الوضع السياسي بعد الثورة
مصر كانت معلمة العرب ولا زالت . علمت الشباب العربي في مدارسها وجامعاتها طوال فترة الأستعمار وخلال المراحل الأولى للأستقلال ولازالت وأرسلت مئات الألاف من المدرسين إلى مدارس وجامعات البلاد العربية ولا زالت المصدر الوحيد للمدرسين في العالم العربي. كما أستفادت البلاد العربية ولا زالت تستفيد من خبرائها في جميع المجالات . واليوم تتقدم الثورة المصرية ثورات الربيع العربي والأمل كبير في أن تنجح الثورة المصرية في تحقيق أهدافها لتكون منارة ونبراسا للثورات العربية الأخرى حتى لا تقع هذه الثورات في نفس الاخطاء . لا شك أن مصر لها مشاكلها الخاصة التي تختلف عن مشاكل ليبيا وتونس وسوريا واليمن لكن الغريب إن الثورات فيها أفرزت نفس الأوضاع السياسية التي سادت في مصر . فالحركات السياسية التي بدأت تتشكل في ليبيا قد نصنفها إلى أربع فصائل ’ الاسلاميون بفروعهم السلفيون والقاعدة وغيرهم , الليبراليون الذي يسمون تجنيا العلمانيون وأنصار النظام السابق والعسكريون . وهذه الفصائل بدأت نشاطها في ليبيا فعلا فالأسلاميون في ليبيا لعبوا دورا هاما في الثورة . ورغم تصريحات زعمائهم بأنهم يؤيدون حكومة مدنية ديمقراطية إلا أنهم كالأخوان المسلمين في مصر لم يعلنوا عن برنامجهم الحقيقي في الحكم الديمقراطي وهنا يظهر خطرهم . فهم قد يبتعدون عن المتطرفين الأسلاميين لكن على أي حال برنامجهم لن يكون ديمقراطيا بالتعريف الحديث للديمقراطية المتعارف عليه دوليا , وهذا قد يعرضهم ويعرض ليبيا لحصارالحرب ضد الأرهاب وقيود دولية نظرا لموقعها الجغرافي الأستراتيجي كما حدث لأيران مما يجر البلاد الى حكم دكتاتوري بدعوى الخطر الأجنبي الذي كان سلاح الانظمة الدكتاتورية . أما الفصيل الثاني الليبراليون الذي يسمون تجنيا علمانيون فهم يتألفون من الشباب المتعلم الذي عاش في الخارخ أويعيش مع التلفزيون والفضائيات في الداخل فهم قد تشبعوا بالثقافة الغربية والحريات والديمقراطية الغربية تعليما وممارسة للذين يعيشون في الخارج . وهؤلاء يرون أن ما ينادي به الأسلاميون يعيدهم ألى عهد الخلافة والأمارة الأسلامية وهي نوع من الدكتاتورية في الحكم . فنظام الخليفة وحكم الأمامة حدث إستتنائي في التاريخ الأسلامي أقتصرعلى عهد الخلفاء الراشدين ولم يطبق بعدهم ولا يمكن تطبيقه اليوم . وسيجد هذا الفريق تجاوبا مع جماهير الشعب تلبية لنداء الأسلام الظاهري لكن معناه الباطني الوصول إلى السلطة الذي قد لا يفهمه الشعب . والليبراليون يتهمون بانهم علمانيون تجنيا لأنهم لا يطالبون بألغاء الإسلام كدين الدولة الرسمي ويعتبرون الشريعة الأسلامية مصدرا من مصادر التشريع ودعوتهم أقرب إلى خلق نظام ديمقراطي يتمتع بأستقرار البلاد وأحترام الغرب والعالم. فالديمقراطية نظام يحترم الرأي الأخر دون فرض أي رأي يحد من الحريات والمبادئ الديمقراطية المتعارف عليها دوليا . وسيطرة الفريق الليبرالي قد تلاقي ترحيبا شعبيا إذا تمكن من شرح مبادئ الحريات والديمقراطية لجماهير الشعب وأن الديمقراطية هي الشورى الاسلامية بمعناها الحديث وهي لا تتعارض مع تعاليم الأسلام والشريعة الأسلامية . والفصيل الرابع أنصار النظام الجماهيري السابق وهم أخطر فصيل في ليبيا اليوم فهؤلاء عايشوا القذافي عقودا طويلة وتمتعوا بأمتيازات كثيرة ورغم أعلان إنشقاقهم وتأييدهم للمجلس الأنتقالي والثورة بعد هزيمة القذافي وكتائبه . الا أن معظمهم يشعرون بضياع إمتيازاتهم ويرفضون خضوعهم لمن أعتبرهم زعيمهم الاوحد القذافي الجردان . وهم يملكون المال والفيلات والمزارع في كل مدن ليبيا , وبعض النفوذ في القبائل التي تمتعت بامتيازات خاصة في عهد القذافي , ومن العائدين والمتجنسين بقرار دون قانون تنفيذا لسياسة القذافي في تغيير تركيب الهيكل السكاني لليبيا وخلق شعب أخر لا يعرف إلا هو ونظرياته . .هؤلاء يصعب إنصهارهم في الثورة في وقت قصيروسيعيشون متربصين للفرص للأنقضاض على الثورة . والفصيل الرابع العسكريون ورغم أن هذا الفصيل قد إنتهى رسميا في ليبيا لكن كافراد لديهم الخبرة في شئون الدفاع والأمن وسيكونون العنصر الأساسي في جيش ليبيا المقبل وإنتشارهم في كل مناطق ليبيا لطبيعة عملهم سيقوي من مركزهم يساعدهم على عودة سيطرة القوات المسلحة على الحكم وعودة الحاكم القائد الاوحد الذي يفرضه أي نظام عسكري ..
إن هذه الفصائل الأربعة ستسغل أجواء الحريات والديمقراطية التي تحققت بفضل الثورة وسيحاول كل فصيل منها السيطرة على البلاد والنجاح في الأنتخابات وفرض فلسفته لحكم البلاد دون إحترام للعناصر الثلاتة الأخرى و مما قد يترتب عليه عودة الصراع بين فئات الشعب . وكل ما إزداد وأشتد الصراع الشعبي كلما أمعن الحاكم بفرض نفسه على الشعب حتى ينفرد بالحكم ويصبح دكتاتورا لا رأي لسواه . وقد يؤدي هذا الوضع إلى إنقسام البلاد ألى ولايات أو دويلات صغيرة تطلب حماية القوى الاجنبية او إنقلاب تصحيحي تقوده القوات المسلحة أو الحركات السرية المتطرفة يمينا وشمالا ..
من هذا نرى ضرورة إلتفاف الشعب حول المجلس الانتقالي ونجاح المجلس يتوقف على إستغلال الحماس الشعبي لنجاح الثورة لفرض الحواروالتعاون بين الفصائل الأربعة الاخرى والأحتراز من نشاطها الخفي مبكرا ولو أدى الأمر ألى إتخاذ إجراءات إسستنائية تستدعيها المرحلة الانتقالية , ومنها فرض الحظر على دعاة التطرف الديني او اليساري أو اليميني وعلى كل المسئولين السابقين في العهد القذافي وأتباعه المشكوك في ولائهم من تولي مناصب سيادية كالوزارة في المرحلة الأنتقالية و الترشح للرئاسة والبرلمان القادم في دورته البرلمانية الاولى . وهوأجراءأتبعته معظم الثورات التي نعرفها رغم مخالفته لحقوق الانسان . لأن إيقاف هؤلاء لفترة أربع سنوات من مناصب إتخاذ القرار السياسي قد يخفف من حدة تطرفهم وتحمسهم لفصائلهم وتعود البلاد بعد هذه الفترة إلى رفع هذا الحظرالمؤقت عليهم .
الشئ الذي يطمأننا هوأن الثورة الليبية فيها وضوح ونص على خريطة طريق لها في الوثيقة الدستورية المؤقتة وهي دور المجلس الانتقالي المؤقت لفترة ثمانية أشهرلأنتخاب مجلس عام تأسيسي أو جمعية تأسيسية لكل ليبيا تقوم بتأليف الحكومة المؤقتة المنتخبة ويسلم المجلس الأنتقالي السلطة ألى المجلس التاسيسي العام الجديد الذي يقوم بدوره في فترة سنة تأسيس لجنة خاصة لوضع الدستور وعرضه على الشعب للأستفتاء ثم تتم إنتخابات الرئاسة والبرلمان ليتولى السلطة من المجلس التأسيسي وتأليف أول حكومة دستورية ليبية .والثورة الليبية في وضوحها تختلف عن الثورتين المصرية والتونسية فلازال الغموض والضبابية تهيمن عل الاوضاع والسبب هوالابقاء على عدد كبير من مسئولي نظام مبارك وبن علي في مراكز المسئولية كطابور خامس وظهور صراع قوي بين الأسلاميون والعلمانيون .. ويعمل هذا الطابور الخامس اليوم باستغلال هذا الصراع وإعلان الولاء للثورة وسحب البساط من تحت الثوار الشباب الحقيقيين وإعادة البلاد إلى حكم الفرد أو الطغمة الحاكمة والقمع والأنغلاق.
لقد إستبشرت وأستبشر الشعب خيرا بتصريحات المستشار مصطفى عبد الجليل وخاصة الأخيرة منها في طرابلس . فقراره بحل المجلس الأنتقالي والمجلس التنفيذي أو الحكومة التي ستألف وتسليم السلطة الى المؤتمر العام بعد ثمانية أشهر. وتصريحه بعدم الترشح للحكومة والبرلمان مستقبلا يجب أن ينطبق على جميع أعضاء المجلس الانتقالي ورئيس وأعضاء المجلس التنفيذي لمدة أربع سنوات على الأقل . وتأكيده بأن ليبيا دولة إسلامية معتدلة وأن الشريعة الأسلامية مصدر من مصادر التشريع وليست المصدر الوحيد للتشريع كما نشرته بعض وسائل الأعلام .وإصراره على تقديم كل من خدم في عهد القذافي عهد ثورة الفاتح من ستمبر للمحاكمة أو تحقيق النائب العام بما فيهم هو نفسه الذي سيقدم نفسه للمحاكمة على الفترة التي خدمها كوزير في عهد القذافي . وتصريحه الأخير بالتحقيق في مصدر الثروات الكبيرة التي جمعها بعض رجال العهد القذافي من مسئولين ورجال أعمال محسوبين على النظام ورصد أموالهم المخزنة في مصارف ليبيا وفي البنوك في الخارج وكذلك الاراضي والاملاك العقارية والشركات المالية والتجارية وغيرها . ومتابعتها من طرف البوليس الدولي والدول التي تتعامل مع ليبيا إقتصاديا بالذات وغيرها ’ وأعادة ثروات الشعب إلى خزينة الشعب . طلبه من الشعب عدم الأنتقام وترك الأمر للقضاء الذي نأما أن يطهر ويعين فيه قضاة خبراء مختصين ومن أهل الثقة والعدل . وإقرار المستشار بالأعتراف بالأتفاقيات والعقودالمالية والتجارية مع إعادة النظر في بعضها المبالغ في قيمتها الحقيقية . الشئ الذي نريد من السيد المستشارتأكيده هو الأصرارعلى وحدة ليبيا وأن تكون الولايات المقترحة تقسيمات إدارية ليست لها الشخصية الاعتبارية أو السيادة .فالبلاد يجب أن تحكم بحكومة مركزية تملك كل الصلاحيات في الشئون الخارجية والداخلية والاشراف التنفيذي على الولايات. كما نأمل من السيد المستشار عبد الجليل أن يهتم شخصيا بمجال الأعلام والسماح بالاعلام الحر وحرية الرأي للجميع وأصدار قانون يؤكد هذه الحريات . كل هذه السياسات التي أكدها المشتشار تبعث على الأطمئنان ونأمل أن يتمسك ويسمع صوت الشعب في مظاهراته الحرة والأعلام الحروالأستفتاءات العلمية الحرة حتى يسلم امانة الحكم لممتلي الشعب المنتخبين . وعدم غلق نفسه والأكتفاء بمقترحات زملائه ومشتاريه دون الرجوع إلى الشعب بشانها . فنحن نعرف إن كل مشاكلنا في العالم العربي هو إعتماد الحاكم على الطغمة التي حوله والتي تجره إلى الفساد شيئا فشيئا والحكم الدكتاتوري هذا ما حصل لمبارك وبن علي والأسد وعلى صالح وغيرهم .
بشيرإبراهيم السني المنتصر
التعليقات (0)