الأسطورة
يوم الجمعة يفتح فلسفة الفقراء على الطرقات ,من يشتهي أن يخوض في صمت الطقوس أو ضجيج المعاول وهي تطرد النفايات لتخط ميدانا للخطوة القادمة ,هكذا تمرد الحلم وانفرد كعادته يبوح بسر الحكمة الالهية0
الذين قدموا من البلاد البعيدة دهشوا بفن التقاعس وامتلاء الأرصفة برائحة الصمت ,وماكان لهم سوى البقاء على دهشتهم حتى يدق أول مسمار في نعش الحقيقة 0
يقال إن رجلا مليئا بالوقار ادخل انفه في اللعبة ليقلب المفاهيم ويستحوذ على العقول ,ويقال أيضا إن السماء تدخلت أكثر من مرة لحمله على الدخول سريعا إلى الساحة ,وان تأثيره في الأشياء بات واضحا ,فترتب على ذلك إن عاصفة من الرفض تساقطت وكأنها عازمة على تدمير كل شيء0
القادمون من البلاد البعيدة مازالوا على دهشتهم ,ولأن البديل المناسب سيحل في الميدان فقد سارعوا بطرح تبريراتهم المحملة بروح الفكاهة 0
الرجل الوقور يقف على يمين الطريق ,يتحمل وحده الرد على جميع الأسئلة التي ستوجه له ,وهاهو يقف كالأسطورة أمام قذيفة من احد المارة 0
كان شريطا من البؤس يمر على ذاكرة الرجل الموقر وهو يصارع في الميدان ويحفز الفقراء على الوثوب ويمعن في التصدي 0
سمعته مرة يقول :لا خزي لمن تمسك بحبل الله
بعد صمت المدافع جاء صوت الشتائم ,تمسك الرجل الموقر بمقولته ومد حبلا من الود إلى السماء 0
هكذا بدأ رحلته كاشفا عن عيون الجماهير عتمة السنوات ,امسك عصا الأبنوس وحفر على رخامة العقل 0
اخرج يديه ذات مساء وتحت ضوء مصباح خافت قرأنا على ظهر كفه كلمة الله, كان في الأمر أكثر من سؤال 00قال احدهم : انه أمر طارئ
وقال آخر : انه أمر متعمد وهذا واضح من طريقة الخط0
وقال آخر: انه سر الهي يؤتيه من يشاء0
ولم يعلم احد من هؤلاء بان علة في الأفق صار لها من القدسية في العطاء ماأجهز على كل ظلام وتحول إلى نور سماوي ناصع البياض تراه العين اسما لله وهو الحق الذي مابعده ,وكان لهذه الأطروحات رائحة البحر والبداوة , ووقع السيوف وبهجة في النفوس وصراطا مستقيما وحصنا من المكاره0
الوافدون من الأقاصي أعجبتهم اللعبة ,وافرغوا كل نكاتهم ,وتقولوا عن الرجل الموقر وأبدلوا اسمه بأسماء كثيرة ,وكان خلاصة القول :إن صحوة وقعت وليس لوقعتها كاذبة0
من يدري مايحدث في الغد ,ربما تتحول هذه الرقعة المربعة من الأرض إلى بساط عريض يكفي لإيواء كل البسطاء ,وربما يطوف الرجل الموقر حوله ساعيا إلى ذكر الله0
وربما لا يكون هناك سورا رغم ولادة سوق الخضار وأخر للحدادة ومأوى لوقوف العجلات ,وربما يكون هناك مركزا للشرطة وهذا أكيد للسيطرة على مايحدث مستقبلا,وأكيد أيضا لن يكون هناك مركزا صحيا لأنه حين وقوع الواقعة ستختلط الاشياء0
ولن تكون هناك أبدا لافتة تدل عليه لان خيوطا من المشاة تطوي الأرض متصلة يبعضها حتى رقع النمل على مربع الأرض المغطاة بالرمل0
البيوت المحيطة بجهات المربع ستكون عرضة لسيل من الرصاص في ساعة العاصفة وتكون مقبرة للجميع0
وقد يتسنى لك أن ترى مشهدا أو مشهدين ,أو أن تقول عبارة واضحة وتستدير كيف تشاء ,وإذا حدث ذلك فأي جسد سيلفك وأي بركة ستحل بين يديك وأي مشهد سيثبت في ذاكرتك وأنت ترى هذا الوباء القاتل وهو يدك معاقل البسطاء وأي عبارة ستخلد هنا ؟
كل عبارة هراء وكل حديث باطل ومهان وكل الأناشيد التي قيلت في الخفاء ستموت عند المواجهة0
إنها حرقة اللحظة دوي ومواويل ,دوي وهستريا ,دوي واهازيج0
أهازيج أواخر القرن وهي تشحذ خيوط المنايا بأروع ميتة سوف يسجلها التاريخ0
هناك على الحافة العليا يمين الساحة يقف الرجل الموقر يمسك عصا الأبنوس يرتق ماخاب ويصلح مااختل ,ينظر بحماسة إلى الواقعة تفاجئه المدينة بالصمت0
يغرد وحيدا في منفاه في طرف الميدان يغرد بالصلاة الأخيرة ويصدح بصوته:لاخزي لمن تمسك بحبل الله0
تمر الآن خيول بني العباس يحمل رايتها المقدسة الأب السفاح ويرمي إلى الوراء نظرة الشماتة على دكة الأمويين وهي تتآكل تحت سنابك الخيل0
شريط من الدم والبارود يخط على صفحات الرسالة وصاحبها ,يردد بعد فناء الأشياء إني تارك فيكم الثقلين0فرسان العرب الذين حاولوا إنقاذ وجه الحقيقة من عفونة التاريخ مرقوا على صاحب الرسالة وفتحوا النار على خيامه وعرصاته وتحالفوا مع الجمل لإخضاع النور الأول لبؤسهم0
شعراء المعلقات اكتفوا بكبرياء تاركين الكلمة أسيرة بين تفاعيلهم وحبيبات بائسات 0
العثمانيون وبرغم طينتهم الشرسة تمهلوا في التنكيل وأمعنوا في الفتوحات 0
اختلطت عليهم البلاد فشددوا قبضتهم وفتحوا إلى الأبد فوهة الموت على الحقيقة الناصعة البياض 0
الفرنسيون تقاسموا غنائم ماجتنله العرب عبر التاريخ وكذلك الانكليز والايطاليون 0
خيط مرير من الذكريات يمر أمام الرجل الموقر وهو يقف على الطرف الأغر يمين المربع الرملي ,ياسيدي ماذا تريد؟أمامك بحر من الرجال وبحر من الحكماء ودواوين العرب ,أمامك فلسفة الحرب وفلسفة السلام وفتوحات لايحمد عقباها 0
أمامك فرعون وجند وأبو سفيان وهو يؤلب العصبيات القبلية ويروي عطش السنوات0
أمامك معاوية رجل الشام الأول دون منازع ,أمامك يزيد الساقط في وحل المجون والخداع والرذيلة ,وأمامك الحجاج يمعن في قتل البسطاء ,وأمامك قيصر الروم وقيصر أمريكا وببغاء روسيا وصمت البجع الأسود في الشرق وأمامك قحط مخيف ودوائر مغلقة وأرغفة محسوبة على الفقراء وبنادق 0
أمامك شواطئ لاتنتهي من الشتائم والعمائم ,وأمامك جبل من المجون يمتد إلى شريان الدم ويوزع الأسى والسم مع البطاقة التموينية ,وأمامك التقنية المريعة ترمي سلم الأمل الذي ثابرت لمده بين السماء والارض0
أمامك غول لايهدأ وأنابيب لنقل النفط إلى ماوراء البحار لترجع بالأسى والحليب الفاسد وأجهزة الرعب ,فعد ياسيدي عد إلى الصومعة ,وافترش عباءة رثة واركن إلى مخدة الدفء وتوكأ على عصا الأبنوس واحمل البركات 0
عد ياسيدي واركن بعيدا عن الواقعة ,فهذه الأمنيات لن تلامس ارض الواقع الآن .فعد صامتا صائما ولا تعلق آمالك على الزوبعة0
كان يقف إلى جوارك بل كنت تقف إلى جواره ,أسد من الماضي البعيد يتفرس في عيون حاشيته يرى بكاء النساء وخوف الصغار تكالب عليه الناس حتى تقوس سيفه من الضرب فصار مثارا للبسالة0
فعد فهناك في الشام ألف معاوية يحملون الطعنات على حد سيوفهم وينتظرون اللحظة الحاسمة 0
لعلك حامل كلمة السر ومفسر طلسم الغد الغامض ومفزع الأعداء وكاشف غم المساكين وطاعن المنافقين في الصميم 0
مررت على دارك كانت المساءات تعد على الأصابع والحمائم تسبح في برك الدماء فغادرتك احمل وردة الله في يدي
الوافدون من هناك حملوا لنا بشارة الحلم
حلم حلم حلم
التعليقات (0)