استقبل الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقـيّة الدكتور محمد جواد ظريف وزير خارجيّة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، وتباحث الطرفان مُجمَل الأوضاع الأمنيّة، والسياسيّة في المنطقة، كما ناقشا الاتفاق النوويَّ بين إيران والدول الست، وانعكاساته الإيجابيّة على أمن المنطقة، واستقرارها، علاوة على تداول التطوُّرات الأمنيّة في العراق، والانتصارات الكبيرة التي تـُحققها القوات المُسلـَّحة العراقـيّة بصنوفها كافة.
وعقب اللقاء أدلى الدكتور إبراهيم الجعفريّ ونظيره الإيراني بتصريحات لوسائل الإعلام إليكم نصَّها:
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: بسم الله الرحمن الرحيم
نستقبل اليوم وإياكم أخانا معالي الدكتور ظريف وزير خارجيّة الجمهوريّة الإسلاميّة، ونحن سعداء جدّاً خُصُوصاً أنَّ هذه الزيارة تقترن بانعطافات مُتعدِّدة المسار على مُستوى السياسات الخارجيّة بعد أن امتدّت الأزمة بين الجمهوريّة الإسلاميّة وبين الولايات المُتحِدة الأميركيّة على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وكانت بُؤرة توتـُّر بعيدة الأمد، وتركت آثارها، وبصماتها على عُمُوم المنطقة، وعلى خُصُوص الجمهوريّة الإسلاميّة، والدول المُجاورة لها. كان الحلُّ ينطوي على إرادة قويّة، وعلى شجاعة، وعلى حكمة؛ لذا نستطيع أن نقول: إنَّ حدث التقارب الأبرز في هذه المرحلة هو التقارب الذي حصل بين هاتين الدولتين، وأنهى ملفاً استهلك الكثير من الكلام والخطب، وأثبتت الجمهوريّة الإسلاميّة بحكمة قيادتها، وشجاعتها أنها تتجاوز هذه المُشكِلة، وتصنع حلاً رُبّما كان صعباً لكنه لم يكن مُستحيلاً.
العراق كان ينظر إلى طبيعة هذه القضيّة، والملفِّ المفتوح بعين القلق طيلة الفترة التي مضت؛ ولأنَّ العراق منطقة مُحادِدة للجمهوريّة الإسلاميّة من جانب يُمثـِّل آصرة التقارب العربيِّ مع الجمهوريّة الإسلاميّة، ومن الجانب الثاني تداخل العوامل المُتعدِّدة في المنطقة، وما يُمكِن أن يُهدِّد هذا الملفّ سلامة المنطقة؛ لهذه الأسباب وغيرها العراق يُعرِب عن ارتياحه الكامل، ومُبارَكته، وتقديره لهذه الخطوة الشجاعة، ويتمنى أن تدخل المنطقة في مرحلة التنمية، والأسواق التجاريّة المُشترَكة، والإعمار، والبناء بعد أن تبدَّد عاصف الحاجز النوويِّ الوهميِّ من هذه المنطقة.
نتطلع بكلِّ أمل، وثقة، وشجاعة لليوم الذي ينتصر فيه الخير والحقّ هنا في ميدان المعركة في العراق، وفي المناطق كافة على إرادة الدواعش والإرهاب، وفي ذلك تتمُّ الفرحة الكبرى لنا، وللأسرة الدولية بأكملها؛ لأنَّ داعش تشكّل خطراً حقيقيّاً عن كلِّ دول العالم، والعراق وهو يرفع رأسه فخوراً بأنَّ أبناءه يُقاتِلون أصالة عن شعبنا، وحرائرنا، وثرواتنا، وكرامتنا، وسيادتنا، ويُدافِعون بالنيابة عن كرامة، وسيادة، وشرف، وحرائر العالم كلـِّه.
مرّة أخرى أجدِّد ترحيبي البالغ بالأخ الدكتور ظريف لزيارتنا في بغداد مُتمنـِّياً له طيب الإقامة، ونتطلع للاستماع إلى حديثه.
وزير الخارجيّة الإيرانيّ: بسم الله الرحمن الرحيم
أتقدَّم بجزيل الشكر إلى الأخ العزيز، والفاضل الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة على هذه الكلمات السخيّة، والمُحبَّبة تجاه الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، ونشكره على حفاوة الاستقبال، وكرم الضيافة، كما لابدَّ لي أن أشكر الشعب العراقيَّ لا للضيافة التي نراها دائماً فقط، بل لأنَّ هذا الشعب الأبيَّ في الخط الأماميِّ في مكافحة الإرهاب، والتطرُّف. هذا الشعب الصامد في الواقع قدَّم كلَّ غالٍ ونفيس، وقدَّم الشهداء في هذا المسار المُقدَّس؛ لتحقيق أهدافه النبيلة.
نعتقد أننا أنهينا ملفاً مُصطنـَعاً، وملفاُ مُفتعَلاً؛ وبهذا النجاح نتمنى أن نبني على النجاح بناءً جديداً، وبناءً عالياً، ومتيناً، فقد آنَ الأوان في هذه المنطقة لنفتح صفحة جديدة.
الشيء الذي يربطنا في هذه المنطقة هو القواسم المُشترَكة، والأساسيّة التي تـُوجَد فيما بيننا، والقائمة على أساس التاريخ المُشترَك، والدين المُشترَك، والثقافة المُشترَكة، والجغرافية المُشترَكة. ليس هنالك أيّة مُشكِلة فيما بيننا في هذه المنطقة، ولابدَّ لنا أن نتبنى الحوار لإزالة سوء الفهم الموجود، ويجب أن لا نسمح لمجموعة بأن تستغلَّ ثقافتنا، وأفكارنا، وديننا، وتقوم باسم الإسلام بالعمليّات الإجراميّة، وتـُشوِّه سمعة الإسلام أكثر من هذا.
أنا هنا في العراق؛ لكي أؤكـِّد للإخوة العراقيِّين بأنَّ الشعب الإيرانيَّ، والحكومة الإيرانيّة تقف إلى جانب الشعب العراقيِّ، والحكومة العراقـيّة، ولأؤكّد بأننا وإياكم يُمكِننا أن نعتمد على حوار جديد قائم على أساس الأخوّة، والمودّة، والتعاون الإقليميِّ لمكافحة التطرُّف، والإرهاب الذي يُهدِّد للجميع، ولابد لهذا الحوار أن يتبناه الجيران جميعاً.
وزير الخارجيّة الإيرانيّ: أنا لا أرى أيَّ داعٍ للخوف لدى أصدقائنا في هذه المنطقة من الاتفاق النوويِّ المُتحقــِّق في الواقع؛ لأنَّ هذا الاتفاق سيأتي بالمزيد من السلامة والأمن لهذه المنطقة، ولا يجب أن يكون هناك خوف من السلامة والأمن فيها، لكنَّ رسالتي للدول في هذه المنطقة، وهذه المنطقة في الواقع أنَّ هذا الاتفاق قد عالج مُشكِلة مُصطنـَعة، ومُختلـَقة فلابدَّ لنا أن نهتمَّ بعد هذا الاتفاق بالأولويّات الأساسيّة لدينا في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة لمُواجَهة المشاكل المُشترَكة في هذه المنطقة، وأهمُّها مسألة التطرُّف والطائفيّة فالجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة تمدُّ يدها للجميع.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: العراق كان يحمل همّاً ليس فقط لتعميق، وتجسيد مصداقيّة الحكومة العراقـيّة، وإنما كان يتعامل بالنيابة لتخفيف بُؤرة التوتر في عُمُوم المنطقة، وواحدة منها التي كانت تحوم حول الجمهوريّة الإسلاميّة، وخطابنا هذا لم يختلف أبداً منذ البداية قبل التصدِّي للخارجيّة العراقـيّة، بل كان هذا ديدننا فقد كنا على الدوام نبحث عن أفضل الأجواء لترطيب العلاقات مع الجمهوريّة الإسلاميّة؛ نظراً للاستحقاقات المُترتـِّبة على العلاقة بيننا وبينها، وبين الدولتين وبقيّة الدول.
في تصوُّري أنَّ الجديد في الموضوع هو إنَّ الضغط الدوليَّ المُتداخِل مع الضغط الإقليميِّ والمحليِّ ارتفع؛ لذا فالمنطقة مُقدِمة على حالة جديدة، وهي رفع هذه الكوابيس الذي يُعبَّر عنها بأنها مخاوف وهميّة.
أعتقد أنَّ الفرصة انفتحت، وكل دولة من الدول عندما تأخذ حقها الطبيعيَّ ستنشر ظلها على أصدقائها، والعراق في مُقدّمة أصدقاء الجمهوريّة الإسلاميّة، وكذلك نحن أصدقاء لدول المنطقة جميعاً، وسنعمل كلَّ ما بوسعنا لتجذير هذه العلاقة، ومدِّ الأواصر، وتوشيجها على أحسن ما تكون؛ وبذلك تعود دول المنطقة منظومة أسريّة عائليّة تتعاون، وتبادل المصالح، وحسن النوايا، وتنعطف بالمنطقة نحو السلم، والمَحبّة، والأمن.
وزير الخارجيّة الإيرانيّ: الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة دولة قويّة قبل الاتفاق وبعد الاتفاق، وهذه القوة تكون في خدمة الدول الجارة، فوجهات نظرنا وآرائنا بخُصُوص التطوُّرات التي تحصل في سورية، وفي العراق، وفي اليمن يُمكِن أن تـُثير الخلافات مع البعض من هذه المنطقة، لكننا نؤكد على الأمن، ونؤكد بأنَّ أمن أيّة دولة في هذه المنطقة يُعتبَر أمننا، وأننا نقوم بأيِّ جهد للتعاون مع الدول الجارة؛ لتوفير الأمن الجماعيِّ، فلا يُوجَد هناك أيُّ خطر من إيران يُهدِّد أيّة جهة، والشعب الإيرانيّ قد تجاوز ماضيه، ونساه؛ لبناء مُستقبَل مُشرِق وأفضل.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: ما يتعلق بإمكان أن يلعب العراق دوره المطلوب كجسر يمتدُّ إلى دول المنطقة مع الجمهوريّة الإسلاميّة فله مجموعة مُقوِّمات أساسية، منها: سعة علاقات العراق مع دول العالم، والتنافذ، والتداخل المُجتمَعيّ بينه وبين دول المنطقة يجعل للعراق رصيداً لا يُستهان لتوظيفه في تعميق العلاقات معهم جميعاً.
تجربة العراق السياسيّة عبر العقود التي مضت، وانتقل بحكمة من المرحلة الدكتاتوريّة إلى المرحلة الجديدة عبر سلسلة حكومات، وأصَّل دورها في الانتخابات، وكان آخرها حكومة الأخ الدكتور العباديّ؛ وبذلك استطاعت أن تـُقدِّم مصداقـيّة بأنها تـُدير الملفات السياسيّة، ورُبّما تكون مُتعدِّدة الجوانب، وشائكة في خلفيّاتها لكنها تعاملت بحكمة، والثروات الاقتصاديّة التي يمتلكها العراق يستطيع أن يعتبرها خرسانة سياسيّة بيننا وبين دول المنطقة؛ لأنَّ العراق ثرواته مُتعدِّدة، وهو بلد مُقدِم على حالة إعمار، وهذه الثروات والاقتصاد تقوِّي السياسة، ويتقوّى بها، وفي الوقت نفسه خطاب العراق الذي يملك خزيناً حضارياً، إضافة إلى المُفرَدات السياسيّة من شأنه أن يجعل العراق في المُقدّمة؛ لذا لا غرابة أن نجد التلقي للخطاب العراقيِّ، وللنمطيّة العراقـيّة في كلِّ دول العالم على مُستوى جيِّد، ويتعاطف الناس كلهم معنا في هذا الجانب.
نحن نعتقد أنَّ المسؤوليّة مُتبادَلة بيننا وبين الجمهوريّة الإسلاميّة، ودول المنطقة ولاسيَّما دول الجوار تركيا، وسورية، والكويت، والسعودية، والأردن كلها ستتعامل، وسنتواصل لبذل أقصى الجُهُود لإبرام أقوى العلاقات، ونتناسى المشاكل السابقة، ونفتح صفحة جديدة من شأنها أن تدرَّ على المنطقة بالخير.
وزير الخارجيّة الإيرانيّ: سياسة الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة تتبنى الحوار دائماً مع دول الجوار، ولكن -للأسف- كانت هناك غيمة في الواقع ناتجة عن مُشكِلة نوويّة، وهذه الغيمة بدأت تتبدَّد الآن، فيُمكِننا أن نهتمَّ، ونوفر الأرضية من خلال الأولويّات، والأساسيات بيننا في هذه المنطقة، وهو التعاون بين دول هذه المنطقة.
وزير الخارجيّة الإيرانيّ: نحن نعتقد أنه لابدَّ لكلّ الدول في هذه المنطقة أن تتعاون، وتتعامل لمُكافحة الإرهاب، والتطرُّف، والطائفيّة، ولابدَّ أن يكون هناك دور لدول المنطقة في مكافحة الإرهاب، ونحن بدأنا مع أصدقائنا في تركيا، وتحدَّثنا في القضايا الإقليميّة، ولو أنَّ هناك بعض الخلاف بيننا، ومنها، استخدام القوة خارج الحدود الدوليّة.
وفيما يتعلق بالحكومة السعوديّة فنحن نعتقد أننا نرفض سياسة استخدام القوة ضدَّ الشعب اليمنيِّ من قِبَل هذه الحكومة، ونعتقد أنه لا يُحقــِّق أيَّ نتيجة، وليس هناك أيُّ مانع، ولم نضع أيَّ عراقيل في مسار الحوار مع دول المنطقة، ومنها المملكة العربيّة السعوديّة.
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: الأمن مُركـَّب لا يتجزّأ، وكذلك الإرهاب مُركـَّب لا يتجزّأ.. الإرهاب اليوم يقرع طبوله في كلِّ دول المنطقة، بل في كلِّ دول العالم؛ لذا حتى بعض الدول التي كانت في الأمس القريب في مأمن من يد الإرهاب الآثمة سرعان ما قرع طبوله فيها؛ لذا لا مناص من التعامل، والتعاون في الفعل يتشبَّث، ويلتزم بالأمن، وفي ردِّ فعل لدرء خطر الإرهاب، والعراق على أتمِّ الاستعداد للتعامُل مع كلِّ دول العالم، وقد صدح بخطابه في أكثر من مُنتدى في نيويورك، وفي باريس، وفي لندن، وفي جدّة، وهو اليوم يُصافِح كلَّ يد تقف إلى جانب الأمن، وتـُدافِع عن السلم العالميِّ، وتعمل لدحر الإرهاب؛ لأنَّ الإرهاب خطر عالميّ، ويمثل حرباً حقيقيّة، نعم.. تركيا دولة لها مكانتها، ولها شأنها، وتاريخها، وتجربتها، واقتصادها القويّ، ونتطلع أن تلتحم الإرادة التركيّة مع إرادتنا وهي الآن تدفع بعض ثمن الإرهاب بالعمليات التي حصلت فيها، وبدأت في الأيام القليلة الماضية بخطوة للتعامل مع المُعادَلة العراقـيّة في مُواجَهة الإرهاب، وسمحت لطيران التحالف أن يأخذ دوره في التحليق، ونحن مع أيّة خطوة تـُقدِم عليها تركيا درءاً للخطر عليها وعلينا كذلك.
التعليقات (0)