قال الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيّة: إنـَّنا مع تبنـّي الدور الدبلوماسيِّ للمرأة في إطار اختصاصها، ونزاهتها، وأخلاقها، وقدرتها، وعِفـَّتها، وإنها تستطيع أن تـُساهِم في تقديم الوجه المُشرِق للعراق في مناطق العالم المُختلِفة.
الجعفريُّ أوضح: أنَّ المرأة خاضت مسيرة نضاليّة طويلة في التاريخ مُضمَّخة بالدم، والعَرَق، والدُمُوع، ولاتزال تواجه حصارات، وأنَّ وزارة الخارجيّة جمعت بين يوم المرأة، وعرَّجت باعتبارها وزارة تـُمثـِّل الدبلوماسيّة العراقيّة، فأخذت الدور الدبلوماسيَّ الذي يُمكِن أن تلعبه المرأة.
مُشدِّداً على ضرورة أن تـُقدِّم المرأة نموذجاً طيِّباً بين انتمائها لمُؤسَّسة الأسرة باعتبارها زوجة، وباعتبارها أمّاً وبين عملها في السلك الدبلوماسيِّ، أو التعليميِّ، أو الطبيّ، أو مُختلِف الميادين الأخرى، مُعتبـِراً أنَّ المرأة تحضر بطريقة غير مُباشِرة في جبهات القتال حيث الصراع ضدَّ داعش، مُعلـِّلاً بأنَّ الرجل الذي ينطلق في ميادين المُواجَهة يجد المرأة ظهيرة له سواء كانت أمَّاً، أم زوجة، أم بنتاً، أم أختاً، أم مُعلـِّمة؛ لذا لا نستطيع أن نفصل في المعركة بين الجبهة الخارجيّة ضدَّ الإرهاب والدواعش وبين جبهة البيت، والتربية، والأخلاق. والمرأة برعت في هذا المجال.
جاء ذلك خلال تصريح صحفيّ أدلى به الدكتور إبراهيم الجعفريّ لوسائل إعلام عقب احتفاليّة أقامتها وزارة الخارجيّة بمُناسَبة عيد المرأة العالميّ، وألقى معاليه كلمة في الحفل، إليكم نصَّها:
كلمة الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيّة في احتفاليّة يوم المرأة العالميّ التي أقامتها وزارة الخارجيّة
15/3/2015
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته..
قال الله -تبارك وتعالى- في مُحكـَم كتابه العزيز:
{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)) [النساء : 32]
ثنائيّة التكوين بين المرأة والرجل سِرُّ جماليّة الوجود التكوينيِّ، وتعكس جماليّة اجتماعيّة أخرى هي ثنائيّة البناء الاجتماعيِّ الذي يقوم، ويتقوَّم بالمرأة والرجل؛ إذن لا نستطيع أن نتصوَّر مُؤسَّسة اجتماعيّة ما سواء بدأنا باللبنة الأولى وهي الأسرة، أم المدرسة، أم المُؤسَّسات الاجتماعيّة، والإعلاميّة، والسياسيّة من دون أن نجد سِرَّ قوّة تلك المُؤسَّسة كامناً في التكامُل بين المرأة والرجل.
تأخّرت دول العالم في مُحاوَلة إنصاف المرأة، ويوم 8/3/1977 هو تعبير عنه، نعم.. التظاهرات بدأت في نهاية النصف الأوَّل من القرن العشرين في نيويورك وبقيّة مُدُن العالم، لكنَّ الحقيقة التي أقِرَّت بعد جهد جهيد، ومسيرة مُضمَّخة بالعناء يوم 8 مارس 1977 على أنـَّه يوم المرأة العالميِّ. إقرار يوم المرأة العالميِّ لا يعني أنه تمَّ إنصافها كما ينبغي، وكما تحمَّلت من مسؤوليّة كبيرة، ومن عذابات طيلة مسيرتها في كلِّ الأمم، ولا أستثني أمَّة من أمَم العالم، فكلُّ أمم العالم تفنـَّنت في بشاعتها، وقسوتها، وتهميشها للمرأة حتى نهاية القرن العشرين، نعم.. إنَّ العرب في الجاهليّة وصلوا إلى مُستوى من الشناعة أن يدفنوا المرأة لا لشيء إلا لأنها أنثى، لكنَّ الإسلام طوى تلك الصفحة، ودفع المرأة إلى مُعترَك الحياة، فأبى إلا أن تكون الرقم الأوَّل: شهيدة العقيدة، وتاجرة، وسياسيّة، ومُستجيبة للعقد السياسيِّ على أكبر حجم: ((إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)) [الفتح : 18]
مجموعة من النساء مع مجموعة من الرجال كلـُّهم انضووا تحت لواء الصحابة، فكانوا مع شخص رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- والأمّة الهنديّة إلى الأمس القريب كانت تـُحرِق المرأة الزوجة عندما يموت زوجها، وهذا أبشع ما يتصوَّره الإنسان بحقِّ المرأة، والأمم الأخرى ومنها الأمم الصينيّة، واليهوديّة، والمسيحيّة. كلُّ دول العالم من دون استثناء اتفقت على ظلم المرأة، وتفنـَّنت في التعبير عن هذا الظلم.
كان للعراق سبق منذ عام 1792 قبل ميلاد السيِّد المسيح عليه السلام إذ نصَّت مسلة حمورابي على إنصاف المرأة، وإعطاء حقوق الإنسان بصورة عامّة، وحقِّ المرأة بشكل خاصٍّ. هذا سبق عراقيٌّ يُسجَّل في تاريخه الحضاريِّ. المرأة في العراق كان لها شرف السبق التاريخيّ، وناضلت، وقدَّمت باقة من الشهيدات من مُختلِف مُكوِّنات المُجتمَع العراقيّ، ومنهنَّ الشهيدة العلويّة بنت الهدى، والشهيدة سلوى البحرانيّ، والشهيدة عقيلة الهاشميّ، وهنا في وزارة الخارجيّة، والشهيدة حفصة العمريّ في الموصل، والحديث يطول عن مئات الشهيدات بمُختلِف الأنواع إبّان المُعارَضة، وحتى ضحيّة الإرهاب بعد سقوط الطاغية المقبور.
المرأة في العراق تقطع اليوم أشواطاً طويلة، وترحل من محطة إلى أخرى، وتمضي في الطريق شوطاً بعد آخر منذ بداية سُقوط النظام المقبور وإلى اليوم.
البرلمان العراقيُّ يزدان اليوم بمجموعة كبيرة من بناتنا كأحسن ما يكون مُقارَنة ببرلمانات العالم، ولم تظفر بهذه الصناعة التي أقدمت عليها المرأة العراقيّة، لدينا 82 سيِّدة في البرلمان، نعم.. رُبَّ قائل يقول: إنَّ المرأة أقحِمَت في البرلمان بنظام الكوتا، ولكنَّ الذي يُحدِق النظر جيِّداً ببعض شخصيّات بناتنا في داخل البرلمان يجد أنهنَّ حظينَ بثقة الشعب العراقيِّ، وجئنَ بنسبة، وحظوة عالية من التصويت؛ ممّا يدلُّ على أنَّ العُرف العراقيَّ بدأ يتقبَّل المرأة وهي تتحرَّك في إطار الحكم عموماً؛ لذا فخطاب المرأة اليوم خطاب الحاكمة، وخطاب السياسيّة، وخطاب التي تتولـَّى إدارة عمل.
هذه قفزة نوعيّة في تاريخ المرأة.
لا تـُوجَد -حسبما اطلعتُ عليه من تجارب النساء في العالم- تجربة تضاهي التجربة العراقيّة، فأوَّل ما أعطِيَت المرأة في أميركا حقّ التصويت كان ذلك عام 1919 من الناحية النظريّة في الدستور، ومارسته عمليّاً بعد الحرب العالميّة الثانية عام 1924، وفي بريطانيا وألمانيا، وفرنسا أعطيت حقّ التصويت عام 1945، وفي سويسرا بلد الديمقراطيّة أعطيَت حقَّ التصويت عام 1977، وفي تاريخنا كان منذ بُزُوغ فجر الإسلام حين جلست المرأة طرفاً في مُبايَعة أعظم بشر خلقه الله وهو الرسول الأعظم -صلى الله عليه وآله وسلم- بعمليّة سياسيّة قضائيّة فكريّة رساليّة: ((إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)) [الفتح : 18]
من عنوان مُؤتمَركم الموسوم: (دور المرأة في السلك الدبلوماسيّ) استحضرتُ الآية القرآنيّة الكريمة. وسلسلة آيات تعكس لنا المرأة السياسيّة، والقائدة منذ آلاف السنين، ومنهنَّ: بلقيس ملكة سبأ. انتبهوا معي إلى النبض الدبلوماسيِّ لهذه المرأة منذ ذلك التاريخ عندما جاءها كتاب من سليمان الرسول قالت:
((إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)) [النمل: 31- 34]
انظر الدبلوماسيّة:
((قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ)) هؤلاء هم الرجال الذين من حولها.
قالت: ((إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً))
إذن امرأة تحكم في ذلك الوقت بدبلوماسيّة رائعة، لم تصلها إلى الآن الحضارات المُتأخِّرة، وعلى الرغم من تقادُم الزمن تتأنـَّى، وتتريَّث، وتتخذ قراراً على خلاف ما قالته الحاشية من حولها. هذه هي الدبلوماسيّة، بل عُمق الدبلوماسيّة في هذه الباقة من الآيات القرآنيّة الكريمة في سورة النمل.
طالما كرَّرت هذه الكلمة بحقِّ المرأة: (إنَّ الشباب هم صُنـّاع الحاضر، وإنَّ الطفل صانع المُستقبَل أمَّا المرأة فهي صانعة الصُنـَّاع). ذكرتُ ذلك في أكثر من مُناسَبة. وأحداث التاريخ، والحاضر تكشف النقاب عن حقيقة ما يجري، وقد سبق أن برهنت المرأة في تاريخنا أنـَّها صانعة الرجال فالخنساء -واسمها تماضر- الشاعرة المعروفة البطلة زجَّت أبناءها الأربعة في معركة القادسيّة، وخطبت بهم، ثم عندما جِيءَ بجثامينهم خطبت مرّة ثانية خطبة رائعة.
لا تـُصدِّقوا أنَّ الوطنيَّ في الوزارة الذي يعمل بإخلاص، ويتعالى على الفساد، ويُنصِف المُواطِنين لم تصنعه امرأة، ولا تصدِّقوا أنَّ البطل الذي يحمل سلاحه بيده، ويُقاتِل دفاعاً عن شرفه، وبلده، وكرامة شعبه بعيد عن صناعة المرأة. الأمّ هي التي تصنع ذلك.
الأمّ صانعة الرجال، والأمُّ تـُدير مُؤسَّسة البيت، وهو الثابت المُؤسَّسيّ، وأمّا المُتغيِّر المُؤسِّسي فهو السياسة، والإعلام، والتجارة، والصناعة، وكلُّ شيء. لا يستطيع رجل أن يستغني عن المرأة في البيت كمسؤولة مُؤسَّسة، أمّا مصطلح ربّة البيت فهو مصطلح عُرفيّ دارج إنما هي مسؤولة مُؤسَّسة البيت التي هي أهمُّ المُؤسَّسات. هذا هو الثابت المُؤسَّسي في المرأة، وأمّا المُتغيِّر المُؤسَّسيّ فهو إنها تزجُّ نفسها في مُختلِف دوائر الدولة حتى تبرع، وتبحر بشراع الفكر، والأخلاق، والالتزام، وتبني مُؤسَّسات الدولة مثلما لا نستطيع أن نعزل بين حركة المرأة في زمننا هذا عن حركتها في التاريخ كذلك لا نستطيع أن نفصل جغرافيّاً بين حركة المرأة في العراق عن حركة المرأة في كلِّ منطقة من مناطق العالم كالذي حصل في أميركا إبّان الثورة الأميركيّة، وكيف أخذت المرأة دورها في عام 1860 إلى 1865 وقبلها بثلاث سنين أو 1857 حين كتبت (مدام ستو) قصّة (كوخ العمّ توم)، واستطاعت أن تخمد نيران الحرب الأهليّة التي التهبت بين الشمال والجنوب الأميركيّين، وراح ضحيَّتها ستمائة ألف، ولولا هذه الرواية رُبَّما تفاقمت الحرب، وكان الضحايا أكثر بكثير. وهكذا نساءٌ في مُختلِف مناطق العالم؛ لذا أحيِّي في يوم المرأة كلَّ نساء العالم، وأتطلـَّع إلى أن لا تقف عند هذا الحدِّ، وإنما تضطرد بمسيرتها، ومثلما تكون نصف المُجتمَع لابدَّ أن تكون نصف المُؤسَّسات، ونصف مجالات الفكر، ومجالات الإنتاج. ليس هذا من وحي العواطف المشحونة إنما من وحي قراءة عقليّة موضوعيّة مُؤنسَنة تـُنصِف المرأة، بما ينبغي لها أن تـُنصَف.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعليقات (0)