ماذا علينا الانتظار من حكومة العدالة والتنمية؟ عندما طرح علي أحد الزملاء هذا السؤال ابتسمت ابتسامة صفراء ذات دلالة، عاين صديقي هذه الابتسامة على شفتي على حين غرّة، فبادرني متسائلاً: "أهي ابتسامة استحسان أم استهجان؟" فكان جوابي: صراحة... كلاهما معاً، استحسان واستهجان في المتن والهامش. وأملي أن لا أثقل كاهل القارئ وأود أن يكون كلامي خفيفاً عليه، علماً أنه في نهاية المطاف يظل مجرد رأي واجتهاد يقبل الخطأ والسداد.
اعتباراً للظرفية الدولية والعربية والإقليمية، وكذا للأوضاع الداخلية ولحال سياستنا واقتصادنا، وأيضاً لاستدامة غياب رؤية واضحة المعالم ومحددة المقاصد، إن على مستوى المتوسط أو البعيد، منذ الأيام الأولى لتفعيل اتفاقية "إيكس ليبان" التي حكمت على المغرب بالانحراف على الطريق السيارة المؤدي إلى ترجمة الطموحات التي كان يثوق إليها المغاربة، ولكون أننا اليوم نحصد ثمار ما زرعنا منذ 40 و 30 و 20 و 10 سنوات، ولكون أن الله وهبنا أحزاباً وقيادات تنفرد بالتكيف مع الظروف والحال بطريقة غريبة جداً حسب هبوب الرياح، ويقل نظيرها في العالم جراء قابليتها للارتزاق وقدرتها على تحويل المستهجن إلى المستحسن، هذا علاوة على مقدوراتها الخارقة ومهاراتها التي لا تضاهي في التبرير والتأويل وليّ عنق الحقائق والأحداث...
اعتباراً لكل هذا سيكون من الصعب على فريق بنكيران السير نحو حلحلة المعضلات البنيوية التي نحياها في مختلف القطاعات والمجالات، لكن نطالبها بالممكن على وجه "أضعف الإيمان" في انتظار بلورة رؤية شاملة مضبوطة المقاصد ومحددة الأهداف لنعرف إلى أين نريد أن نسير. ومن معالم هذا الممكن على سبيل الاستئناس لا الحصر، تجدر الإشارة إلى جملة من الأمور قابلة التحقيق رغم كل الصعوبات التي ذكرناها وتلك التي لم نذكرها.
مثال1:
نعرف أن اليد قصيرة والعين بصيرة... وها هي الولايات المتحدة الأمريكية توافق على مساعدة اقتصادية وتنموية موجهة لمجموع جهات ومناطق المغرب في إطار القانون الضريبي لسنة 2012 الذي وقعه الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخراً بعد المصادقة عليه من قبل غرفتي "الكونغرس". هذا في وقت تعرف فيه مصادر تمويل الميزانية العمومية تقهقراً متصاعداً يتزامن مع تصاعد الدين الخارجي وتكريس عادة الاعتماد على القروض التي ترهن مستقبل الأجيال القادمة. للتخفيف من هذه الورطة على فريق بنكيران العمل على حل قضية الصحراء حلاً نهائياً في أسرع وقت ممكن لتوفير جزء من الملايير الطائلة المخصصة للجيش والمخابرات والأمن والخارجية جراء استمرار ملف الصحراء معلقاً بين السماء والأرض. في هذا السياق سبق للناشط الحقوقي فؤاد المومني أن قال: "ثمن (قضية الصحراء) هو بكل بساطة عدم تطوير المغرب". وهناك من ذهب إلى القول: "وجهت السلطات استثمارات كبيرة وضخمة إلى الأقاليم الجنوبية، ولكن ذلك في كثير من الأحيان على حساب سائر جهات وأقاليم المغرب، مما ساهم في خلق فجوة كان أحد تداعياتها انتشار دوائر الفقر".
وعلى هذا المنحى كذلك تبرز أهمية وضع الأصبع على المشاريع الفاشلة أصلاً تنموياً" لأن أغلب المغاربة لا يجنون منها طائلة، وهذا من شأنه كذلك ربح بعض الملايير.
مثال2:
فك الارتباط مع العم سام لأن كل ما يأتي منه مشروطاً وبمثابة سيف مسلط على المغرب: نظاماً وشعباً، نتائجه من باب "أضعف الإيمان"، الخنوع والخضوع المؤدي أحياناً إلى الذل في نطاق منظوم الذلقراطية والخوفقراطية حسب تعبير البروفسور المهدي المنجرة. فكفانا خضوعاً وخنوعاً لأمريكا اللذين داما عقوداً، فالولاء لواشنطن ربيبة إسرائيل ليس قدرنا. ولم يعد يخفى على أحد اليوم أن من الشروط الضرورية لبداية الطريق المؤدية إلى ديمقراطية حقة وجدية –ليس ديمقراطية الواجهة أو ديمقراطية ظرفية- احترام الشعب عبر العمل عبر الالتصاق بقضايا الناس وهمومهم حقاً، والعكوف على إعادة توزيع الثروة الوطنية بشكل أكثر عدلاً و أقل حيفاً. ولن يتم هذا إلا برفض الإملاءات الأمريكية وتوصيات البنك وصندوق النقد الدوليين منبع تأجيج الكثير من المعضلات التي نعيشها حالياً.
مثال 3:
التخلص من طقس تقبيل اليد العتيق الذي أضحى يحرج النظام نفسه في القرن الواحد والعشرين، سيما خلال حضور الأجانب. لقد سبقتنا السعودية في هذا الصدد، وكنا نود أن نكون نحن السباقين، لا سيما وأن الموضوع أثير عندنا قبلهم لكن، قبلنا، ألغى الملك عبد الله بن عبدالعزيز عادة تقبيل يد الملك من البروتوكول السعودي. والأمل كبير في حكومة بنكيران في تحقيق هذا المبتغى، وليس هذا على بلادنا بعزيز، علماً أن بعض زعماء حزب "المصباح" حسب ما راج، هم الذين كانوا وراء التماس –عن طريق أحد مستشاري الملك- حذف عبارة "شخص الملك المقدس" من الدستور.
مثال 4:
فك الارتباط مع قانون الإرهاب سيء الذكر والتخلص من كل ما فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على المغرب في هذا المجال، وكذا تفعيل آليات للإعلان عن الاعتذار للضحايا من جراء الخنوع غير المشروع لأمريكا.
مثال 5:
هل مناقشة وتمحيص ميزانية الجيش ستظل في عهد حكومة بنكيران وفي ظل الدستور الجديد أمراً بعيد المنال وستبقى كالعادة دون أدنى نقاش وتمحيص، وسيظل العرف القديم قائماً، أي الاكتفاء بالتمرير حتى داخل اللجنة المكلفة بالدفاع وشؤون الجيش، وبذلك ستبقى المراقبة معطلة إلى أجل غير مسمى.
مثال 6:
الابتعاد عن اعتماد الخوصصة التي تبخرت عائداتها دون أن تساهم في إرساء دعائم التنمية المستدامة، سيما وأن الخوصصة ألحقت أضراراً بالغة للمغرب والمغاربة، كيف لا وأن اعتمادها كان جراء الخضوع الأعمى للبنك وصندوق النقد الدوليين.
هذه أمثلة مما يمكن تحقيقه دون طول انتظار. والله أعلم
مرزوق الحلالي
التعليقات (0)