فينطلقون لبناء حضارتهم دون قهر أو وصاية أو استعلاء
التعليقات (1)
1 - استرداد أموال المصريين خط أحمر
شريف هاشم - 2013-10-02 12:09:59
كان من الممكن أنْ لا أصدق أخباراً يتناقلها المصريون وغير المصريين عن مليارات نهبها مبارك ورجاله وقاموا بتهريبها لولا أنني استمعت بأم أذني إلى الرئيسة السويسرية وهي تتحدث في 17 يوليو 2011 عن الأموال الهائلة باسم مبارك التي لا يطالب المصريون باستردادها من السلطات والبنوك السويسرية. حفنة متشابكة من الطلاسم غير القابلة للفهم أو الاستيعاب أو العرض على العقل أو الاستعانة بالمنطق لفك جزء منها! كل مصر، من عهد المشير إلى الآن، وكل من حمل في صدره ضمير الوطن من قضاة ومستشارين وعسكر وأكاديميين ومثقفين وإعلاميين وسياسيين وحزبيين ومتمردين وثوريين ورجال دين أغمضوا عيونهم عن سرقة القرن، وكلما قرأوا عنها أو أشار أحد إليها صكــّـوا وجوههم، وصموا آذانهم كأن في الحديث عن جريمة الجرائم ثعبانا يلدغ اللسان والعين والأذنين في نفس الوقت. كل المصريين، مع استثناءات لا تراها العين المجردة، يخشون أو يترددون أو يحجمون عن الاقتراب من المنطقة الحمراء، وهي أموال شعب تم نهبها خلال ثلاثين عاماً فأفقرته، وضيّعته، وأوقفت التنمية، وأبطأت عجلة الحياة، وضاعفت جائعيه، وخرَّبت مؤسساته. كأن عفريتا من الجن الأزرق يلتصق بكل ورقة خضراء نهبها لصوص في عهود سوداء، فإذا لمستها أو أشرت إليها أو حرضك ضمير يقظ، لســَــعـَـتك فلا تدري أهي نار جهنم قبل موعدها أم نار السلطة تحرق القلوب ولا تحرق أوراق النقد! إجماع عجيب من شعبنا في مصر على عدم الخوض في هذا الأمر، حتى القضاة وهم يجلسون تحت شعار يحثهم على العدالة، ويستمعون لاتهامات النيابة وهي تعرض جرائم الرجل وعائلته وحكمه القميء لثلاثة عقود، تغض الطرف بعدها عن أموال الشعب المنهوبة. في الشهور الأولى بعد ثورة 25 يناير سمح المشير طنطاوي لعائلة المخلوع بالاستجمام في شرم الشيخ، وتحريك وتهريب وتحويل والتلاعب في الأموال المنهوبة قبل أن يأتي يوم المحاكمة ... بــــاقى المقال بالرابط التالى www.ouregypt.us و لا يفوتك قراءة ( يـــا عزيزى كلنا لصوص ) و موجود فى نهاية المقال.