بسم الله الرحمن الرحيم
الثورة السورية في مفترق الطرق.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا) و( نصرت بالرعب مسيرة شهر)
الظاهر من مجريات احداث الثورة السورية انها وصلت الى مرحلة هامة من مفترق الطرق واختيار المسارات المطلوبة منها لكي تصل الى الهدف المرجو وهو انتصار الثورة ورحيل النظام.
كما ان عدة عوامل اساسية تلعب دورا في مسار الثورة السورية وهي التي تتحكم بتفاعلاتهافي مسار الثورة والنتائج التي ستصل اليهاوهي
اولا :الوضع الداخلي وعلاقته بالمعارضة التقليدية.
ثانيا:المعارضة التقليدية ودورها في التعامل مع الداخل من طرف ومع القوى الخارجية من طرف اخر
ثالثا: القوى الخارجية والوضع الذي تريد ان يصل اليه الوضع الاقليمي في المنطقة بعد ان استهلاك الاسد لكل الاوراق التي في يده سوى ورقة الفوضى الطائفية.
رابعا : وضع النظام السوري وتصرفاته التي تحدد مدة سقوطه المحكوم
وللبداية في بحث هذا الموضوع سوف نبدأ بالعامل الثالث وهوالذي يحدد النهاية لمسار الثورة مع العلم ان انتصار الثورة اصبح من المسلمات التي لايختلف عليها اثنان.
القوى الاقليمية والدولية وتأثيرها في مسار الثورة:
ان استمرار نظام البعث لفترة خسمين عاما في السلطة ومروره بفترات عصيبة في تاريخ المنطقة ادى الى اعتماد الدول الاقليمية والدولية عليه في اداء بعض الادوار الهامة في المنطقة اهمها:
- التفاهم المتضمن على هدوء الحدود مع اسرائيل وممانعة كاذبة للوجود الاسرائيلي.
- ومن بعدها دوره في تصفية الفلسطينيين في لبنان واحتواء اوارق القضية الفلسطينية واللعب بها بحجة الممانعة بما فيها ورقة حماس.
- دوره المهم في الحرب العراقية الايرانية .
- والتفاهم مع الغرب على دعم الاكراد في تركيا والعراق لانشاء الدولة الكردية .
- بالاضافة الى كونه الحلقة الاساسية في محاربة الاسلاميين في المنطقة والسيطرة على تحركاتهم والتعاون الاستخباراتي مع الغرب في المنطقة حول الارهاب والقضاء على منابعه.
- . واخيرا دوره التاريخي في سقوط صدام والدخول في التحالف الدولي اثناء حرب الكويت ومن بعدها حرب العراق سنة 2003
- بالاضافة الى كونه الرسول لحل الازمات بين الغرب وايران.
- واخيرا وهي اهم ورقة هو دوره في اللعب على ورقةالحرب الطائفية في الخليج مع ايران لتهديد دول الخليج .
ان هذه الادوار التي استطاع نظام الاسد اللعب بها لتثبيت وجوده في المنطقة ادت الى اعتباره الولد المدلل من طرف والخوف من الفراغ السياسي الذي سوف يخلفه في حال زواله من طرف اخر .
ولعل اكبر خطأ ارتكبه النظام البعثي في الفترة الاخيرة هو الخطأ في فهم الحدث واسبابه والقلق, والخوف من النهاية المحتومة بسبب كثرة اعدائه والاخطاء التي ارتكبها في السياسة الاقليمية ,والظن ان الاستمرار في اللعب والخلط بين هذه الاوراق هو المنقذ الوحيد له من السقوط وان الغرب سوف يقوم بحمايته حتى في حالة ضغفه ونسي ان الغرب لايضع اوراقه في السلة الخاسرة.
ومن بعدها بدأ اللعب بالاوراق التي ادت الى زيادة عدم الثقة بصلاحيته شيئا فشيئا حتى وصل الى الوضع الحالي .
والمطلوب الان هو وجود بديل لهذا النظام يحقق هذه المعادلة الصعبة وينقذ المنطقة من الفراغ السياسي الذي سيحدث في حال سقوطه الغير مأسوف عليه.
قد يكون البديل المطروح في حال طول الازمة و بمساعدة تركيا بطريقة الفوضى الخلاقة , هوانشاء منطقة محررة يتحرك منها الثوار السوريون لاسقاط النظام وبكونترول من تركيا وهذا في حالة عدم استطاعة المعارضة السورية لم شملها والدخول في التزامات مع الغرب في ملأ الفراغ السياسي كما يريد الغرب وبطريقته وكما حدث في ليبيا وسيحدث في اليمن وبالطريقة الي توصلت اليها في تونس ومصر.
كما ان الغرب سيسرع في سقوط النظام اذا تحولت الثورة السورية الى ثورة مسلحة من غير السيطرة عليها خوفا من وقوع ترسانة الاسلحة السورية في يد الثوار السوريين مما يهدد المنطقة بسننين مديدة من الارهاب وعدم الاستقرار وما وضع العراق ببعيد.
ثانيا التنسيقيات في الداخل
إن عظمة الانتفاضة السورية وتحولها الى ثورة كونها انتفاضة شعبية غير منظمة من دون قيادة محددة ولا تحمل أي أيديولوجيا محددة. والسبب في هذه الحالة السورية هو شدة القبضة الأمنية فقد كان من المستحيل تماماً وجود حالات منظمة أو شبه منظمة لحركات شعبية حتى ولو نشطت في السر، ولذلك وجدنا عشوائية كبيرة في مناطق خروج التظاهرات في كل المدن السورية تقريباً ومن دون تنظيم مسبق، وعشوائية أخرى في طريقة رفع الشعارات رغم تركيزها الكبير على الحرية والكرامة التي هي بالتأكيد العنوان الرئيسي للثورة السورية، كرد على احتقار الدولة الأمنية السورية لطريقة التعامل مع مواطنيها.
ان التنسيقيات في الداخل هم قادة ميدانيون يتمتعون بالاحترام داخل مدنهم المحلية، وأثبتوا قدرة على القيادة وتنظيم التظاهرات وتوجيهها، وفي نفس الوقت امتلكوا القدرة على امتلاك خطاب صلب مناهض للنظام، بالرغم من الظروف الصعبة التي يعيشون فيها، ما شجع الكثيرين على الخروج والتظاهر، وهم ينتمون جميعاً إلى الطبقة الوسطى وذوو تحصيل علمي عال. إن كل هؤلاء القادة الميدانيين إما معتقلون أو يعيشون متخفين خوف الاعتقال، ما يصعب مهمتهم.
لكن كما قلنا لما كانت هذه الانتفاضة لا تملك قيادة خاصة بها فإن من المستحيل على النظام قمعها عبر اعتقال قياداتها لأنه كل يوم تقريباً تظهر قيادات جديدة تقود التظاهرات وتحرض عليها مما يؤكد استمرارية الثورة وصعوبة القضاء عليها.
ان المشكلة الكبرى في الثورة السورية في الداخل هي فقدان الحلقة الناقصة للوصول الى السلطة و التي تبرز هنا هي في عدم قدرة الانتفاضة على إسقاط النظام في المدى المنظور وأن تتراوح في مكانها مع ما يترتب على ذلك من خسائر وتضحيات – وهذا مفسّر في ضوء ما نعرفه من طبيعة النظام أولاً والانتفاضة الشعبيّة بقواها الذاتيّة الصرفة التي لم تستطيع اختراق بنية النظام السياسيّة والأمنيّة والعسكريّة ولا تحريك مدينتي حلب ودمشق- و هي لن تتراجع أيضا كما هو واضح من مسار الاحتجاجات وأن النظام بدوره لن يقوى على القضاء عليها. و"التوازن" هذا يكلّف سورية المزيد من الدماء والضحايا.
المعارضة التقليدية
إن هذه المعارضة التقليدية تتمتع بالخبرة السياسية الضرورية بحكم خبرة أعضائها الطويلة من أجل إدارة المرحلة الانتقالية القادمة في المستقبل، وربما ولهذا السبب قامت الأجهزة الأمنية السورية باعتقال كل قياداتها بالرغم من أنها تدرك تماماً دورهم المحدود في إخراج التظاهرات، لكنها رغبت في منع هؤلاء القادة من تطوير البديل المناسب والضروري، بحيث يبقى النظام السوري ممسكاً بكل خيوط اللعبة ومهدداً بنفس الوقت بأن الفوضى هي البديل الوحيد عنه.
ان دور المعارضة السورية في الخارج، وتصاعد الانتفاضة قرّبها كثيراً من الداخل بحيث تلعب الآن الدور المحوري والأساسي في إيصال صوت السوريين إلى الخارج عبر الإعلام بحكم منع وجود الإعلام والصحافة في كل المدن السورية.
من الملاحظ أن الحركة الشعبية أصبحت أكثر تنظيماً وتماسكاً، لكن لا تزال جماعات المعارضة السياسية داخل سورية وخارجها متفككة، فهي منقسمة بين المنفيين والأعضاء المحليين بسبب اختراق السلطة السورية لها ، كما ان اي تصرف للمعارضة في المستقبل عليها اخذ هذا الاحتمال بعين الاعتبار .
أن المعارضة السورية تفتقر إلى التنسيق إذن، إذ يضم البلد مجموعة متنوعة من الديانات والطوائف والقبائل والجماعات الإثنية، وقد وصل قمع حزب البعث طوال أربعة عقود إلى حده الأقصى والى ضعف المعارضة السياسية، ولا يزال بعض المعارضين البارزين، منهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، موجودين في الخارج وعلى المعارضة في الداخل الاستفادة وتوظيف هذه الامكانيات في خدمة الثورة مع الاستفادة من الحبرات الامنية التي عايشوها في الماضي فهم ادرى بالخداع اذي تمارسه هذه الفئة الباطنية.
لقد قدّم المناضلون القدامى المحليون تضحيات كبرى طوال سنوات، لكن تفوّق عليهم الشبّان المتحمسون في الانتفاضة الراهنة، كما ان على اتحاد التنسيقيات بالتعاون مع المجلس الجديد ان يكسب الزخم الذي بحتاجه للضغط على النظام في الداخل والخارج، و إذا تمكنت جبهة معارضة واسعة من إثبات نفسها كخيار بديل وصريح عن الأسد وحزب البعث الحاكم، فسيسقط الرئيس في مرحلة أقرب مما نتصور
وضع النظام السوري
النظام مازال قويّاً رغم اهتزازه وتخبطه والرعب الذي ألم به من سوء العاقبة. ثمة تقديرات تقول بأن النظام سينهار لأسباب اقتصادية بعد بضعة شهور بسبب تعطّل قطاعات مالية وسياحيّة، وبسبب العقوبات الاقتصادية. لكن النظام لن يتوانى عن اقتراض الأموال من هنا وهناك وبأية شروط كانت في سبيل الاحتفاظ بالسلطة. ويبقى احتمال الانهيار الاقتصادي وارداً. علماً أن طبقة رجال الأعمال وأثرياء البلد، من كافة الطوائف، تقف إلى جانب النظام حتى الآن، و لا يتوقع أن تصطفّ إلى جانب المعارضة والتغيير راهناً, ومع استمرار الضغط الاقتصادي فد تتحول هذه الفئة الى الطرف الاخر.
واذا كانت هناك من اوراق بقيت في يد النظام لكي يلعب بها فهي
- ورقة الطائفية والحرب الأهليّة؟
- الاصلاحات المزعومة
ان الانتفاضة في سوريا ذات وجهة وطنية تحرّرية عامّة. ويشارك فيها مواطنون سوريّون من مشارب سياسية و مناطقيّة ومهنيّة وعمريّة متنوّعة. ليس فيها أية ملامح طائفيّة أو مذهبيّة بمقدار ما هي انتفاضة المهمّشين في النظام السياسيّ-الاجتماعيّ-الاقتصاديّ
ولا ينتقص من شرعيّة هذه الانتفاضة ، ووطنيّتها، أنّ الأقليّات تتملّكها مخاوف من التغيير ولا أن هناك أغلبيّة طائفة سورية تقف مع النظام لأنّها ارتبطت مع أجهزة السلطة أكثر من غيرها، ولذلك ارتهنت غالبيتها للسلطة ,كما أن الركون إلى التفسير الطائفيّ لديكتاتوريّة النظام واستمراره يحمل مجازفة علميّة و سياسيّة.
كما ان اللعب بورقة الطائفية للاقليمية هي اخطر ما يهدد امن المنطقة والتي ستعجل في القضاء عليه.
الاصلاحات المزعومة
المشكلة الأساسيّة في "الإصلاحات" الموعودة أنّ السلطة كانت وما تزال تنكر وجود معارضة حقيقيّة تقليديّة أم جديدة تزداد يوماً ما. وهي تنكر الجوهر السياسيّ للأحداث أصلاً. لكن السلطة تلهث طبعاً وراء أيّ مظهر شكلي، لا يفضي إلى تغيير في ممارسة السلطة بحد ذاتها.
حتى الآن ان النظام يتخبط خبط عشواءوكل كل ما أعلن من "إصلاحات" ينطلق من نفس الموقع السلطويّ والعقلية الاحتكارية :السلطة هي المصدر الوحيد لإقرار أي شيء وعلى المجتمع الطاعة. فعلى سبيل المثال لم يشرك أي حقوقي مستقل ومعروف بدفاعه يوماً ما عن حقوق الإنسان والمواطنين في ما سمي بلجنة إلغاء قانون الطوارئ، ولا في لجنة صياغة مشروع قانون الأحزاب، ولا في أي هيئة أخرى.
وبسبب نواة السلطة الضيّقة جداً و المتحمورة حول الرئيس وعائلته ومقرّبيه، وهي لن ترضى بأي انفتاح سياسيّ حقيقيّ ولا بالقبول بأهليّة المواطنين ومشاركتهم في شؤون بلدهم كمواطنين لا رهائن.
كما ان النظام ذاته يغلم ان اية اصلاحات حقيقية سوف تؤدي الى سقوط هيكل عصاباته الكرتوني.
وفي النهاية لابد من الدعاء الى الله ان يسهل على اهل سورية مخاض الثورة وان ينصرها برعب مسيرة شهر وان يوصلها الى بر الامان في اقرب وقت, امين.
التعليقات (0)