قال الدكتور إبراهيم الجعفريّ: نحن اليوم أمام حرب عالميّة حقيقيّة ثالثة، فما من قارّة إلا ومُهدَّدة بالإرهاب، وما من بلد إلا ومُهدَّد بالإرهاب، وما من مدينة إلا ومُهدَّدة بالإرهاب. مُؤكـِّداً أنَّ الإرهاب يستهدف كلَّ الناس من دون استثناء: (الشُيُوخ، والصغار، والرجال، والنساء). وكلّ المناطق المُهـِمّة، والحيويّة هي أهداف للإرهاب: (المطاعم، والحدائق العامّة، والمُستشفيات، والمدارس، والقطارات، ووسائط النقل).
الجعفريّ أوضح: نحن اليوم نواجه عدوّاً مُشترَكاً، وهذه الحرب تستدعي -بالضرورة- أن نقف صفاً واحداً؛ كلُّ المعارك، كلُّ الحُرُوب الجانبيّة لا معنى لها، والحرب الحقيقيّة حرب الإنسانيّة ضدّ الإرهاب، داعياً الجميع إلى الدفاع عن كرامة الإنسان في كلِّ مكان من العالم تحت لواء العدالة، وإشاعة السِلم، والمحبّة، والطمأنينة، مُضيفاً: العالم ينتظر منا جميعاً أن نجمع كلَّ جُهُودنا.. كلَّ إمكاناتنا؛ لمُواجَهة الإرهاب.
مُعبِّراً عن أمله في أن ترتقي العلاقات العراقيّة-الأميركيّة إلى مزيد من التفاهُم، ومزيد من الانسجام، وأن تكون في خدمة البشريّة كلـِّها خُصُوصاً أنَّ الدولتين عضوتان في الأمم المُتحِدة، وتلعبان دوراً مُهـِمّاً في حلِّ مشاكل البشريّة، ودعم المشروعيّة الدوليّة من خلال الأمم المُتحِدة.
جاء ذلك في كلمة ألقاها الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيّة عقب افتتاحه مبنى القنصليّة العراقيّة في مقاطعة لوس أنجلس بولاية كاليفورنيا الأميركيّة. وكان برفقته القنصل العامّ أحمد ناظم جواد، وشارَكَ في حفل الافتتاح مُمثـِّل وزارة الخارجيّة الأميركيّة، ومقاطعة لوس أنجلس، وعدد من القناصل المُعتمَدين في ولاية كاليفورنيا، وأبناء الجالية العراقيّة في أميركا.
وأُلقِيَت في هذه المُناسَبة كلمات للحُضُور، وفي مُقدَّمتها كلمة السيِّد الوزير، وإليكم نصَّها:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته..
ابتداءً نـُقدِّم الشكر الجزيل إلى السادة القناصل الذين شرَّفونا في هذا المكان، وهذا اليوم الذي اقترن بفتح هذه القنصليّة في منطقة لوس أنجلس.
أشكر القنصل، وعميد السلك القنصليّ السيِّد أزريهون ريتا، وأشكر السيِّدة لوردي نائبة رئيس المراسم في مقاطعة لوس أنجلس، وأشكر السيِّدة فونام لفلايتي مُساعِدة عُمدة لوس أنجلس، وأشكر السيِّد طارق العبيديِّ مكتب الخارجيّة الأميركيّة، وأشكر ماري كلودين ضابط الارتباط الخاصّ.. نشكركم للحُضُور، ونشكركم لتقديم الخدمات.
رسالة حُبٍّ وتقدير لكل مُمثـِّلي الدول، والمُؤسَّسات الذين شاركونا حفل الافتتاح. رُبَّما تخلـَّل العلاقة بين العراق والولايات المُتحِدة الأميركيّة شيء من التعثــُّر منذ عشرات السنين، لكن وجود أبناء شعبنا في مُختلِف مناطق الولايات المُتحِدة الأميركيّة تعبير عن وجود حالة من التمازُج، والتحابُب بين أبناء شعبنا العراقيِّ وأبناء الأمّة الأميركيّة. ولعلَّ وجود هذا الكم من العراقيِّين له دلالة عميقة على وجود حالة من الانسجام، والتعبير عن المُشترَكات بين أمّتنا وأمّتكم، كما أنَّ هذا العدد اللافت للانتباه يتميَّز بأنه نوعيٌّ من حيث طبيعة مُستوى المُواطِنين العراقيِّين الذين جاؤوا إلى هنا بما لديهم من شهادات علميّة مُتميِّزة، ومن سلوك مُنضبـِط، واحترام للقانون، وحُبٍّ، وثقة لتعزيز العلاقات الأميركيّة-العراقيّة؛ شكـَّلت هذه العلاقات الشعبيّة بُنية تحتيّة كان من الطبيعيِّ أن يترتــَّب عليها استجابات من البُنى الفوقيّة الحكوميّة لأن تتقارب، وأن تتعاون. ولعلَّ آخر ما استفدنا من هذه العلاقة هو قوات الحشد الدوليِّ إذ بادرت الولايات المُتحِدة الأميركيّة به في الشهر التاسع من العام الماضي، ووقفت هذه الدول جميعاً إلى جانب العراق في وقت دهم العراقيّين عدوٌّ مُشترَك، وهو: الإرهاب وداعش.
ليس خافياً عليكم أنَّ هذا العدوَّ لم يبدأ في العراق، ولم ينتهِ في العراق سبق أن طالعنا القرن الحادي والعشرين في 11 أيلول/سبتمبر 2001 بتلك الهجمة الوحشيّة التي استهدفت مدينتي نيويورك وواشنطن، وأودت بعدد كبير من المُواطِنين تجاوز الـ(3000) مُواطِن. وهكذا عبر الإرهاب المُعاصِر من أميركا إلى أوروبا في اسبانيا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، ثم امتدَّ إلى الشرق الأوسط، وجاء بعد ذلك إلى أفغانستان، والعراق، والسعودية، ومناطق مُختلِفة من العالم. هذا الهجوم الشرس، وهذه الوحشيّة تـُنبـِئ عن حالة جديدة اسمها (الإرهاب الدوليّ، أو الإرهاب المُعولـَم). نحن اليوم أمام حرب عالميّة حقيقيّة ثالثة، فما من قارّة إلا ومُهدَّدة بالإرهاب، وما من بلد إلا ومُهدَّد بالإرهاب، وما من مدينة إلا ومُهدَّدة بالإرهاب. الإرهاب يستهدف كلَّ المُواطِنين من دون استثناء: (الشُيُوخ، والصغار، والرجال، والنساء) كلّ المناطق المهمة والحيويّة هي أهداف للإرهاب: (المطاعم، والحدائق العامّة، والمستشفيات، والمدارس، والقطارات، ووسائط النقل) كلـُّها مُهدَّدة من قِبَل الإرهاب.
يُشرِّفنا أن نصطفَّ معاً؛ حتى يكون ردُّنا ردّاً مُعولـَماً. تقف دول العالم كلها لمُواجَهة الإرهاب. الإرهابيّون المتواجدون في العراق الذين يجتمعون تحت لواء داعش هم مُواطِنو 62 دولة. فالإرهاب ليس عراقيَّ المولد، الإرهاب وُلِد في سورية في الشام، ثم عبر إلى العراق، ولا يقف عند حُدُود العراق، فمن العراق ارتحل إلى فرنسا، وأستراليا، وكندا، والكثير من الدول الأخرى.
نحن اليوم نواجه عدوّاً مُشترَكاً، وهذه الحرب تستدعي -بالضرورة- أن نقف صفاً واحداً؛ كلُّ المعارك، كلُّ الحُرُوب الجانبيّة. لا معنى لها. الحرب الحقيقيّة حرب الإنسانيّة ضدّ الإرهاب؛ ومادام الإرهاب مُعولـَماً لابدَّ أن يكون الردُّ ردّاً مُعولـَماً. يجب علينا من دون استثناء أن نقف للدفاع عن كرامة الإنسان في كلِّ مكان من العالم تحت لواء رفع العدالة، وإشاعة السلم، والمحبّة، والطمأنينة.
العالم ينتظر منا جميعاً أن نجمع كلَّ جُهُودنا.. كلَّ إمكاناتنا؛ لمُواجَهة الإرهاب. العراق بلد يتميَّز بأنه الدولة الأقدم حضارة من كلِّ دول العالم. عمر الحضارة في العراق يتجاوز 6000 سنة.. من العراق بدأ الحرف وحدة بناء الثقافة، ومن العراق بدأت الأسطوانة، ومن العراق بدأت بواكير بناء البُيُوت على ضفاف دجلة والفرات. عندما نتحدَّث عن العراق نتحدّث عن العمق التاريخيِّ للحضارة العالميّة.
في هذا المكان تلتقي القِمّتان قِمّة القوة في أميركا، وقِمّة الحضارة والتاريخ في العراق. ونتمنى أن تكون هذه القوة في خدمة العالم، وفي خدمة البشريّة، وتـُوظـَّف لمُحارَبة الإرهاب، والفقر، والمرض، والجوع؛ حتى تنتصر إرادة البشريّة على كلِّ مظاهر التخلـُّف. سمة الحضارة المُعاصَرة أنـَّها تجمع بين كلِّ هذه المعاني السامية.
العراق يتخطـَّى اليوم مراحل مُمتازة، ويصنع مُستقبَلاً، ويصنع حاضراً.
القوات المُسلـَّحة العراقيّة اليوم تدحر قوات داعش التي كانت إلى نهاية العام 2014 على مشارف بغداد، لكنها الآن تتراجع، وتتقهقر إلى الوراء.. كانت في خاصرة المحافظتين الحلة وكربلاء في منطقة جرف الصخر، وكانت على مشارف بغداد ترمي بقذائفها على بغداد، وكانت في ديالى في منطقة حمرين، وكانت في سامراء بالإسحاقي، وكانت في بيجي، وفي مناطق أخرى قريبة من هذه المحافظات. أمّا اليوم فقد تلقـَّوا ضَرَبات مُوجـِعة من قِبَل القوات المُسلـَّحة العراقيّة التي تشتمل على قوات الحشد الشعبيِّ، والبيشمركة، والحرس الوطنيّ، وأبناء العشائر، وبدأوا يترجعون إلى الوراء، نعم.. هذا ليس بمعزل عن الإسناد الدوليِّ لقوات التحالف الدوليّ التي أمَّنت غطاءً جوّيّاً بناءً على التنسيق الذي حصل بين العراق وبين قوات التحالف الدوليِّ عندما حرَّرنا رسالة باسم وزارة الخارجيّة للطلب وبشُرُوط عراقيّة.
أنا فخور بطبيعة أبنائنا وبناتنا من مُختلِف الاختصاصات الذين يُقيمون في الولايات المُتحِدة الأميركيّة، ويعكسون وجهاً مُشرقاً من خلال شهاداتهم، ومن خلال خدماتهم، وانضباطهم الحضاريِّ، والمَدَنيِّ، والسلوكيِّ، واحترام قوانين البلد.
أنا فخور بهذا التواجُد، والعدد العراقيّ الموجود في مُختلِف الولايات.. هذا العدد لم يُسجَّل عليه أيُّ ظاهرة تستفزُّ المُجتمَع الأميركيَّ، أو تخرق القوانين الأميركيّة.
أنا فخور بهذا التواجُد، وأتمنى للعلاقات العراقيّة-الأميركيّة المزيد من التفاهُم، والمزيد من الانسجام، وأن تكون هذه العلاقة في خدمة البشريّة كلـِّها خُصُوصاً أنَّ الدولتين عضوتان في الأمم المُتحِدة، وتلعبان دوراً مُهـِمّاً في حلِّ مشاكل البشريّة، ودعم المشروعيّة الدوليّة من خلال الأمم المُتحِدة.
أحيِّيكم مرّة أخرى، وأبارك لأخينا الأستاذ أبي زيد هذه المُبادَرة، وأتمنـّى له المُوفـَّقيّة..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
التعليقات (0)