لست من المشاهدين الدائمين للتلفزيون أو المستمعين للراديو. لقد كنت أفضل طوال حياتي وسائل الأعلام الورقية المقروءة كالكتب والمجلات والجرائد باللغة العربية والأنجليزية والفرنسية أحيانا . ورغم أني مواضب على قراءة جريدة يومية ومجلة اسبوعية في أي بلد أعيش فيها بلغتها إلا أنه بتقدم العمر أضطر اليوم ألى وسائل الأعلام المرئية والمسموعة , وطبعا أشاهد تلفزيون وأسمع أذاعات البلاد التي اعيش فيها فقد عشت طوال حياتي متنقلا بين الوطن والقاهرة وجنيف ولندن قضيت في ثلات منها أكثر من عشرين سنة . لقد أحدث الكمبيوتر منذ مطلع التسعينات تغيرا في حياتي فقد أصبحت مدمنا للكمبيتر مما قلل من قراءتي للكتب والصحف وأثر في حياتي الأجتماعية وعلاقاتي مع الناس وحتى مع زوجتي . في العقدين الاخرين وبعد تقاعدي أصبحت أتابع بعض الصحف والمحطات المرئية العربية الوطنية والصادرة في أوربا وبالتحديد جرائد الأهرام والشرق الأوسط ومحطات تلفزيون مصر والجزيرة والعربية وغيرها التي أراها من وقت لأخر. وفي الحقيقة لقد سعدت كغيري من العرب ببداية بت محطة الجزيرة فقد كانت شرارة لحرية القول ( التي لا أصفها بحرية الرأي) التي تغيبت عن الساحة العربية منذ بداية الأنقلابات العسكرية . وللتاريخ لعبت الجزيرة دورا هاما في بزوغ حرية الرأي في عالمنا العربي ولكن الجزيرة رغم أستمرار رسالتها التي بدأتها إلا أنها أصبحت تساير الخط الأعلامي العربي ومجاملة الانظمة العربية كغيرها من المحطات العربية تحت الضغط العربي على أميرقطر . كما أنها لم تتطور ولا زالت تبت نفس البرامج وأصبحت مملة كغيرها من المحطات العربية. وقد تولت مواقع البت اللكتروني مهمة المعارضة العربية وعوضت ما قصرت عنه الجزيرة وبقية المحطات العربية.وفي الفترة الاخيرة وبعد نشاط المواقع اللكترونية المعارضة سمحت معظم الانظمة العربية بحرية الانتقاد حتى في وسائل الاعلام الرسمية , وهي ظاهرة أعتقد البعض إنها بداية لأنبعاث حرية الرأي والديمقراطية في عالمنا العربي , ولكن الناس فاتها أن حرية الأنتقاد ليس معناها حرية الراي . فالأنتقاد كان دائما موجودا حتى في أوج أوقات الدكتاتورية في المقاهي والمنتديات الشعبية . حرية الرأي هي أن يقول الأنسان رأيه في مؤسسات دستورية حتى يكون لرأيه قيمة .لأن الانتقاد في الشارع وفي وسائل إعلام لا يقرأها إلا نفر قليل ورجال المخابرات لا قيمة له لدى الشعب سوى أمتصاص غضب مكتوم دون حل لمصدر الغضب . حرية الرأي تعني دستوريا حرية المواطن في تأسيس حزب او الأنضمام إلى حزب معروفة اهدافه وسياساته , وترشيح نفسه لرئاسة الدولة وعضوية البرلمان دون تزكية من أحد داعيا ألى معتقداته وأرائه أو أراء حزبه, ليتمكن من المشاركة برأيه في في المؤسسات التشريعية لرسم سياسة البلاد وسداد الحكم ومحاربة الفساد وقطع الطريق أمام الأستغلال واصوات التدليس . والكلام عن حرية الرأي دون توفرالمؤسسات الحزبية والدستورية التشريعية ما هو إلا زعيق في واد .
أتابع اليوم بعض المحطات التلفزونية ووسائل الأعلام المكتوبة على الأنترنت فماذا أجد . نصف الأعلام العربي وخاصة في المحطات المرئية يعرض نشاط رئيس الدولة وزياراته وتصريحاته حتى عمل رؤساء الحكومات والوزراء يوصف بانه تنفيذ لتعليمات وتوجيهات السيد الرئيس , كأن الذي يفكر ويشرع وينفذ هو شخص واحد رئيس الدولة , وبقية المسئولين والمواطنين عبيد ينفذون ما يطلبه منهم الرئيس . وهو شئ غير مألوف أو معروف في بلاد العالم الاخرى . وبعض وقت الارسال المرئي العربي يهلل بمشاريع خيالية بالمصانع والطرق والمرافق العامة ولو صدقنا هذا لكانت المنطقة العربية خير بلاد الدنيا والواقع المؤلم اننا في ذيل قائمة الأمم المتأخرة حضاريا وأقتصاديا بشهادة تقارير الامم المتحدة. وما بقى من وقت البت الاعلامي خصص للدعوة إلى التأخر الأجتماعي والدروشه الدينية مواعظ وفتاوى تتكلم عن الدجال والأمام المنتظر وجنات عدن . تختتم بمسلسلات خيالية لا أساس لها في التاريخ العربي و تتعلق بحياة شعبية إجتماعية مضى عليها الزمن ولم يعد لها وجود أو معنى لدى الشباب وهم أغلبية السكان في عالمنا العربي اليوم . والمسلسلات التلفزيونية ثلت الوقت فيها خصص لاستعراض قائمة الممثلين والمشاركين والثلت الثاني في الأعلانات الركيكة عن المنتوجات المستوردة وما بقى من الوقت هو سرد فقرات دون مضمون من قصة المسلسل . وهكا ينام المواطن العربي داعيا الله أن يحفظ الرئيس ويصون الانجازات العظيمة للتي تحققت عل يديه , وليحلم بالدجال والمهدي المنتظر وجنات عدن سندس خضر تجري من تحتها الأنهار كما تجري مياه الانهار في باكستان اليوم , ومئات من الحوريات كواعب أبكارا . مطمئنا باسترداد فلسطين بالدعاء وبركاب الخيل وجنود لن تروها . فرحا بتحقيق العدالة والجنوح إلى السلم ومن ضربك على خذك الأيمن أدر له خذك الأيسر وقبله قبلة عربية صادقة . وبعد هذا الحلم الجميل يقوم المواطن العربي في الصباح على صياح القتلى والجرحى في فلسطين وافغانستان والعراق واليمن والصومال وتشريد السكان في جميع ارجاء الوطن العربي , والغرقى في باكستان , والجوعى العراة في المدن والأرياف العربية , وعفونة المجارى وإنقطاع الكهرباء في المدن وووو. والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه .
التعليقات (0)