ولماذا يقف الواحد منا أمام المرآة لساعاتٍ طويلة ، وطول الساعات هنا هو نسبة إلى البُطئ الزمني ، كلما كان على موعد مع محبوبه ، ولماذا يحرص على أن يكون مظهره تماما كما يروق لحبيبه أو أكثر ، لكن ليس أقل من ذلك ؟! ..
المُفارقة أن مسألة الحرص على الظهور بهيئة حسنة في مُختلف المناسبات المُتعارف عليها إجتماعيا هي مسألة عامة ، لكن مسألة الإنتقاء الجيد ، والقدرة على التوفيق بين الألوان مثلا ، تبقى مسألة خاصة ولا يُتقنها سوى أصحاب الأذواق الرفيعة ، وأصحاب الأحاسيس المُرهفة ، الذين يشعرون بكل ما تلامسه أيديهم ، ويشعرون بجمال كل المخلوقات ، ذاك الذي يدوس عليه غيرهم بالجزم القديمة ! .. فهؤلاء ينتشلونه من تحت الأقدام ، ويعطونه حقه من الوجود ، فيظهرون متجملين به ، ويبدو عليهم رائعاً حتى وإن كان بسيطاً ، وكانت أسهمه متهاوية في بورصة الموضة ! ..
هناك بشرٌ في الحقيقة يُضيءُ كل ما تلامسه أيديهم ، وكأنهم يشحنون ما حولهم بطاقة الحياة .. ويرى الناظر إلى تحركاتهم جمال الأشياء فقط حينما تلامسها أيديهم ، وتحاكيها بإحساسٍ متدفق بها ، حتى وإن كانت تلك الأشياء روث أبقار ! ..
الجمالُ هو إحساسٌ بالحياة ، وبالهواء وبالماء ، وبالأرض وبالسماء ، وبالشجر وبالحجر ، وحتى بالبول والبراز ! ..
الجمالُ طاقة تتدفق في ذات كل إنسان ، لكن الفرق بين البشر أن هناك مَن يُحاول كبحها وإيقاف تدفقها ، وهناك من يُطلقها فتزين حياته وكل ما حوله ! ..
الجمالُ قبسٌ إلهي ، يُعلّم نفوسنا التواضع ، فتنزل إلى مستوى الجماد وتحاكيه ، وتعطيه حق قدره لأنه ما خُلِق عبثا ، لأنها سترى عظمة الخالق في كل شيء ، وهو خالق كل شيء ، فلا تحتقر شيئاً ! ..
الجمالُ لمسة سحرية يملكها كل واحدٍ منا ، لكن منا مَن لاينظر أبدا إلى يديه ، فلم لاتنظر ـ يا مَن تقرأ كلماتي ـ إلى يديك نظرة جديدة ، لتتمكن من رؤية لمستك الشخصية ؟ .. أنظر إلى يديك وأنت تحركهما ببطئ ، بعدما تفردهما أمامك مع إحناءة بسيطة للأصابع ، وتحاول الشعور بكل أصبع منها ، وبكل خط في راحة يدك ، وبكل إنحناءة وإنتفاخة ، وبكل تصميم ! ..
أنظر إلى يديك ـ هذه المرة فقط ـ بنظرة الحياة ، وسترى كيف ستنفرج أسارير وجهك ، وكيف ستشعر بالغبطة لأنك تعرّفت لتوّك على يديك الجديدتين ، يديك الجميلتين اللتين تجعلان مِن كل ما تلامسانه جميلاً ! .
ـــــــــ
تاج الديــن : 08 ـ 2010
التعليقات (0)