أمران هما اللذان يسيطران على عاطفة الإنسان المصرى ويشكلان وعيه الجمعى , ويصوغان وجدانه الإنسانى , وهما الدين أولا والنيل ثانيا , . ولقد استطاعت التيارات المسماه بالاسلامية أن تتاجر بالدين منذ عدة عقود , وهى فى هذه التجارة قد صدّرت مجموعة ممن أُطلق عليهم الدعاة ليحتلوا منابر الدعوة , فأخذوا من الإسلام أشد تأويلاته تزمتا وتشددا , وذلك من منطلق أنه كلما كان الرأى أكثر تشددا كلما ازدادت جماهيرية صاحبه باعتباره الأكثر حرصا على الإسلام وحبا له وكراهية لأعدائه والمتربصين به سواء فى الداخل أو الخارج , وهنا لا يتسع المجال لذكر أمثلة من هذا التشدد الذى يتناقض مع صريح بعض آيات القرآن , ولهذا حديث آخر. ولقد حدث نوع من التحالف بين الحكم الاستبدادى العسكرى فى مصر لأكثر من نصف قرن وبين هذا التيار المتأسلم إلى أن أثمر ذلك ثماره الشديدة المرارة القاتلة السُمية , وذلك بتولى هذا التيار مقاليد الحكم فى مصر . وهنا لا أريد أن أطيل فى المصائب والكوارث التى تنتظر الوطن على يد هذا الحكم , فالواقع أنه كان صريحا وواضحا منذ البداية فقد كشف عن وجهه وتوجهاته بعدة إجراءات ومواقف , ويكفى أن أذكر منها ما يلى - 1 - إصرار هذا الحكم على ضرب العدالة المصرية ممثلة فى المحكمة الدستورية - 2- تعيين رئيس وزراء أثبت فشلا ذريعا فى منصب وزير الرى ولم يدق مرة واحدة جرس إنذار عن سد أثيوبيا بل سبق أن ذكر أن هذا السد لا يمثل أى ضرر لمصالح مصر المائية - 3 - إصرار الرئيس الإخوانى بل مكتب الإرشاد على تعيين نائب عام غير شرعى وبطريقة غير شرعية - 4- وأخيرا تعيين وزير ثقافة ينتمى إلى حزب الجماعة الإسلامية أشد الجماعات تطرفا , والتى قال بعض أعضائها أخيرا إن اغتيال السادات كان له مبرر شرعى , بالطبع انا لم أذكر كل المواقف والممارسات غير الوطنية بل وغير الأخلاقية لحكم الإسلاميين , ولكنى اكتفيت بذكر أبرزها , ولعل فى آخر ما ذكرت وهو تعيين وزير الثقافة المتطرف دينيا والمنتمى لحزب الجماعة التى قتلت رئيس الجمهورية الأسبق هذا الموقف وحده يشير إلى الطريق الكارثى الذى يدفع الإسلاميون مصر إليه , طريق الحكم بالحرام على كل منجزات العقل المصرى وإبداعه وشواهد حضارته . ورغم رفض جموع المثقفين لهذا الوزير واعتصامهم أمام وزارة الثقافة فلم يهتم أى مسؤول بذلك وكأن المثقفين لا يمثلون وهج عقل مصر ونور فكرها ودليل حضارتها , . وبدلا من أن يعلن أى منهم ان الرئيس او رئيس الوزراء يقدر المثقفين المصريين ,ويضع مطالبهم موضع الاعتبار , رأينا هؤلاء الذين تاجروا بالدين يتاجرون بالمقدس المصرى الثانى وهو النيل , حيث دعا رئيس الجمهورية رجال المعارضة للحوار بشأن النيل باعتباره قضية المصريين جميعا , وهذا موقف انتهازى شديد الابتزاز , فالرئيس لم يسبق له ان أوفى بأى وعد أخذه على نفسه فى الاجتماعات التى دعا إليها بعض رموز المعارضة , ولكن من الواضح أن وراء هذه الدعوة المشبوهة غرض آخر وهو أن ا لاسلاميين يريدون ان يصادروا على الثورة المرتقبة فى 30 من الشهر الحالى ويريدون أن يصوروا الشباب الثائر بأنه غير مهتم بالقضية الوطنية الاولى وهى قضية مياه النيل , وأظن أنه سيجرى تكثيف الزخم الإعلامى حول مشكلة مياه النيل فى الأيام القادمة كى تبدو مصر وكأنها فى حالة تعبئة عامة من اجل أهم قضاياها المصيرية ولكى يبدو الثوار وكأنهم يشقون الصف الوطنى فى ظروف وطنية قاسية وفى هذا السياق أخذ مرسى فى آخر خطبة له يجأر بالصياح قائلا : إن كل الخيارات مفتوحة أمام مصر للحفاظ على مياه النيل , وهذا الكلام معناه عدم استبعاد الخيار العسكرى , وكان على الرئيس أو على المرشد أن يرشده إلى البعد عن منزلق التهديد لأن أى عمل عسكرى لن يحل مشكلة مياه النيل بل سيزيدها تعقيدا كما ان التهديد به سيجعل من موقف دول حوض النيل اكثر احتقانا وتحديا , ومثل هذا التصريح العنترى لن يخيف أحدا فى أثيوبيا أو غيرها , والكل يعلم أن مصر المنهكة اقتصاديا لا تستطيع أن ترسل جنودها ليحاربوا فى مستنقعات إفريقيا , ولو استطاعت ومهما قيل عن قوة الجيش المصرى فلا يمكن أن تُحسم قضية المياه لصالح مصر عن طريق القتال , وأظن أن معظم قادة الإخوان يعرفون هذه الحقيقة , ولكنهم تجار شطار , وكما نجحوا فى التجارة بالدين فهم يتاجرون هذه المرة بالنيل ليجذبوا الثوار إلى صفوفهم أويجهضوا ثورتهم وكى يصرفوا نظر الجماهير الثائرة عن الخطر الحقيقى المتمثل فى نظام حكم ظلامى يأخذ مصر قرونا إلى الوراء , ولكى يتمكنوا من تنفيذ مخططهم من أجل التسلط والتمكين وصولا إلى القضاء على الخاصية الحضارية المصرية واستئصال هويتها الفريدة لتحل محلها هوية جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أمام الجموع جهارا بينما يمارسون أسوأ ألوان المنكرات فى الخفاء
التعليقات (0)