أكـَّد الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيّة أنَّ الأمم المُتحِدة ساعدت في الوقوف أمام التحدِّيات التي اعترضت مسيرة الديمقراطيّة في العراق، مُعرباً عن شكر العراق لما قدَّمه مُمثـِّلو الأمم المُتحِدة الذين تعاقبوا على العمل في العراق، مُثمِّناً أداءهم المُتوازِن لمهامِّهم المُوكـَلة إليهم، وأشاد معاليه بأداء السيِّد نيكولاي ميلادينوف مُمثـِّل الأمم المتحدة في العراق المُنتهية مهمّته في بغداد.
من جانبه السيِّد نيكولاي ميلادينوف أكـَّد أنَّ على العالم أن يُقدِّم المُساعَدة إلى العراق في حربه ضدَّ عصابات داعش الإرهابيّة، ومُساعَدة العراقيِّين في مُحارَبة الفساد، وبناء دولة القانون، ودولة المُؤسَّسات.
جاء ذلك خلال حفل توديع السيِّد نيكولاي ميلادينوف مُمثـِّل الأمم المُتحِدة في العراق بمُناسَبة انتهاء مهامِّه، وحضر الحفل عدد من الشخصيّات السياسيّة، وسفراء الدول المُقيمين في العراق.
وإلى حضراتكم نصَّ الكلمة التي ألقاها معالي الدكتور إبراهيم الجعفريّ وزير الخارجيّة العراقيّة، وكلمة السيِّد نيكولاي ميلادينوف:
الدكتور إبراهيم الجعفريّ: بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته..
أحيِّيكم جميعاً تحيّة قلبيّة أخويّة ونحن نـُودِّع الأستاذ ميلادينوف بعد مهمّة دامت بضع سنوات كانت حافلة بالأحداث، وساخنة، لكنه كان مُوفـَّقاً في طريقة التعامُل معها، ومثــَّلَ حقاً الأمم المُتحِدة.
تمثيل الأمم المُتحِدة ليس أمراً سهلاً من الناحية النظريّة. الأمم المُتحِدة الخيمة التي تنطوي تحتها كلُّ الأمم، وكلُّ الشعوب، واستطاعت أن تـُؤدِّي مهامَّها في أحرج الظروف في الأعوام الـ(60 أو 65) الأخيرة.
في المرحلة الحاضرة تـُواجـِه تحدِّيات كبيرة، وأحد هذه التحدِّيات هو ظاهرة داعش، وهي ظاهرة ليست عراقيّة إنما هي ظاهرة مُعولـَمة بدأت في نيويورك، وواشنطن في مطلع القرن الـ21، ثم انتقلت إلى دول أوروبا، وجنوب شرق آسيا، ودول العالم كافة، وبعد أن استطاعت داعش أن تـُجنـِّد أفرادها، ومُواطِنيها هنا على أرض العراق من مُختلِف دول العالم رُبّما زادت عن 60 دولة تحرَّك الحشد الدوليُّ وإن كان مُتأخـِّراً، واستطاع أن يرصَّ الصفَّ، ويظهر هنا في هذه الدائرة، ويقف إلى جانب العراق؛ ليقف داعماً أمنيّاً، واقتصاديّاً، وسياسيّاً؛ وبذلك تشهد الأرض العراقيّة إصرار إرادتين، إرادة الشرِّ وهي الإرهاب، وإرادة السِلم، وهي مُواجَهة الإرهاب.
لن أنسى أنَّ مُمثـِّل الأمم المُتحِدة هنا في العراق المرحوم سيرجيو ديملو كان هنا في بغداد، وودَّعناه، ونحن نـُودِّع السيِّد ميلادينوف، وما بين الاثنين سلسلة من السادة مُمثـِّلي الأمم المُتحِدة هنا في العراق لعبوا دوراً، وساعدوا العراق في أن يقف على قدميه على الرغم من التحدِّيات الشرسة، والعواصف التي هبَّت من مُختلِف المناطق من الداخل العراقيِّ ومن الخارج العراقيِّ، فكنتُ أراقب حركة السيِّد ميلادينوف من كثب، واستمعتُ إلى خطاباته في الأمم المُتحِدة في مجلس الأمن، ومناطق أخرى فقد كان دقيقاً بالتوصيف مُنسجـِماً مع نفسه، ومع خطاباته في كلِّ ما خَطـَبَ، وكنتُ أسمعه وهو يتعامل مع كلِّ مُكوِّنات الشعب العراقيِّ، ويحترم التوازُن العراقيَّ الداخليَّ، ويحترم العلاقات العراقيّة-الإقليميّة، ولم يدخل في خط التقاطعات.
أنا مُمتنٌّ ممَّا رأيته، ولمسته بنفسي.
أنت ستترك العراق، وستشعر أنَّ العراق لا يتركك، ستـُغادِر العراق أمَّا العراق فلا يُغادِرك بفضل حضارته، بتاريخه سيمتدُّ إلى كلِّ مشاعرك، وإلى ذاكرتك، وإذا كنتَ قد عملتَ مُدّة قصيرة في العراق فإنَّ العراق معك إلى الأبد. هذا هو سِرُّ العراق في كلِّ مَن زاره، وحضر إلى العراق؛ لأنـَّه تاريخ، وحضارة، وعُمق، وإنسانيّة، وأنـَّه جوهر التفاعُل بين المُختلِفين دينيّاً، ومذهبيّاً، وسياسيّاً. مِثلُ هذا المُفاعِل المُركـَّب في كلِّ عناصر الحضارة لم يُبارِح ذاكرتك، وستذكرني بعد أن تترك العراق بأنـَّه لا يتركك.
شكراً جزيلاً.
السيِّد نيكولاي ميلادينوف:
سيِّداتي سادتي، معالي الوزير شكراً جزيلاً لهذه الكلمات الطيِّبة في حقي.
في الحقيقة أنا لديَّ شعور لا يُمكِن أن أصفه وأنا أغادِر العراق أفكـِّر فيما يجمع بين مَن يعرفون العراق، وقلة من هؤلاء الذين يعرفون العراق لن يتمكـَّنوا من نسيانه، فالعراق جزء من ذاكرة العالم، والعراق من خلال مَن يُتابـِعون السياسة، والسياسات الدوليّة، وفي الحياة بشكل عامِّ العديد منهم كانوا يتساءلون: هل كان يجب أن يُطرَد صدّام من الحكم، هل المُسلِمون والعرب قادرون على الديمقراطيّة، وهل المُسلِمون والعرب يجب فرض الدكتاتوريّة عليهم؟
الجواب، هو: لا.. العراق يُثبـِت أنَّ كلَّ هؤلاء على خطأ حين يقولون إنه يتعيَّن فرض الدكتاتوريّة على العرب والمُسلِمين، وعلى العراقيِّين. العراق أثبت أنـَّه على الرغم من العنف، والخلافات فإنَّ العراقيِّين قادرون على العيش معاً في بلد واحد اعتماداً على الديمقراطيّة التي تعتمد -بدورها- على الدستور، وأعتقد أنـَّنا الذين عملنا في العراق، وأحببنا هذه البلاد تقع على عاتقنا مسؤوليّة أخلاقيّة، وهي قول الحقيقة.
بالنسبة للعراق الناس في شوارع بغداد، وأربيل، والبصرة، والرمادي لا يكترثون بالمُكوِّن الذي ينتمي إليه أيُّ مسؤول، وليس لديهم جوازات أخرى إلا الجواز العراقيّ، وهؤلاء هم الذين يُعانون أكثر من غيرهم؛ بسبب العنف، ومن جراء الإرهاب، وهناك مسؤوليّة تقع على عاتق العالم، وهي تقديم المُساعَدة إلى هؤلاء، ومُحارَبة إحدى أكثر المنظمات الإرهابيّة شرّاً التي ظهرت في العالم، ومُساعَدتهم في مُحارَبة الفساد، وبناء دولة القانون، ودولة المُؤسَّسات، ودولة تحترم حقوق الإنسان.
أعتقد أنَّ ما لمسناه في الأشهُر الستة الماضية منذ صيف العام الماضي هو إنَّ الأغلبيّة من العراقيِّين هي التي ستفوز في نهاية المطاف، وعندما كان بإمكانهم التخلي عن الدستور، والتخلي عن العمليّة السياسيّة اختاروا أن لا يفعلوا ذلك، ووجدوا القوة في توحيد الصفوف، وتقوية مسار المُصالـَحة الوطنيّة اعتماداً على هذه الأرضيّة.
ونحن نقف مُعجَبين بهذه التضحية، بهذه الشجاعة، بهذه القوة التي أبان عنها العراقيون بالوقوف صفاً واحداً أمام هذه الصعوبات، ونحن في الأمم المُتحِدة قدَّمنا ما يُمكِن تقديمه، ونحن نـُواصِل الدعم لهذه العمليّة، وكان هذا بمنزلة شرف كبير بالنسبة لنا، وكما تعلمون معاليكم أنـَّكم تقومون بجُهُود كبيرة، وفريق الحكومة العراقيّة، والجميع يقوم بالجُهُود على الرغم من كلِّ الصعوبات التي في الطريق، والتي تتجاوزونها في عملكم اليوميِّ، ودور الأمم المُتحِدة صغير يتمثـَّل في مُساعَدتكم على تذليل الصعوبات، وأنتم تقومون بعمل جيِّد، وتسيرون بالاتجاه الصحيح، ويتعيَّن عليكم مُواصَلة هذه الجُهُود على الطريق الذي تسلكونه.
شكراً جزيلاً.
التعليقات (0)