مواضيع اليوم

التغييرات في تركيا.. ما الذي يتحكم في السياسة الخارجية التركية؟

بلال الشوبكي

2012-02-17 15:06:41

0

  عرض لدراسة سفانتي كورنيل بعنوان: التغييرات في تركيا.. ما الذي يتحكم في السياسة الخارجية التركية؟ 
 بلال الشوبكي     

  لكل دولة في عالمنا بوابة منها تدخل ساحة السياسة الدولية، أحياناً تكون هده البوابة هي الجغرافيا وأحياناً التاريخ أو الدين أو الأمن أو السياسة أو الاقتصاد. لذلك، فإن فهم السياسة الخارجية لدولة ما يتطلب معرفة البوابة التي دخلت منها هذا العالم، وقد يكون لدولة ما أكثر من مدخل، لكن أن تحتفظ دولة واحدة بكل مداخل السياسة الخارجية، فهذا هو النادر الذي تمتلكه تركيا. فتركيا وريثة الإمبراطورية العثمانية بلغة التاريخ، ومن أكبر الدول الإسلامية بلغة الدين ومن الدول الاقتصادية الأولى في العالم حيث تحتل المرتبة السادسة عشرة، وقوتها العسكرية متميزة ولها مكانة في حلف الناتو، أما سياسيا فهي عقدة السياسة الأورومتوسطية بحكم الجغرافيا.


لكل هذه الأسباب كانت تركيا وما زالت محور اهتمام علماء السياسة، ومدرسة فريدة في العلاقات الدولية. سفانتي كورنيل لم يكن استثناءً بين المختصين في حقل العلاقات الدولية، فوضع السياسة الخارجية التركية تحت مجهره، والهدف هو معرفة محددات السياسة الخارجية التركية في مرحلة ما بعد إعادة انتخاب العدالة والتنمية صيف العام الماضي. سفانتي كورنيل هو مدير الدراسات في معهد آسيا الوسطى والقوقاز وبرنامج دراسات طريق الحرير التابع لكلية الدراسات الدولية في جامعة جونز هوبكنز ومعهد الأمن وسياسة التنمية في استوكهولم، ويرى في دراسته الصادرة عن مجلة الشرق الأوسط الفصلية شتاء 2012 أن هناك تغيرات لا بد من فهمها في السياسة الخارجية التركية عنوانها عودة الاهتمام التركي بالشرق.


خطاب الفوز الذي ألقاه رجب طيب أردوغان بعد انتخابات صيف 2011، كان عنواناً للتغيير في النهج التركي الخارجي فقد قال صراحة "إن تركيا ستكون من أقوى عشر دول في العالم بحلول 2023، وإن فوز العدالة والتنمية هو فوز للشرق الأوسط والقوقاز والبلقان كما هو فوز لتركيا. كورنيل يعتقد أن تركيا ومنذ ذلك الفوز بدأت مرحلة تطوير العلاقات مع دول مثل سوريا وإيران والسودان فيما قلَّصت من علاقاتها مع إسرائيل وانتهجت خطاباً أكثر حدة ضد أمريكا وأوروبا.

من الغرب إلى الشرق
لقد شهدت الفترة بين 2002-2007 تركيزاً تركيّاً بقيادة العدالة والتنمية على محاولة التوافق والتجانس مع الاتحاد الأوروبي كأداة للانضمام إلى الاتحاد، لكن مرحلة ما بعد 2007 شهدت تغيراً في الاهتمام التركي، فقد تحول التركيز التركي نحو منطقة الشرق الأوسط. هذا النهج الجديد في السياسة الخارجية التركية اعتمد على نظرية العمق الإستراتيجي التي وضعها مهندس السياسة الخارجية التركية أحمد داود أوغلو، فهو يرى أن منطقة الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز، هي المنطقة المثلى لتركيا كي تلعب فيها دوراً حيويّاً. هذه النظرية ستدفع تركيا إلى خلق هيكل إقليمي تكون هي الرائدة فيه، بدلاً من استجداء المواقف الأوروبية بشأن انضمامها كعضو في هيكل قائم مسبقاً.


بدء تحويل هذه النظرية إلى واقع تطلّب من تركيا إعادة صياغة علاقتها مع جيرانها وفق أسس جديدة، ولذلك تم تطوير إستراتيجية جديدة أطلقها داود أوغلو بعنوان إستراتيجية "صفر مشاكل"، ومفاد هذه الإستراتيجية أن تقوم تركيا بإنهاء كافة الملفات العالقة مع الجيران بشكل ودّي وفتح صفحة علاقات جديدة، وقد نجحت تركيا في ذلك بجدارة حين أنهت خلافاتها مع الجيران، وطوّرت العلاقات مع سوريا وإيران وكوردستان العراق، بل إن الأمر تجاوز ذلك لخلق علاقات مع دول لا تربطها حدود مع تركيا مثل مصر وبعض الدول الإفريقية والأردن وروسيا.


تركيا كانت تعي جيّداً أن دوراً كبيراً لها في الشرق الأوسط قد يثير حفيظة الغرب، لكنّها كانت تجادل أن مثل هذا الدور قد يفيد الغرب، فواشنطن وبروكسيل دورهما محدود في هذه المنطقة مقارنة بتركيا. في إطار تعزيز دورها، استعدّت تركيا للوساطة بين إسرائيل وسوريا، وبين أفغانستان وباكستان، وبين فتح وحماس، وقد نجحت أيضاً في إقناع الغرب أن دورها سيحفز الإعتدال لدى هذه الأطراف وسييسر قبولها كعضو طبيعي في المجتمع الدولي.
تغيّر المحور
هناك ثلاث قضايا رئيسية نالت اهتمام السياسة الخارجية التركية وهي قضية إيران وإسرائيل والسودان، بالإضافة إلى قضية رابعة متجددة هي قبرص. يقول كورنيل إن أردوغان حوّل الدور التركي من وسيط إلى طرف، وخصوصاً في العلاقة مع إيران، حيث أصبح مدافعاً عن إيران وينادي أحمدي نجاد بالصديق، فيما المسؤولون الأتراك بدأوا يساوون علناً بين امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية وبين البرنامج النووي السري لإيران. خلال عامين فقط كانت تركيا أقوى داعم لإيران في الساحة الدولية.


التقارب بين إيران وسوريا ودعم الحوار الفلسطيني الداخلي كان متوازياً مع بداية انهيار التحالف التركي الإسرائيلي، فتركيا كسرت الحصار الغربي المفروض على حركة حماس حين استضافت خالد مشعل، كما أنّها كانت المعاقب الرئيسي لإسرائيل في المنتديات الدولية حين شنّت الأخيرة حربها على غزة نهاية 2008. يذكر كورنيل هنا الحادثة الشهيرة لتوبيخ الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز من قبل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر دافوس 2009.


منظّمات غير حكومية مقرَّبة من حزب العدالة والتنمية سيّرت قوافل دعم إلى غزة وكسرت الحصار الإسرائيلي، وما أوصل الأمور إلى حافة الهاوية هو الهجوم الإسرائيلي على سفينة مرمرة، حيث قتل ثمانية أتراك على يد الكوماندوس الإسرائيلي في حادثة أطلق عليها داود اوغلو أنها (11/9 التركي).
في السودان أيضاً كان الموقف التركي يعتبر مخالفاً للموقف الغربي، فأردوغان كان يدافع عن عمر البشير علناً. في كل القضايا تحولت تركيا من صانعة للسلام إلى طرف سياسي، فهي وقفت إلى جانب العرب في الصراع العربي الإسرائيلي وإلى جانب حماس في الحوار الفتحاوي الحمساوي، وإلى جانب إيران والسودان في مواجهتهما مع الغرب.


في الشأن القبرصي أبدت تركيا استعدادها لتقديم تنازلات وهو ما أثار حفيظة هيئة الأركان في الجيش التركي، لأن أردوغان بدا متساهلاً مع قبرص. لكن أردوغان ردّ بشدة على إعلان الحكومة القبرصية نيّتها تطوير حقول الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، حيث هدد بإرسال القوات البحرية والجوية لمراقبة المنطقة. كما أجرى الجيش التركي مناورة عسكرية مع الصين هي الأولى من نوعها بين الأخيرة وأحد أعضاء حلف الناتو، في خطوة وصفها منتقدو حزب العدالة والتنمية على أنها تحوّل في المحور.

مركز السياسة العالمية
هناك عدة عوامل دفعت بتركيا إلى محاولة لعب دور أقوى على مستوى العالم، كما يشير كورنيل:
- منها أن تركيا أصبحت منذ عام 1990 قوة اقتصادية، فإنتاجها زاد بشكل كبير وأصبحت بحاجة إلى أسواق جديدة وهذا كان من مهمّة السياسيّين الأتراك الذين نجحوا في جعل الدول الشرق أوسطية سوقاً متاحاً لتركيّا. كما أن الاقتصاد لعب دوراً مغايراً في كوردستان العراق، فقد ساهم التعاون الاقتصادي بين كوردستان العراق وتركيا في فتح الطريق للتقارب السياسي بين الطرفين.
- الرفض الأوروبي لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، والحديث عن هوية ثقافية تركية مخالفة لأوروبا، دفع بتركيا إلى خلق بعد جديد في سياستها الخارجية، وذلك من خلال إعادة الإهتمام بمنطقة الشرق الأوسط.
- تجديد الثقة بالنفس من قبل الأتراك، أو ما سميت بالتركية الديغولية.
- العمق الإستراتيجي التركي وفق رؤية داود أوغلو، حيث يرى أن تركيا يجب أن لا تظل حبيسة التحالفات أحادية الجانب مع الغرب، ويجب أن تلتفت إلى عمقها التاريخيّ في الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز.


دور الأيديولوجيا
حزب العدالة والتنمية يرفض بشدّة أن يؤطّر نفسه كحزب إسلامي، ولذلك فهو ينكر أي دور للأيديولوجيا فيما يخص سياسة الحكومة التركية أو أي محاولة للابتعاد عن الغرب. وكمثال على ذلك فإن عبد الله غول في مقابلة عام 2010 يرفض القول إن تركيا أدارت ظهرها للغرب، ويؤكد أن تركيا قوة اقتصادية ديمقراطية تحفظ الحقوق والحريات، ولديها سوق حر وتعتبر مصدر إلهام في منطقة الشرق الأوسط. يضيف غول: إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يجب أن يرحبوا بالدور التركي في الشرق الأوسط لأن تركيا تقوم بإيصال القيم الغربية لمنطقة محكومة بأنظمة استبدادية.


رغم ذلك، فإن خطابات أردوغان تؤكد على عودة الفكر الإسلامي في تركيا، وهنا يركز كورنيل على خطابات أردوغان بشأن إسرائيل، فهو يعتبر أن هناك عداءً متنامياً من أردوغان ضد الدولة اليهودية، ليس هذا فحسب بل إن هناك اهتماماً وتحسيناً للعلاقات مع الحركات الإسلامية على مستوى العالم. كما يضيف كورنيل وكجزء من المؤشرات التي يسوقها للتدليل على إسلامية حزب العدالة والتنمية أن داود أوغلو هو مهندس السياسة الخارجية في عهد حزب العدالة والتنمية، وله تأثير كبير على أرودغان، وقد أتى من خلفية أكاديمية وله مؤلفات تشير إلى اهتمامه بالفكر الإسلامي وعلاقة الإسلام بالغرب ورغبته بعودة الاهتمام بالعمق الإسلامي لتركيا كبديل عن التوجه غرباً.

الثورات العربية وتأثيرها على تركيا
مثّلت الثورات العربية تحديّاً للساسة الأتراك، فقد كان عليهم اتخاذ مواقف واضحة في ظل أحداث لم تتكشّف ماهيتها بعد. أردوغان كان من المشجعين الأوائل للثورة المصرية، كما أنه كان أول قائد يدعو حسني مبارك للتنحّي في 2 فبراير 2011. لكنّه لم يفعل ذلك مع إيران حين حدثت مظاهرات ضد نجاد في 2009.
إذا كانت أنقرة ترى الأمور لا لبس فيها بخصوص مصر، فإن الأمور معقدة نوعاً ما في ليبيا، كما يشير كورنيل في دراسته، فقد رفض كل من أردوغان وأوغلو فرض عقوبات على النظام الليبي من قبل الأمم المتحدة، كما رفضت تركيا التدخل العسكري للناتو، وقد شكّكت القيادة التركية بالأهداف الحقيقية للتدخل، واعتبرت أن هناك أجندة خفيّة تتبلور في عطش الغرب لمصادر النفط. لكنّها في نهاية المطاف وافقت على عمليات الناتو ودعت القذافي إلى التنحي في إبريل 2011 واعترفت بالمجلس الانتقالي، وحين سقط نظام القذافي حاولت تركيا أن تزيد من نفوذها فزار أردوغان طرابلس وحظي باستقبال أكثر حفاوة من استقبال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون.


إجمالاً، يرى كورنيل وهو محق في ذلك أن الوضع السوري هو الأصعب على تركيا في كيفية التعامل معه. تركيا كانت على وشك أن تخوض حرباً مع سوريا عام 1998 لكنّها نجحت في تحويل حالة الحرب إلى حالة وفاق تُوّجت بإلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين والتكامل الإقتصادي، وقد قام أردوغان بتطوير العلاقات الشخصية مع بشار الأسد. مع بداية العنف في سوريا، أخذت تركيا على عاتقها أن تقنع النظام السوري بحل الأزمة من دون عنف، لكن جولات أوغلو المتكررة لم تثمر، بعد ذلك بدأت حدة التصريحات التركية تزيد ضد النظام السوري، فقد أعلن أرودغان أنه لا يمكن لتركيا أن تدعم سوريا في خضم كل هذا العنف، كما أن تركيا لا يمكنها عدم المبالاة حيال ذلك وطالب بالإصلاح في سوريا.


إن الاضطرابات في الشرق الأوسط أثرت بشكل كبير على تركيا، وخصوصاً أنّها زعزعت نظرية "صفر مشاكل" مع الجيران التي اتبعتها تركيا، كما أن اللاجئين السوريين إلى الأراضي التركية يعتبرون امتحاناً لا مفر منه لمذهب داود أوغلو. تعقيد الوضع السوري أثر سلباً على العلاقات التركية الإيرانية، فإيران انتقدت علناً الموقف التركي من النظام السوري، وهو ما يعتبر ضربة لتقوية العلاقات التركية الإيرانية في السنوات القليلة الماضية. في إطار توتر العلاقات التركية الإيرانية يمكن فهم موافقة تركيا على نشر الدرع الصاروخي الأمريكي والتزلف إلى أمريكا والحد من أثر الموقف التركي من إسرائيل على العلاقة مع أمريكا.


الأمر الآخر في مرحلة ما بعد الثورات العربية، أن خطاب أردوغان القاسي ضد إسرائيل زاد من شعبية الأخير في الشارع العربي، كما أن حكومة العدالة والتنمية بذلت جهودا كبيرة لفتح علاقات تجارية مع الدول العربية. في هذا السياق، يقول كورنيل إن حزب العدالة والتنمية التركي بات نموذجاً ناجحاً في الشارع العربي، وهو ما دفع بالحركات الإسلامية في الشرق الأوسط إلى محاولة محاكاته.


استنتاجات
في نهاية دراسته يبدو كورنيل متحاملاً نوعاً ما وغير متوازن في استنتاجاته بشأن السياسة الخارجية التركية، فهو يقول إن حالة الثقة لدى الأتراك بدأت تتحول إلى شكل من أشكال الغطرسة. كما أن السياسية الخارجية على المستوى البيروقراطي أصبحت تعاني من عدم قدرتها على مجاراة العدد الكبير للمبادرات القادمة من مكتب داود أوغلو. كورنيل يستنتج أن السياسة الخارجية التركية اعتمدت على الكم ولم تعتمد على الكيف، فالعدد الكبير من الخطط والمبادرات لم يتم إعدادها بشكل جيد ومتوازن.


على الرغم من ذلك، فإن كورنيل لا ينكر أن تركيا تعتبر الآن لاعباً إقليميّاً مهمّاً، وعلى الأرجح أنها ستستمر في التقدم بحكم موقعها الاقتصادي، أما عن دور الأيديولوجيا فهو ينعكس في الطموح الواضح لدى أردوغان وأوغلو وهو ما لا يجب الاستهانة به.
كورنيل يضيف أن تركيا ما تزال شريكا صالحاً للعمل مع الغرب، وإن تعاملها مع الثورات العربية يعتبر مثالاً على ذلك، لكن كورنيل يؤكد أن أي تحالف بين تركيا والغرب سيكون وفقاً لمصالح مشتركة وليس بناءً على قيم مشتركة، فالقيم التركية تختلف تماماً عن الغربية، والواضح أن القادة الأتراك لا يعتبرون أنفسهم جزءاً من منظومة القيم الأوروبية، وللتدليل على أن العلاقة فقط علاقة مصالح، يشير كورنيل إلى الموقف التركي من إسرائيل وقبرص، حيث يعتبره دليلا على الاختلاف عن الرؤية الغربية.


إسلام أونلاين




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات