باقتصار جميع المترشحين للانتخابات السودانية الأخيرة على الحديث في الجنوب السوداني باللغة العربية دون اللغات الأخرى أثناء حملاتهم الانتخابية، فإن ذلك سشكل دليلا كافيا على أن لغة الضاد قد هيمنة بهذا البلد العربي الأفريقي المتنوع.
وحينما تتم الترانيم والصلوات في كنائس الجنوبيين في أغلب الأحيان باللغة العربية، أو مع وجود مترجم إليها، وحينما تكتب أغلب الإعلانات والتعليمات والتعاويذ في الكنيسة باللغة العربية، فذاك دليل آخر على بسط هذه اللغة نفوذها على السودان.
وبحسب العديد من الأكاديميين السودانيين فإن زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان الراحل جون قرنق لم يحدث جنوده في معسكراتهم –وهو يحارب الشماليين- بغير اللغة العربية.
وبرغم من أن نحو 65% من الجنوبيين وثنيون ونحو 17% منهم مسيحيون، بينما الباقي مسلمون بحسب بعض التقديرات، فإن العربية مع ذلك تبقي هي لغة الشارع هناك، رغم اعتماد حكومة الجنوب مؤخرا للإنجليزية لغة للإدارة، مستعينة بأطر من أوغندا وكينيا.
ويعزو الباحثون انتشار العربية في السودان وجنوبه خاصة إلى الحاجة للغة وسيطة للتواصل بين أكثر من خمسين لغة منتشرة هناك، من ضمن نحو 120 لغة معروفة في عموم السودان.
غير أن الصحفي الجنوبي ريتشارد جاندا يربط انتشارها في الجنوب بسياسات التعريب التي انتهجتها الحكومات السودانية هناك، وإلى حاجة مواطني الجنوب للوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية "التي ظل وجودها قاصرا على الشمال".
واللغة العربية المنتشرة في الجنوب هي -بالإضافة للغة العربية الفصيحة- "عربي جوبا"، وهي لغة عربية بسيطة تتخللها أحيانا مفردات من اللغات المحلية، وفي أحيان السواحيلية والإنجليزية، ولكنها مفهومة بالنسبة للسودانيين وللعرب عموما.
وعربي جوبا هي لغة التواصل الوحيدة في كبريات مدن الجنوب مثل ملكال وجوبا وواو، بل إنها "بدأت تستقل بنفسها، بنظامها الصوتي والصرفي، وتوجد أجيال من الجنوبيين لا يتكلمون بغيرها إطلاقا"، بحسب الدكتور كمال محمد جاه الله، أستاذ علم اللغويات الأفريقية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم.
ورغم أن اتفاق نيفاشا نص على اعتماد الانجليزية لغة ثانية بعد العربية، فإن "ذلك لن يضعفها لأنها لغة الفكر والدين ولأنها قوية بذاتها وما من سبيل للتوصل بدونها" بحسب أستاذ اللغة العربية بجامعة الخرطوم، الحبر يوسف نور الدايم.
ووفقا لمدير معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم البروفسور الأمين أبو منقة محمد، فإن الاستعمار الإنجليزي فشل في عزل العربية عن محيطها الجنوبي رغم إقراره لـ"قانون المناطق المقفولة" في عشرينيات القرن الماضي الذي استهدف "حماية" اللغات المتداولة هناك والأديان السائدة، رغم تنظيمه حملات تبشيرية واسعة شارك فيها إيطاليون ونرويجيون وسويديون وفرنسيون.
ويقضي ذالك القانون بإقامة شريط خال من السكان على عموم مناطق التماس بين الشمال والجنوب وترحيل سكانه. وقد اتضح مع الوقت، وخصوصا مع قرار بريطانيا في الأربعينيات إلحاق الجنوب بالشمال، فشل ذلك القانون، وأن اللغة العربية "لا يمكن لأي شيء أن يقف بوجهها لأنها انطلقت"، بحسب أبو منقة.
ويتنبأ الأكاديمي السوداني البارز بانقراض "كل اللغات الصغيرة في السودان، ويرى أنه حتى في حال انفصال الجنوب فإن العربية ستبقى لغة تخاطب وتواصل فيه".
أما في دارفور، رغم أصول أهلها غير العربية وحيث إنها كانت موطنا لأكثر اللغات التي انقرضت بالسودان، فلا توجد مشكلة إطلاقا بحكم تشبث أهلها بالدين الإسلامي.
فجميعهم -بحسب الدكتور كمال محمد جاه الله مقرّون بأن العربية هي اللغة الرسمية، وإن كان هناك دعوات ظهرت مؤخرا لاعتماد الفرنسية لغة ثانية هناك، كما أن الدعوات لترسيم لغة البيجا بالشرق لم تصمد.
التعليقات (0)